بناء النفس المطمئنة بالصبر والصلاة
﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾(1).
يتركز البحث في معركة الجهاد الأكبر وهو جهاد النّفس حول ماذا يصنع الإنسان ليفوز ويكسب هذه المعركة، فالأهواء كثيرة ونوازع النفس قوية إلى حد أنّها قادرة على جر صاحبها إلى مزالق الهاوية، فإذا هو أخلص عبوديته لله وحده فإنّه حينها يتحقق له الانتصار على كل النوازع المنحرفة أو الشريرة، ويتمكن من هزيمة الأهواء لتكون روحه روحًا مقدسة وعظيمة.
ولصعوبة أمر جهاد النّفس وثقله فقد وضع الله تعالى لعباده برنامجًا روحيًا يضمن لهم عملية البناء المتوازن وصيرورة النّفس في المجال القدسي.
ومن ذلك ما أجاب به المولى الإمام الصادق (ع) سفيان الثوري حين سأله عن كيفية تحصيل ضياء القلب ورحابة الصدر، في حديث طويل للإمام (ع) ومنه: "إذا أردت أن تصل إلى ما تريد يجب أن تهتم كثيرًا بأداء الفرائض وكذلك عليك أن تترك معصية الله، لأنّ الإنسان الذي يعصي ربّه يواجه غضب الله".
إذن العبادة والاتصال الروحي بالله الخالق الرحمن النَّاصر هي التي تقوّي الإرادة وتحقق الانتصار الداخلي، فعندما يقف الإنسان أمام خالقه ويقرأ ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾(2)، فإليك يا رب وجّهت وجهي وأسلمت أمري وعبدتك وحدك وأنت الرب لا النفس ولا الهوى وبك أستعين على نفسي وعلى كل قوة تريد صرفي عن توحيدك وعبادتك وتريد أن تخرجني من دائرة رحمتك. هنا ترتبط النفس بخالقها في لحظة اتصال عظيمة تعطيها شحنات من العزة والقوة والمنعة لتجعل منها قلعة قوية في مواجهة الأهواء والغرائز.
وقد قيل أنَّ الخطاب في الآية ﴿وَاسْتَعِينُواْ ..﴾ خطابٌ عامٌّ موجَّهٌ لجميع من تتوفر فيه شرائط التكليف ولا دلالة على تخصيصه بقوم أو بأمة على خلاف ما ذهب إليه الرازي من أنَّ المقصود به هم بنو إسرائيل.
والصبر في الآية الكريمة هو منع النفس عمّا تحب وكفّها عن هواها وقيل إنّه ثباتُ باعثِ الدين في مقابلة باعث الشهوة، وقيل بأنّه الصوم.
الصبر من أهم مميزات الإنسان عن غيره من الحيوانات، فهي لا تمتلكه عند انسياقها إلى شهواتها وحاجاتها، بينما الإنسان يتمكن من كف نفسه وحملها على الصبر لتكون مقودة للعقل والإيمان.
وقد ورد أنّ الرسول الأعظم (ص) إذا أحزنه أمر استعان بالصلاة والصوم وذلك لما في هذه العبادة من عظيم اتصال وذكر لله واستمداد للقوة والعون منه سبحانه وتعالى.
أمّا كونها كبيرة فهي بمعنى ثقيلة، حيث حَمل النَّفس على الطاعة فيه مواجهةٌ للقوى الشَّيطانيَّة التي توسوس للإنسان وتدفعه إلى التثاقل وتشعره بألم الطاعة وثقلها ليتخلى عنها ويبتعد ويرتمي في أحضانها.
والآية الكريمة تدعو المؤمنين وتحفزهم على الاستعداد الدائم للمحافظة على الصلاة وإقامتها كما أراد الله تعالى والحفاظ على أوقاتها وشروطها، وإنّ الذي يصل إلى درجة الخاشعين هو الذي تسهل عنده الطاعات ولا يرى لها ثقلاً ولا صعوبة، وذلك لأنَّ الخاشعين قد وطَّنوا أنفسهم على مرضاة الله وحملوا أنفسهم على الطاعات، وصارت عندهم الصلاة كبيرة عظيمة بما تحمل من أهداف ومعانٍ ساميةٍ، فهم يرتاحون إليها ويسارعون إليها ودائمون عليها ويتلذذون بها، لأنَّ فيها اتصالاً بالرَّب الرَّحمن المتعالي.
1- سورة البقرة / 45.
2- سورة الفاتحة / 5.