انحرافات قوم شعيب (ع) -3

3- الصد عن سبيل الله:

على أرض مدين دار الصراع بين الباطل الذي أقام جدرانه على أعمدة الظلم والجشع وبين الحق الذي ينصر الفطرة ويهدي إلى الصراط المستقيم، وقمة هذا الصراع ترى أطرافه في سورة الأعراف، فشعيب (عليه السلام) بعد أن بث دعوته في قومه آمن به فئة قليلة، ولكن الذين يفسدون في الأرض، ركبوا كل طريق من أجل أن يفتنوا الذين آمنوا ويصدوهم عن سبيل الله المستقيم وعندما نهاهم شعيب (عليه السلام) عما يفعلونه بالذين آمنوا خيروهم إما أن يعودوا في ملتهم وإما الطرد من الديار!

1- بيان شعيب (عليه السلام):

في سورة الأعراف ضوء ساطع، كشف كيف يفكر الذين يبغونها عوجا، فالتفكير عند هؤلاء لا يستند إلا على التهديد والحجر، وقد ظهرت معالم هذا التفكير عندما واجههم شعيب (عليه السلام) بحجج دامغة يقول تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ / وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ / وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾(1).

قال المفسرون: دعاهم (أولا): بعد التوحيد الذي هو أصل الدين، إلى إيفاء الكيل والميزان وأن لا يبخسوا الناس أشياءهم. لأن الإفساد في المعاملات كان رائجا فيهم شائعا بينهم.

ثم دعاهم (ثانيا): إلى الكف عن الفساد في الأرض بعدما أصلحها الله كي ينتظم أمر الحياة السعيدة، ثم علل دعوته إلى الأمرين بقوله: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ أما كونه إيفاء الكيل والميزان، وعدم بخس الناس أشياءهم خير، فلأن حياة الإنسان الاجتماعية في استقامتها، مبنية على المبادلة بين الأفراد، بإعطاء كل منهم ما يفضل من حاجته. وأخذ ما يعادله مما يتم به نقصه في ضروريات الحياة وما يتبعها، وهذا يحتاج إلى أمن عام في المعاملات، تحفظ به أوصاف الأشياء ومقاديرها على ما هي عليه. فمن يجوز لنفسه البخس في أشياء الناس، فهو يجوز ذلك لكل من هو مثله، وهو شيوعه. وإذا شاع البخس والغش كان فيه هلاك الأموال والنفوس جميعا. وأما كون الكف عن إفساد الأرض خيرا لهم، فلأن سلب الأمن العام، يوقف رحى المجتمع الإنساني عن حركتها من جميع الجهات، وفي ذلك هلاك الحرث والنسل وفناء الإنسانية فالمعنى: إيفاء الكيل والميزان وعدم البخس والكف عن الفساد في الأرض خير لكم، يظهر لكم خير نية إن كنتم مصدقين لقولي مؤمنين بي. أو المعنى: ذلكم خير لكم تعلمون أنه خير إن كنتم ذوي إيمان بالحق.

ثم دعاهم (ثالثا): إلى ترك التعرض لصراط الله المستقيم.

الذي هو الدين. فإن في الكلام تلويحا إلى أنهم كانوا يقعدون على طريق المؤمنين بشعيب (عليه السلام). ويوعدونهم على إيمانهم به. والحضور عنده.

والاستماع منه. وإجراء العبارات الدينية معه. ويصرفونهم عن التدين بدين الحق والسلوك في طريق التوحيد .. وبالجملة كانوا يقطعون الطريق على الإيمان. بكل ما يستطيعون من قوة واحتيال، فنهاهم عن ذلك، ووصاهم أن يذكروا نعمة الله عليهم، ويعتبروا بالنظر إلى ما يعلمونه من تاريخ الأمم الغابرة، وما آل إليه أمر المفسدين من عاقبة أمرهم.

