معنى قوله تعالى: ﴿وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ﴾

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

يُفتي الفقهاء بجواز نكاح الزّانية، ألا يُعدُّ ذلك مُخالفة لصريح الآية المُباركة: ﴿الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾(1)؟

 

الجواب:

الآيةُ ليست في مقام التشريع:

الآيةُ المباركة ليست صريحةً في حرمة زواج الزّاني من الزّانية مُطلقًا بل لا يَبعُد ظهورها في الإخبار والحكاية دون التّشريع، فمفادُ الآية المُباركة هو أنّ الزَّاني لا يطأُ إلا مَن تُطاوعه وهي الزَّانية أو مَن هي أسوأ حالاً منها وهي المُشركة، والزّانية لا يطؤها إلا مَن هو مِثلها وهو الزّاني أو مَن هو أسوءُ حالاً منه وهو المُشرك.

 

فالنّكاح في الآية المُباركة لا يعني العقد وإنّما هو بمعنى الوطأ، فهو أحد المَعنيين للفظ النّكاح.

 

فلفظ النّكاح تارةً يُطلق ويُراد منه العقد كما هو في قوله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ﴾(2)، وقد يُطلق ويُراد منه الوطأ كما هو في الآية مورد البحث.

 

الدليل على أنَّ الآية ليست في مقام التشريع:

ويُمكن الاستدلال على أنّ الآية موردَ البحث ليست في مقام التّشريع وإنّما هي في مقام الحكاية والإخبار.

 

بأنَّه لو كانت الآية في مقام التّشريع لكان مقتضاها جواز نكاح المُسلم الزّاني من المُشركة وجواز نكاح المُشرك من الزّانية المُسلمة، إذ أنّ مفاد الاستثناء الوارد في الآية المُباركة هو أنّ المرأة لا يسوغ لها نكاح الزّاني المُسلم وغير المُسلم إلا أنْ تكون هذه المرأة زانية أو مُشركة، وإنّ الرّجل لا يسوغُ له نكاح الزّانية إلا أنْ يكون هذا الرّجل زانيًا أو مُشركًا فيجوز له نكاح المُشركة والزّانية المُسلمة وغير المُسلمة.

 

وهذا الحُكم أعني جواز نكاح المُسلم للمُشركة وجواز نكاح المُشرك للمُسلمة الزّانية مُنافٍ لما عليه الضّرورة الفقهيّة عند عموم المُسلمين، فليس ثَمَّة من أحدٍ من فقهاء المُسلمين إلا وهو يُفتي بفساد نكاح المُشرك من المُسلمة سواءً كانت زانيةً أو غير زانية وبفساد نكاح المُسلمة من المًشرك سواءً كانت المُسلمة زانية أو غير زانية، ومستندُهم في ذلك الكتاب والسُّنَّة الشَّريفة(3).

 

على أنَّه لو سَلَّمنا ظهور الآية الشَّريفة في التَّشريع وأنَّها تقتضي حُرمة الزَّواج من الزَّانية مُطلقًا فإنَّها لا تشمل حتمًا الزَّانية التي قد تابت وصدقت في توبتِها فإنَّها حينئذٍ لا تكون متَّصفة بوصف الزانية لظهور الوصف في الفعليّة، ولما ورد من أنّ التَّائب من الذّنب كمَن لا ذنب له(4).

 

ثُمّ أنّه لو كانت الآية الشَّريفة في مقام التَّشريع لكان ظهورها في حرمة الزّواج من الزَّانية بالإطلاق، وهذا معناه إمكانيَّة تقييدها بالسّنّة الشّريفة.

 

وقد ورد في السّنّة الشَّريفة أنّ مَن يحرم الزّواج منها ليس هو مُطلق الزّانية وإنّما هي الزّانية المشهورة بالزّنا، وأمَّا مَن لم تكن كذلك فلا بأس في الزّواج منها(5).

 

وبتعبيرٍ آخر: إنَّ العلاقة بين الآية الشَّريفة وبين الرّوايات الواردة عن أهل البيت (ﻉ) هو علاقة الإطلاق والتّقييد، فالآية مطلقة تقتضي حرمة الزّواج من كلّ زانية، والرّوايات الشّريفة مفادها جواز النكاح من الزانية التائبة أو غير المشهورة وحُرمة الزّواج من خصوص الزّانية المشهورة بالزّنا، ولمّا كان الأمر كذلك فمقتضى الصّناعة الأصوليّة هو حمل المُطلق على المُقيّد، وذلك يقتضي تفسير الآية بما ورد في الرّوايات، وأنّ من يحرم الزّواج منها هي المشهورة بالزّنا.

 

إذ أنّ تحديد مفاد الآيات يكون بملاحظة الرّوايات الواردة عن الرسول (ص) وأهل البيت (ﻉ) فهم العارفون بمعاني الآيات وحدودها كما ثبت ذلك بالدّليل القطعيّ.

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة النور / 3.

2- سورة النور / 32.

3- ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ .. وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ﴾.

4- سنن ابن ماجة -محمد بن يزيد القزويني- قال: (قال السندي: الحديث ذكره صاحب الزوائد في زوائده وقال: اسناده صحيح رجاله ثقات) ج2 / ص1420، الكافي -الشيخ الكليني- ج2 / ص435.

5- لاحظ كتاب وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج20 / ص439 / باب 13.