أهل الجنة إشراقة وجه وانتظار جزاء

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ / إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾(1).

 

هاتان الآيتان تتحدثان عن وضع المؤمنين في الآخرة، وتصف وقوفهم وهم مبيضّة وجوههم جزاء إحسانهم في هذه الحياة الدنيا، كأنَّ وجوههم من شدة بياضها تلمع نورا وتشع ضياءً وكلها بهجة وحسن ونعومة خير، وهم -أي المؤمنون- في سرور النجاة يوم الحساب وينتظرون عظيم الثواب من الله الجليل الرحمن الرحيم بأن يأتي الأمر للملائكة أن زفوهم إلى الجنان وإلى أزواجهم من الحور العين وأدخلوهم في الرحمة الأبدية الدائمة جزاء عملهم وإحسانهم في دار التكليف.

 

والوجه الوارد في الآية الكريمة يراد منه كل من الوجه الظاهري للإنسان وهو الذي يستقبل به الأشياء، فتظهر عليه أمارات الحسن والفرح والسرور بما أنعم الله عليه، وإلى ذلك المعنى أشارت الآية ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ﴾(2)، وكذلك قوله تعالى: ﴿فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا﴾(3).

 

وهذا السرور الظاهر على الوجه إنما يكون مصدره حقيقة باطنية، وهذه الحقيقة هي مصدر الانفعال والفرح والسرور وهي التي تعطي الصورة المنطبعة على صفحات الوجه الظاهري، وهذا هو المعنى الثاني المرتبط بلفظ الوجه في الآية المباركة والمراد منه بهذا المعنى هو القلب، وهذا المعنى الثاني يستفاد من الآية اللاحقة للآيات أعلاه عند قوله تعالى: ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ / تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾(4)، والظن هو من أفعال القلوب وليس للوجوه الظاهرة فيه نصيب.

 

وقد حاول البعض أن يستدل بهذه الآية على إمكانية رؤية الله تعالى يوم القيامة وذلك باعتباره النعمة الكبرى التي يعطيها عباده المؤمنين، ولكنَّ هذا المعنى لا يمكن أن يكون، فرؤيته تعالى شأنه مستحيلة في الدارين، وإن لفظ (ناظرة) لا يقصد به الرؤية أصلا؛ لأن المعنى مختلف بين (النظر) و(الرؤية) لأن الرؤية هي غاية النظر، والمراد في الآية الكريمة هو أنَّ المؤمنين في فرحهم وسرورهم ينتظرون رحمة ربهم وثوابه الجزيل الذي وعدهم، والذي يفيد هذا المعنى القرآن نفسه. قال تعالى في شأن بلقيس وسليمان (ع): ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾(5)، وقال في موضع آخر: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾(6)، المعنى في الآيتين هو الانتظار.

 

ورحم الله الحكيم الدمستاني إذ يقول:

جَلَّ عنِ الرُؤية في الأعيانِ ** ولَو يُرى مَا قَال لَن تَرانِي

 

---------------------

1- سورة القيامة / 22-23.

2- سورة المطففين / 4.

3- سورة الإنسان / 11.

4- سورة القيامة / 24-25.

5- سورة النمل / 35.

6- سورة البقرة / 280.