ثم دعاهم (رابعا): إلى الصبر على تقدير وقوع الاختلاف بينهم بالإيمان والكفر، فإنه كان يوصيهم جميعا قبل هذه الوصية. بالاجتماع على الإيمان بالله والعمل الصالح، وكأنه أحس منهم أن ذلك مما لا يكون البتة، وأن الاختلاف كائن لا محالة. وأن الملأ المستكبرين من قومه، وهم الذين كانوا يوعدون ويصدون عن سبيل الله، سيأخذون في إفساد الأرض وإيذاء المؤمنين ويوجب ذلك في المؤمنين وهن عزيمتهم، وتسلط الناس على قلوبهم. فأمرهم جميعا بالصبر. وانتظار أمر الله فيهم ليحكم بينهم وهو خير الحاكمين، فإن في ذلك صلاح المجتمع، أما المؤمنون فلا يقعون في اليأس من الحياة الآمنة. والاضطراب والحيرة من جهة دينهم، وأما الكفار فلا يقعون في ندامة الإقدام من غير رؤية. ومفسدة المظلمة على جهالة، فحكم الله خير فاصل بين الطائفتين. فهو خير الحاكمين لا يساهل في حكم إذا حان حينه، ولا يجور في حكم إذا ما حكم(2).

2- أنياب طابور الانحراف:

دعاهم شعيب (عليه السلام) إلى التوحيد. ثم دعاهم ثانيا إلى الكف عن الإفساد في الأرض ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ ثم دعاهم ثالثا إلى ترك التعرض لصراط الله المستقيم ﴿وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ﴾ ودعاهم رابعا إلى الصبر حتى يحكم الله بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر ﴿حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ فماذا كان رد القوم عليه؟ يقول تعالى: ﴿قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ / قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ / وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ﴾(3).

قال المفسرون: لم يسترشد الملأ المستكبرون من قومه. بما أرشدهم إليه من الصبر وانتظار الحكم الفصل في ذلك من الله سبحانه. بل بادروا بتهديده وتهديد المؤمنين بإخراجهم من أرضهم. إلا أن يرجعوا إلى ملتهم بالارتداد عن دين التوحيد. وفي تأكيدهم القول ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ﴾ بالقسم ونون التأكيد. دلالة على قطعهم العزم على ذلك.

ولذا بادر (عليه السلام) بعد استماع هذا القول منهم إلى الاستفتاح من الله سبحانه.. فعندما بلغ الكلام هذا المبلغ. وأخبر الذين كفروا طائفة الحق بعزمهم على أحد أمرين: الإخراج، أو العودة إلى ملتهم.

أخبرهم شعيب (عليه السلام) بالعزم القاطع على عدم العودة إلى ملتهم والتجأ إلى ربه واستفتح بقوله عن نفسه وعن المؤمنين: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ سأل ربه أن يفتح بين شعيب والمؤمنين به، وبين المشركين من قومه، وهو الحكم الفاصل، فإن الفتح بين شيئين، يستلزم إبعاد كل منهما عن صاحبه، حتى لا يماس هذا ذاك، ولا ذاك هذا(4).

وبعد أن استفتح شعيب من الله تعالى، تمادى الذين كفروا من قومه، فتوجهوا بأشد التهديد إلى الذين آمنوا، وقالوا لهم: ﴿لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ﴾ فهذا تهديد منهم لمن آمن بشعيب، أو أراد أن يؤمن به وفقا لخطة الصد عن سبيل الله التي نهاهم شعيب عنها من قبل.

وقال المفسرون: ويحتمل أن يكون قولهم: ﴿لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ﴾ الاتباع بمعناه الظاهر. وهو اقتفاء أثر الماشي على الطريق، والسالك السبيل. بأن يكون الملأ المستكبرون لما اضطروه ومن معه إلى أحد الأمرين: الخروج من أرضهم أو العودة في ملتهم، ثم سمعوه يرد عليهم العودة إلى ملتهم ردا قاطعا. ثم يدعو بمثل قوله: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ لم يشكوا أنه سيتركهم ويهاجر إلى أرض غير أرضهم، ويتبعه في هذه المهاجرة المؤمنون به من القوم، خاطبوا عند ذلك طائفة المؤمنين بقولهم: ﴿لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ﴾ فهددوهم وخوفوهم بالخسران إن تبعوه في الخروج من أرضهم، ليخرج شعيب وحده(5).

