كفر:

الكفر في اللغة ستر الشئ، ووصف الليل بالكافر لستره الاشخاص، والزراع لستره البذر في الأرض، وليس ذلك باسم لهما كما قال بعض أهل اللغة لما سمع: * ألقت ذكاء يمينها في كافر * والكافور اسم أكمام الثمرة التي تكفرها، قال الشاعر: * كالكرم إذ نادى من الكافور * وكفر النعمة وكفرانها سترها بترك أداء شكرها، قال تعالى: ﴿فلا كفران لسعيه﴾ وأعظم الكفر جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة، والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالا، والكفر في الدين أكثر والكفور فيهما جميعا قال: ﴿فأبى الظالمون إلا كفورا - فأبى أكثر الناس إلا كفورا﴾ ويقال منهما كفر فهو كافر، قال في الكفران: ﴿ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربى غنى كريم﴾ وقال: ﴿واشكروا لي ولا تكفرون﴾ وقوله: ﴿وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين﴾ أي تحريت كفران نعمتي، وقال: ﴿لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد﴾ ولما كان الكفران يقتضى جحود النعمة صار يستعمل في الجحود، قال: ﴿ولا تكونوا أول كافر به﴾ أي جاحد له وساتر، والكافر على الاطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها، وقد يقال كفر لمن أخل بالشريعة وترك ما لزمه من شكر الله عليه، قال: ﴿من كفر فعليه كفره﴾ يدل على ذلك مقابلته بقوله: ﴿ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون﴾ وقال ﴿وأكثرهم الكافرون﴾ وقوله ﴿ولا تكونوا أول كافر به﴾ أي لا تكونوا أئمة في الكفر فيقتدى بكم، وقوله ﴿ومن يكفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون﴾ عنى بالكافر الساتر للحق فلذلك جعله فاسقا، ومعلوم أن الكفر المطلق هو أعم من الفسق، ومعناه من جحد حق الله فقد فسق عن أمر ربه بظلمه.

ولما جعل كل فعل محمود

من الايمان جعل كل فعل مذموم من الكفر، وقال في السحر: ﴿وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر﴾ وقوله: ﴿الذين يأكلون الربا - إلى قوله - كل كفار أثيم﴾ وقال: ﴿ولله على الناس حج البيت - إلى قوله - ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين﴾ والكفور المبالغ في كفران النعمة، وقوله: ﴿إن الانسان لكفور﴾ وقال: ﴿ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور﴾ إن قيل كيف وصف الانسان ههنا بالكفور ولم يرض بذلك حتى أدخل عليه إن واللام وكل ذلك تأكيد، وقال في موضع ﴿وكره إليكم الكفر﴾ فقوله ﴿إن الانسان لكفور مبين﴾ تنبيه على ما ينطوي عليه الانسان من كفران النعمة وقلة ما يقوم بأداء الشكر، وعلى هذا قوله: ﴿قتل الانسان ما أكفره﴾ ولذلك قال ﴿وقليل من عبادي الشكور﴾ وقوله ﴿إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا﴾ تنبيه أنه عرفه الطريقين كما قال: ﴿وهديناه النجدين﴾ فمن سالك سبيل الشكر، ومن سالك سبيل الكفر، وقوله ﴿وكان الشيطان لربه كفورا﴾ فمن الكفر ونبه بقوله ﴿كان﴾ أنه لم يزل منذ وجد منطويا على الكفر.

والكفار أبلغ من الكفور لقوله ﴿كل كفار عنيد﴾ وقال ﴿إن الله لا يحب كل كفار أثيم - إن الله لا يهدى من هو كاذب كفار - إلا فاجرا كفارا﴾ وقد أجرى الكفار مجرى الكفور في قوله ﴿إن الانسان لظلوم كفار﴾ والكفار في جمع الكافر المضاد للايمان أكثر استعمالا كقوله ﴿أشداء على الكفار﴾ وقوله ليغيظ بهم الكفار﴾ والكفرة في جمع كافر النعمة أشد استعمالا وفى قوله ﴿أولئك هم الكفرة الفجرة﴾ ألا ترى أنه وصف الكفرة بالفجرة ؟ والفجرة قد يقال للفساق من المسلمين.

و قوله ﴿جزاء لمن كان كفر﴾ أي من الأنبياء ومن يجرى مجراهم ممن بذلوا النصح في أمر الله فلم يقبل منهم.

وقوله ﴿إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا﴾ قيل عنى بقوله إنهم آمنوا بموسى ثم كفروا بمن بعده.

والنصارى آمنوا بعيسى ثم كفروا بمن بعده.

وقيل آمنوا بموسى ثم كفروا بموسى إذ لم يؤمنوا بغيره، وقيل هو ما قال ﴿وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي﴾ إلى قوله: ﴿واكفروا آخره﴾ ولم يرد أنهم آمنوا مرتين وكفروا مرتين، بل ذلك إشارة إلى أحوال كثيرة.

وقيل كما يصعد الانسان في الفضائل في ثلاث درجات ينعكس في الرذائل في ثلاث درجات والآية إشارة إلى ذلك، وقد بينته في كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة.

ويقال كفر فلان إذا اعتقد الكفر، ويقال ذلك إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد ولذلك قال ﴿من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان﴾ ويقال كفر فلان بالشيطان إذا كفر بسببه، وقد يقال ذلك إذا آمن وخالف الشيطان كقوله ﴿فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله﴾ وأكفره إكفارا حكم بكفره، وقد يعبر عن التبري بالكفر نحو ﴿ويوم القيامة يكفر بعضكم ببعض﴾ الآية وقوله تعالى: ﴿إني كفرت بما أشركتموني من قبل﴾ وقوله ﴿كمثل غيث أعجب الكفار نباته﴾ قيل عنى بالكفار الزراع لأنهم يغطون البذر في التراب ستر الكفار حق الله تعالى بدلالة قوله: ﴿يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار﴾ ولان الكافر لا اختصاص له بذلك وقيل بل عنى الكفار، وخصهم بكونهم معجبين بالدنيا وزخارفها وراكنين إليها.

والكفارة ما يغطى الاثم ومنه كفارة اليمين نحو قوله ﴿ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم﴾ وكذلك كفارة غيره من الآثام ككفارة القتل والظهار قال ﴿فكفارته إطعام عشرة مساكين﴾ والتكفير ستره وتغطيته حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل ويصح أن يكون أصله إزالة الكفر والكفران نحو التمريض في كونه إزالة للمرض وتقذية العين في إزالة القذى عنه، قال: ﴿ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم - نكفر عنكم سيأتكم﴾ وإلى هذا المعنى أشار بقوله ﴿إن الحسنات يذهبن السيئات﴾ وقيل صغار الحسنات لا تكفر كبار السيئات، وقال: ﴿لأكفرن عنهم سيئاتهم - ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا﴾ ويقال: كفرت الشمس النجوم سترتها ويقال الكافر للسحاب الذي يغطى الشمس والليل، قال الشاعر: * ألقت ذكاء يمينها في كافر * وتكفر في السلاح أي تغطي فيه، والكافور أكمام الثمرة أي التي تكفر الثمرة، قال الشاعر: * كالكرم إذ نادى من الكافور * والكافور الذي هو من الطيب، قال تعالى: ﴿كان مزاجها كافورا﴾.