نقض العهد تنكُّر للفطرة والتقوى والإيمان

﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾(1).

إن من أهم مسؤوليات الإنسان في هذه الحياة حفظ العهود والمواثيق التي يلتزم بها مع الآخرين لتكون برامج للعمل ومنظمة العلاقات، وإن صاحب العقل السليم والفطرة السليمة ليمسُّ بفطرته وبسلامة حواسه قبح نقض هذه العهود، وحسن الوفاء بها في جميع الحالات ومهما كانت الظروف الاجتماعية.

ولا شك أن لنظام التربية والتنشئة الذي يتربى عليه الإنسان منذ سنينه الأولى أو لنقل منذ طفولته الباكرة أثرًا كبيرًا في صياغة شخصيته ومفاهيمه المستقبلية ونظرته لهذه الحياة، فالحاضنة الاجتماعية تترك بصماتها واضحة على صفحات هذا الإنسان، فالذي يعيش حياة الطهارة والنقاء، حياة الإحساس بالمسؤولية والشعور بالآخرين ويعيش الإحساس الإيماني برقابة الله عليه، تراه حريصًا كل الحرص على استجماع صفات المتقين والتي منها حفظ العهود والمواثيق.

إن الأخلاق الإسلامية الإنسانية تحكم بضرورة احترام كل قرار يصدر عن الإنسان وكل عقد يعقده مع الآخرين حتى لو لم يكن له ضمان رسمي أو وثيقة قانونية، فيكفي في ذلك أن الله تعالى هو الشاهد، فأي وثيقة أكبر من هذه الوثيقة، وأي شاهد أعظم وأثبت من هذا الشاهد الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وكما أن الوفاء بالعهود هو قيمة شرفية وخلقية في الإنسان حث عليها الإسلام ووجه إليها الرحمن عباده من خلال الخطاب القرآني، فإنَّ خيانة العهود ونقضها هو تحرر من قيود الشرف والمبادئ والأخلاق، وإنَّ له من الآثار الخطيرة على المجتمع وعلى الفرد نفسه الشيء الكثير، فهو هدم للبناء الاجتماعي وتفكيك لأواصر التعايش وتشتيت لشمل المجتمع، وإن شيوع هذا السلوك الفاسد لهو شاهد على ضعف وانحطاط المجتمع وكذلك هو من أهم العوامل التي تؤدي إلى وهن حبال المودة بين النَّاس، وإن المجتمع، الذي يكون هذا حاله هو قطعًا فاقد للتوازن والحياة السعيدة ولا يطمئن فيه أحدٌ لأحد أبدًا، وماذا تكون النتيجة؟

 سئل الإمام الصادق (ع) عن الذنوب التي تقتضي إلحاق العقوبة مجازاة للإنسان، فأجاب عليه السلام بقوله: "نقض العهد، وظهور الفاحشة، وشيوع الكذب، والحكم بغير ما أنزل الله، ومنع الزكاة، وتطفيف الكيل".

 ونجد في حديث الإمام (ع) أنَّ أول الذنوب التي توجب مجازاة الإنسان على فعله هي نقض العهود، لأنها مسألة خطيرة وهي تنطوي على شرور كثيرة، فهي كذب وتحلل من العهود وعمل بخلاف ما أمر الله تعالى.

 وعن الرسول الأعظم (ص) قال: "خمس بخمس"، قالوا: "يا رسول الله وما خمس بخمس؟"، قال (ص): "ما نقض قوم العهد إلاّ وسلط الله عليهم عدوهم، وما ظهرت عنهم الفاحشة إلا وقد فشي فيهم الموت، وما شاع فيهم الكذب والحكم بغير ما أنزل الله إلا وقد فشي فيهم الفقر، وما منعوا الزكاة إلا حبس عنهم المطر، وما طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين".

 والتأمل في حديث الرسول الأعظم (ص) يعطي صورة واضحة عن ترتب النتائج على الأعمال التي تصدر عن الإنسان، ولو دققنا لوجدنا أن الأعمال المذكور كلها تمثل نقضًا لعهود الله، وأن هذا النقض للعهد يؤدي إلى تفكك التماسك الاجتماعي وفقدان المناعة وبالتالي انهيار المجتمع.

 وعن الإمام الباقر (ع) قوله: "ثلاث لم يجعل الله لأحد فيهن رخصة: أداء الأمانة إلى البر والفاجر، والوفاء بالعهد إلى البر والفاجر، وبالوالدين برين كانا أو فاجرين".

 وعن الرسول (ص) قوله: "أربعٌ من كُنَّ فيه فهو منافق، وإن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".

1- سورة النحل / 91.