وهذا التفسير الأخير بما يكون الأقرب لفهم بعث شعيب (عليه السلام) إلى أصحاب الأيكة. بمعنى أنه (عليه السلام) كانت له مقدمة بأي صورة من الصور إلى مكان خارج مدين. وبما أن خطابه كان فيما بعد للأيكة، فإن الأيكة هي المرشحة لأن تكون هذا المكان، وقد توجه إليها بالدعوة بعد أن فصل الله بينه وبين مدين والله تعالى أعلم.

وخلاصة القول: أن الاستكبار وضع قافلة الإيمان بين (فكي كماشة) كما يقولون. إما الخروج وإما العودة إلى ملتهم، أما قافلة الأيمان فقد وضعت الاستكبار تحت قانون الاستفتاح ﴿عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ لقد وضعوا الاستكبار تحت قوة لا طاقة لهم بها، فشعيب (عليه السلام) يعرف مصدر القوة، وملجأ الأمان، ويعلم أن ربه تعالى هو الذي يفصل بالحق بين الإيمان والطغيان.

ولقد قال لهم وهو يقيم عليهم الحجة في أول الطريق: "ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب"(6) ثم قال لهم في وسط الطريق: ﴿فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾(7) ثم دعا ربه في نهاية الطريق: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾(8) لقد كان شعيب (عليه السلام) يتوكل على ربه وحده في خوض المعركة المفروضة عليه وعلى المؤمنين معه، والتي ليس منها مضر، إلا بفتح من ربه ونصر.

4- وجاء الفتح:

لقد دار أهل مدين في اتجاه عكسي لدوران الكون! خالفوا الفطرة، ونصروا الهوى وأشاعوا الفساد في الأرض.

إن نقص المكيال والميزان سرقة للأرزاق، وسرقة الأقوات مقدمة يستغلها الشيطان من أجل التشكيك في الرزاق، وبالتشكيك يربط بين ضعاف الإيمان وبين المستكبرين الذين في سعة من زخرف الحياة الدنيا، فيستعبد القوي الضعيف في مرحلة، ويعبد الضعيف القوي في مرحلة أخرى، إن سرقة الأقوات بكل صورها هي التي ساعدت على قيام الأوثان على الأرض وفقا لسرقات كل عصر، فهناك عصر سرق الإنسان بأي صورة من الصور وباعه في أسواق العبيد! فأدى هذا إلى شرخ في الجدار الإنساني. ترتب عليه سخرة في مكان واستكبار واستعلاء في مكان آخر، وفي عصر آخر قام الاستكبار بوضع أصنامه ومن حولها جيوش عالم السخرة للدفاع عنها. وفي عصر ثالث قام لصوص الأقوات بنقص الكيل والميزان. كي يتسع عالم السخرة، وبدلا من وضع قيود الحديد في رقاب العبيد قديما. وضعوا بدلا منها قيود الديون وبقيود الديون يقف الجميع أمام الصنم الجديد الذي فرضه اللصوص الجدد. إن نقص المكيال والميزان يخضع لفقه الأهواء ولا يشيع إلا الجوع. جوع في القمة يتفنن كل يوم في نقص جديد، وجوع في القاع اضطربت معيشته، وفي عالم المعيشة الضنك يتحول الجميع إلى ذئاب آدمية، الكل ضد الكل.

ومدين قامت بوضع وتد من أوتاد الشذوذ، وقامت بنصب خيمة، تحتها وضع قانون لا يقل خطورة عن قانون رفض بشرية الرسول، الذي اعتنى به آباؤهم الأوائل في عاد وثمود، فرفض البشرية تحقير للإنسان وابتعاد به عن منارات الهدى، ونقص المكيال والميزان تحقير للإنسان وإلقاء به في عالم المادة والأوثان، ولأن مدين دارت في عكس دوران الفطرة جاءها العقاب يقول تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾(9) وقال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ / كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾(10).

وهم في دارهم أخذتهم الرجفة فوقعوا على وجوههم، وهم في ديارهم أخذتهم الصيحة فوقعوا على وجوههم.

