سبب نزول الآيات من رقم (51) إلى رقم (55) من سورة القصص

 

﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ / الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ / وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ / أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ / وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾

 

النزول:

قيل نزل قوله ﴿إنك لا تهدي من أحببت﴾ في أبي طالب فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحب إسلامه فنزلت هذه الآية وكان يكره إسلام وحشي قاتل حمزة فنزل فيه يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية فلم يسلم أبو طالب وأسلم وحشي ورووا ذلك عن ابن عباس وغيره وفي هذا نظر كما ترى فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يجوز أن يخالف الله سبحانه في إرادته كما لا يجوز أن يخالفه في أوامره ونواهيه وإذا كان الله تعالى على ما زعم القوم لم يرد إيمان أبي طالب وأراد كفره وأراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إيمانه فقد حصل غاية الخلاف بين إرادتي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمرسل فكأنه سبحانه يقول على مقتضى اعتقادهم إنك يا محمد تريد إيمانه ولا أريد إيمانه ولا أخلق فيه الإيمان مع تكفله بنصرتك وبذل مجهوده في إعانتك والذب عنك ومحبته لك ونعمته عليك وتكره أنت إيمان وحشي لقتله عمك حمزة وأنا أريد إيمانه وأخلق في قلبه الإيمان وفي هذا ما فيه وقد ذكرنا في سورة الأنعام أن أهل البيت (عليهم السلام) قد أجمعوا على أن أبا طالب مات مسلما وتظاهرت الروايات بذلك عنهم وأوردنا هناك طرفا من أشعاره الدالة على تصديقه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتوحيده فإن استيفاء ذلك جميعه لا تتسع له الطوامير وما روي من ذلك في كتب المغازي وغيرها أكثر من أن يحصى يكاشف فيها من كاشف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويناضل عنه ويصحح نبوته وقال بعض الثقات إن قصائده في هذا المعنى التي تنفث في عقد السحر وتغبر في وجه شعراء الدهر يبلغ قدر مجلد وأكثر من هذا ولا شك في أنه لم يختر تمام مجاهرة الأعداء استصلاحا لهم وحسن تدبيره في دفع كيادهم لئلا يلجئوا الرسول إلى ما ألجئوه إليه بعد موته.