كلم:

الكلم التأثير المدرك بإحدى الحاستين، فالكلام مدرك بحاسة السمع، والكلم بحاسة البصر، وكلمته جرحته جراحة بان تأثيرها ولاجتماعهما في ذلك قال الشاعر: * والكلم الأصيل كأرعب الكلم * الكلم الأول جمع كلمة، والثاني جراحات والأرعب الأوسع، وقال آخر: * وجرح اللسان كجرح اليد * فالكلام يقع على الألفاظ المنظومة وعلى المعاني التي تحتها مجموعة، وعند النحويين يقع على الجزء منه اسما كان أو فعلا أو أداة.

وعند كثير من المتكلمين لا يقع إلا على الجملة المركبة المفيدة وهو أخص من القول فإن القول يقع عندهم على المفردات، والكلمة تقع عندهم على كل واحد من الأنواع الثلاثة، وقد قيل بخلاف ذلك، قال تعالى: ﴿كبرت كلمة تخرج من أفواههم﴾ وقوله: ﴿فتلقى آدم من ربه كلمات﴾ قيل هي قوله: ﴿ربنا ظلمنا أنفسنا﴾ وقال الحسن: هي قوله: " ألم تخلقني بيدك ؟ ألم تسكني جنتك ؟ ألم تسجد لي ملائكتك ؟ ألم تسبق رحمتك غضبك ؟ أرأيت إن تبت أكنت معيدي إلى الجنة ؟ قال: نعم " وقيل هي الأمانة المعروضة على السماوات والأرض والجبال في قوله: ﴿إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال﴾ الآية، وقوله: ﴿وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن﴾ قيل هي الأشياء التي امتحن الله إبراهيم بها من ذبح ولده والختان وغيرهما.

وقوله لزكريا: ﴿إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله﴾ قيل هي كلمة التوحيد وقيل كتاب الله وقيل يعنى به عيسى، وتسمية عيسى بكلمة في هذه الآية، وفى قوله ﴿وكلمته ألقاها إلى مريم﴾ لكونه موجدا بكن المذكور في قوله ﴿إن مثل عيسى﴾ الآية وقيل لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله تعالى، وقيل سمى به لما خصه الله تعالى به في صغره حيث قال وهو في مهده ﴿إني عبد الله آتاني الكتاب﴾ الآية، وقيل سمى كلمة الله تعالى من حيث أنه صار نبيا كما سمى النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ذكرا رسولا﴾ وقوله ﴿وتمت كلمة ربك﴾ الآية فالكلمة ههنا القضية، فكل قضية تسمى كلمة سواء كان ذلك مقالا أو فعالا، ووصفها بالصدق لأنه يقال قول صدق وفعل صدق، وقوله ﴿وتمت كلمة ربك﴾ إشارة إلى نحو قوله ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾ الآية، ونبه بذلك أنه لا تنسخ الشريعة بعد هذا، وقيل إشارة إلى ما قال عليه الصلاة والسلام " أول ما خلق الله تعالى القلم فقال له اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة " وقيل الكلمة هي القرآن وتسميته بكلمة كتسميتهم القصيدة كلمة فذكر أنها تتم وتبقى بحفظ الله تعالى إياها، فعبر عن ذلك بلفظ الماضي تنبيها أن ذلك في حكم الكائن وإلى هذا المعنى من حفظ القرآن أشار بقوله: ﴿فإن يكفر بها هؤلاء﴾ الآية، وقيل عنى به ما وعد من الثواب والعقاب، وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين﴾ وقوله: ﴿وكذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا﴾ الآية، وقيل عنى بالكلمات الآيات المعجزات التي اقترحوها فنبه أن ما أرسل من الآيات تام وفيه بلاغ، وقوله: ﴿لا مبدل لكلماته﴾ رد لقولهم ﴿ائت بقرآن غير هذا﴾ الآية، وقيل أراد بكلمة ربك أحكامه التي حكم بها وبين أنه شرع لعباده ما فيه بلاغ، وقوله: ﴿وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا﴾ وهذه الكلمة فيما قيل هي قوله تعالى: ﴿ونريد أن نمن على الذين﴾ الآية، وقوله: ﴿ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما - ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضى بينهم﴾ فإشارة إلى ما سبق من حكمه الذي اقتضاه حكمته وأنه لا تبديل لكلماته، وقوله تعالى: ﴿ويحق الله الحق بكلماته﴾ أي بحججه التي جعلها الله تعالى لكم عليهم سلطانا مبينا، أي حجة قوية.

وقوله: ﴿يريدون أن يبدلوا كلام الله﴾ هو إشارة إلى ما قال: ﴿قل لن تخرجوا معي﴾ الآية، وذلك أن الله تعالى جعل قول هؤلاء المنافقين: ﴿ذرونا نتبعكم﴾ تبديلا لكلام الله تعالى، فنبه أن هؤلاء لا يفعلون وكيف يفعلون وقد علم الله تعالى منهم أن لا يتأتى ذلك منهم، وقد سبق بذلك حكمه.

ومكالمة الله تعالى العبد على ضربين، أحدهما: في الدنيا، والثاني في الآخرة فما في الدنيا فعلى ما نبه عليه بقوله: ﴿ما كان لبشر أن يكلمه الله﴾ الآية، وما في الآخرة ثواب للمؤمنين وكرامة لهم تخفى علينا كيفيته، ونبه أنه يحرم ذلك على الكافرين بقوله ﴿إن الذين يشترون بعهد الله﴾ الآية وقوله: ﴿يحرفون الكلم عن مواضعه﴾ جمع الكلمة، وقيل إنهم كانوا يبدلون الألفاظ ويغيرونها، وقيل إنه كان من جهة المعنى وهو حمله على غير ما قصد به واقتضاه وهذا أمثل القولين فإن اللفظ إذا تداولته الألسنة واشتهر يصعب تبديله، وقوله: ﴿وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية﴾ أي لولا يكلمنا الله مواجهة وذلك نحو قوله ﴿يسألك أهل الكتاب﴾ إلى قوله: ﴿أرنا الله جهرة﴾.