والرجفة: الاضطراب الشديد. والجثوم في المكان: القعود فيه أو البروك على الأرض. وهو كناية عن الموت. والمعنى: أخذهم الاضطراب الشديد أو الزلزلة الشديدة فأصبحوا في دارهم ميتين لا حراك بهم. لقد ضربتهم الرجفة داخل دورهم، وضربتهم الصيحة خارج الجدران وهم في الحقول وعلى قمم الجبال، فمن لم يمت بالرجفة مات بالصيحة، والصيحة صوت هائل ترتعد له القلوب والأركان. لقد جاءتهم الرجفة عندما دخلوا في وقت الصباح، وقت خروجهم من أجل امتصاص الأرزاق، وعندما جاء الصباح لم يجدهم، لأن الرجفة قد أخذتهم في أيسر زمان.

يقول تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ / الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ﴾(11).

قال المفسرون: كان حالهم كحال الذين لم يطيلوا الإقامة في أرضهم.

فإن أمثال هؤلاء يسهل زوالهم لعدم تعلقهم بها في عشيرة أو أهل أو دار أو ضياع وعقار، وأما من تمكن في أرض واستوطنها وأطال المقام بها، وتعلق بها بكل ما يقع به التعلق في الحياة المادية، فإن تركها له متعسر كالمتعذر، وخاصة ترك الأمة القاطنة في أرض أرضها، وما اقتنته فيها طول مقامها، وقد ترك هؤلاء وهم أمة عريقة في الأرض دارهم وما فيها في أيسر زمان أخذتهم الرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين. وقد كانوا يزعمون أن شعيبا. ومن تبعه سيخسرون، فخاب ظنهم، وانقلبت الدائرة عليهم، فكانوا هم الخاسرين، فمكروا ومكر الله والله خير الماكرين(12). لقد تصرفوا كأحرار والكون يحيط بهم من كل مكان ولا حرية لهم أمام علله وأسبابه وقد حذرهم شعيب (عليه السلام) من عذاب محيط ﴿وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ﴾(13).

لكنهم لم يفكروا فيما حولهم فجاءهم العذاب الذي يحيط بدارهم وبديارهم. عذاب فيه رجفة تهتز لها الجدران والقلوب وفيه صيحة تقرع أسماع الذين خارج الجدران ويعملون في الحبوب والحقول. وبعدت مدين كما بعدت ثمود.

5- حدائق الأيكة:

روي أن الأيكة كانت قريبة من مدين. وكانت تمتاز بحدائقها الملتفة الغناء. وتوابعها الكثيرة: المياه والأهوار والأشجار. ولقد ذكر بعضهم أن الأيكة هي مدين، ولكن خالف العديد أصحاب هذا الرأي، ومنهم قتادة وغيره من الذين ذهبوا إلى أن أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين(14). والذين قالوا بأن الأيكة غير مدين أصابوا.

أولا: لأنهم استندوا إلى أحاديث أما غيرهم فلم يستند إلا على رأيه.

وثانيا: أنهم استندوا على عذاب الأيكة الذي خالف عذاب مدين من حيث نوعه. فمدين ضربت بالرجفة والصيحة، والأيكة ضربت بعذاب الظلة، واستندوا على كتاب الله، فالله تعالى نسب شعيبا إلى مدين ولم ينسبه إلى الأيكة، ثم إن هناك ملامح طرد وهجرة لأتباع شعيب من مدين في كتاب الله.

فربما أن تكون مقدمة شعيب قد وصلت الأيكة ثم تحرك ركب الإيمان إليهم بعد أن عم التدمير مدين كلها.

وأخيرا لقد فجر أصحاب الأيكة قضية رفض البشر الرسول وهو الذي لم يحدث في مدين، وليس معنى هذا أن مدين كانت تعترف ببشرية الرسول، فمدين عبدوا الأصنام وتصرفوا وفقا لأهوائهم، ولكنهم لم يفجروا هذه القضية لأنهم لم يملكوا مؤهلاتها فالقضية لا تفجر إلا في مجتمع مترف. وأصحاب الأيكة امتلكوا الأيكة، وكان من عندهم يتدفق النهر الذي تحمل أمواجه الزخرف، ومدين ما هي إلا موجة من أمواجهم، أراد شعيب (عليه السلام) أن يطهرهم وبهم يطهر ما حولهم. لكنهم أبوا إلا العذاب، فأصبحوا في ديارهم جاثمين، ودخل شعيب والذين آمنوا معه الأيكة ليبدأوا معها الطريق الذي بدأوه مع مدين.

يقول تعالى: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ / إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ / إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ / فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ / وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ / أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ / وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ / وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ / وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ﴾(15).

قال المفسرون: الأيكة الغيضة الملتف شجرها. قيل: إنها كانت غيضة بقرب مدين يسكنها طائفة وكانوا ممن بعث إليهم شعيب (عليه السلام). وكان أجنبيا منهم. ولقد أمرهم بتقوى الله. وبين أنه رسول من عند الله. أمين على ما حملته من الرسالة، لا أبلغكم إلا ما أمرني ربي وأراده منكم، ولذا فرع عليه قوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ فأمرهم بطاعته لأن طاعته طاعة لله، ثم نفى سؤال الأجر لنفي الطمع الدنيوي، وأثبت أن أجره على الله رب العالمين، ثم أمرهم بالعدل في الأخذ والإعطاء بالكيل والوزن، وأن لا يبخسوا الناس سلعهم وأمتعتهم، وأن لا يفسدوا إفسادا في الأرض. ثم أمرهم أن يتقوا الله الذي خلقهم وآباءهم الأولين. الذين فطرهم وقرر في جبلتهم تقبيح الفساد والاعتراف بشؤمه.

لقد خاطبهم في صدر خطابه لهم، كما خاطب هود وصالح (عليهما السلام) الجبابرة في قومهما، أمرهم بالتقوى ونفي الأجر حتى لا يتهموه ثم أمرهم بما يستقيم مع الفطرة .. فماذا كان ردهم؟ يقول تعالى: ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ / وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ / فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ / قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾(16).

قال المفسرون: يخبر تعالى عن جوابهم له بمثل ما أجابت به ثمود لرسولها، تشابهت قلوبهم حيث قالوا: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾(17) وبعد ذلك فجروا قضيتهم التي وضع الشيطان بذورها، وقال بها كل مترف مستكبر متكبر عال في الأرض، لقد خاطبوه بعيونهم، حيث شاهدوا من حولهم حدائقهم وعبيدهم وتجارتهم التي تجوب الجزيرة والشام وتأتي إليهم بالمال الوفير، في الوقت الذي لا يمتلك هو وأتباعه ما يعلوهم ويقهرهم.

لقد خاطبوه وفقا لفقه الأعمى الذي لا ينظر إلى الوجود بعيون الفطرة، وإنما ينظر إليها وفقا لأعمدة فقه الزينة والإغواء، ولقد اختصر أصحاب الأيكة الطريق، فبعد أن اتهموه بالكذب، طالبوه بالعذاب إن كان من الصادقين، وحددوا العذاب الذي يريدون ﴿فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء﴾ أي أسقط علينا قطعا من السماء.

وقيل: عذاب من السماء وما طلبوه مبني على التعجيز والاستهزاء. وما طلبوه أول الزمان طلبه كفار قريش من النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما بعد ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا / أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا / أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً﴾(18) لقد اختصر أصحاب الأيكة الطريق. وذهبوا ليأكلوا الأموال. ويشيعوا في الأرض الفساد.

وعندما طالبوا شعيبا (عليه السلام) بالعذاب ﴿قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ وهو كناية عن أنه ليس له من الأمر شئ وإنما الأمر إلى الله. لأنه أعلم بما يعملون. وأن عملهم هل يستوجب عذابا؟ وما هو العذاب الذي يستوجبه إذا استوجب؟ فهو كقول هود لقومه: ﴿إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ﴾(19).

6- لهيب تحت الظلال:

داخل الأعشاش كان أصحاب الأيكة يتمتعون بالظل والظلال، كانت خيامهم أشجارا مورقة، والطريق إلى منازلهم مفروشة بالزهور المتفتحة. إذا وقف أحدهم على مرتفع وقف تحت الظلال، وإذا نظر من حوله رأى ممتلكاته التي تبشره بجني ثمر جديد، يدر عليه ربحا جديدا، ولم يكن يدور بخلد أحدهم أن الأخطار تترصده، لأن هذا النوع من الناس ضيق الأفق محدود التفكير ولا يرى الأمور إلا من وجهة نظر واحدة ختمها هواه، لقد انتقل أصحاب الأيكة بين الأزهار والثمار والأشجار والأنهار، وكان كل شئ حولهم يوحي لهم بالاطمئنان.

فالمنطقة تفيض بالخير لينعموا هم بالرخاء، وكل منهم يعتقد بأنه يسلك الطريق الصحيح لامتصاص الأقوات والأرزاق وحبات العرق. ويوم الظلة جاءهم العذاب من حيث لا يشعرون يقول تعالى: ﴿فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾(20).

قال المفسرون: يوم الظلة .. يوم عذبوا فيه بظلة من الغمام، وروي أنه يوم حر وسمائم. وهذا من جنس ما سألوه من إسقاط الكسف عليهم، فإن الله سبحانه وتعالى. جعل عقوبتهم أن أصابهم حر عظيم مدة سبعة أيام لا يكنهم منه شئ. ثم أقبلت سحابة أظلتهم فجعلوا ينطلقون إليها يستظلون بظلها من الحر.

فلما اجتمعوا كلهم تحتها أرسل الله تعالى عليهم منها شررا من نار ولهبا ووهجا عظيما(21).

وروي أن الله تعالى أسقط عليهم الحر الشديد سبعة أيام، حتى علت مياههم وفارت ثم ساق إليهم غمامة فاجتمعوا تحتها للاستظلال بها من وهج الشمس وحرها، فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا وهلكوا بأجمعهم، وروي أن الله تعالى أرسل عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم، فلم ينفعهم الظل ولا الماء، ثم بعث الله عليهم ريحا طيبة. فنادى بعضهم بعضا عليكم بها. فخرجوا إلى البرية. فلما اجتمعوا تحت السحابة ألهبها الله عليهم نارا فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي وصاروا رمادا وهو عذاب يوم الظلة(22) لقد ضربهم الحر وهم تحت الظلال، وهم الذين اختاروا هذا العذاب، لم يطلبوا الهداية وإنما طلبوا أن يسقط الله عليهم كسفا من السماء فجاءهم .. ويقول عنه تعالى: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.

لقد ضرب الله أصحاب نقص الكيل والميزان مرتين وبين ذلك في كتابه. إشارة إلى أن هذه الجريمة تدفع بالمجتمع الإنساني إلى عالم الذئاب، وعلى المجتمع الإنساني أن يقاومها إذا كان يؤمن بالله وباليوم الآخر، وروي أن الله تعالى أوحى إلى شعيب أني معذب من قومك مائة ألف، أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم.

فقال (عليه السلام): يا رب هؤلاء الأشرار. فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل إليه: لمداهنتهم أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي(23) إن الشيطان يقف وراء البراويز المزخرفة. براويز شهوات البطن والفرج، وعالم المكيال والميزان: أرضية خصبة، يدخل الشيطان من خلالها إلى شهوات البطن والفرج والاستعلاء على عباد الله، ولقد فتحت مدين وأصحاب الأيكة أبوابهم، وتاجروا بالأخضر واليابس وفقا لأهوائهم، بعد أن تعاموا عن أن الإنسان تحيط به علل وأسباب في كون الله الواسع.

وهذه العلل والأسباب تتحكم فيه ولا حرية له قبالها. فإذا استقام على طريق الفطرة أفاض خالق العلل والأسباب عليه البركات، وإن انحرف عن سبيل الله ضربته العلل والأسباب (بكن) فيهلك كل منهم بذنبه.

يقول تعالى في استئصال الأمم الماضية: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾(24).

7- العودة:

روي أن الله بعد أن أهلك أصحاب الأيكة. رجع شعيب (عليه السلام) إلى مقره الأول وموطن قبيلته وهي مدين ومعه أصحابه والمؤمنون، وهناك رواية معتبرة صحيحة أن شعيبا صار أخيرا إلى مدين هو والمؤمنون به وأقام بها(25).

وأصبحت مدين مقصودة يأتيها الناس من كل مكان للتجارة، وعندما هرب موسى (عليه السلام) من مصر. توجه إلى مدين. وقد ألهمه الله تعالى ذلك. لحكمة اقتضاها سبحانه.

وروي أن موسى (عليه السلام) قطع رحلته من مصر إلى مدين في ثمان ليال، فلما بلغ مدين رأى بئرا يستقي منها الناس لأغنامهم وإذا جاريتان ضعيفتان. وإذا معهما غنيمة لهما .. قال ما خطبكما؟ قالتا: أبونا شيخ كبير ونحن جاريتان ضعيفتان لا نقدر أن نزاحم الرجال. فإذا سقى الناس سقينا، فرحمهما، فأخذ دلوهما فقال لهما: قدما غنمكما فسقى لهما ثم رجعتا بكرة قبل الناس.

ثم تولى موسى إلى الشجرة التي بجانب البئر وجلس تحتها وقال: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ وروي أنه قال ذلك، وهو محتاج إلى شق تمرة. فلما رجعتا إلى أبيهما قال: ما أعجلكما في هذه الساعة؟ قالتا: وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا. فقال لإحداهما اذهبي فادعيه لي. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فروي أن موسى (عليه السلام) قال لها: وجهيني إلى الطريق وامشي خلفي، فإنا بني يعقوب لا ننظر في أعجاز النساء، فلما جاءه وقص عليه القصص قال: لا تخف نجوت من القوم الظالمين، ثم قال له شعيب: إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك، وروي أنه قضى أتمهما لأن الأنبياء (عليهم السلام) لا تأخذ إلا بالفضل والتمام(26).

وأصبح موسى (عليه السلام) صهرا لشعيب (عليه السلام). وراعيا لغنمه، ومن عند شعيب خرج موسى متوجها إلى مصر وكانت بيده عصا روي أن شعيبا كان يحتفظ بها ضمن عصي الأنبياء التي كان يضعها في بيت خاص بها. وفي طريقه إلى مصر ناداه ربه سبحانه وتعالى كما سنبين في حينه.

لقد طويت مدين وطوي أصحاب الأيكة. لقد ذهب أصحاب اللحوم التي من معدن، الذين أعجبوا بحياتهم وعاشوا وسط الأجولة المكدسة بالبضائع والأدوات لامتصاص دماء الإنسان الذي يقترب منهم. لقد احترقت أكواخهم في لمح البصر .. أخذوا على غرة، وتعذبوا ليالي طويلة في يوم عذاب عظيم، وبعد ذهابهم جاء الذين ساروا على أهواء مدين والأيكة، فوقف وراء كل غصن لص، وانقلبت جميع الموازين وجميع المكاييل، انقلبت في الوقت الذي خضعت حياة الإنسان كلها للتجارة، وفي عالم كله تجارة لا ميزان ولا مكيال فيها، أصبح السعداء يصيبهم الشقاء بسبب الأشقياء، وأصبح الأشقياء يصيبهم الشقاء بسبب السعداء، وأصبح العبيد للمادة لا حصر لهم، ترى ألا يشعر هؤلاء يوما بالحر؟ ربما تكون الرياح تسري عندهم داخل غرفهم وعلى شواطئهم وفي أيكاتهم، وربما يكون الظلال من حولهم في كل مكان. ولكن ألا يعلموا أن في كون الله ظلالا أخرى. لا مخبأ منها والحياة تحتها لا تدوم طويلا؟

المصدر:

الانحرافات الكبرى: القرى الظالمة في القرآن الكريم.


1- سورة الأعراف / 85-87.

2- الميزان ج8 / ص189.

3- سورة الأعراف / 88-90.

4- الميزان ج8 / ص192.

5- الميزان: ج8 / ص193.

6- سورة هود / 93.

7- سورة الأعراف / 87.

8- سورة الأعراف / 89.

9- سورة العنكبوت / 37.

10- سورة هود / 94-95.

11- سورة الأعراف / 91-92.

12- الميزان ج8 / ص193.

13- سورة هود / 84.

14- البداية والنهاية ج1/ ص189.

15- سورة الشعراء / 176-184.

16- سورة الشعراء / 185-188.

17- ابن كثير ج3 / ص346.

18- سورة الإسراء / 90-92.

19- سورة الأحقاف / 23.

20- سورة الشعراء / 189.

21- الميزان ج15 / ص312، ابن كثير ج3 / ص346.

22- كتاب الأنباء ص253، تفسير ابن كثير ج3 / ص346.

23- كتاب الأنباء ص253.

24- سورة العنكبوت / 40.

25- كتاب الأنباء ص253.

26- الميزان ج16 / ص29.