المنافقون بين حسن الظاهر وخبث السريرة

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ / يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ / فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾(1).

تتحدث هذه الآيات المباركات عن نموذج من النماذج الشاذة في المجتمع الإنسانيّ، وذلك من خلال كشف المواقف الفكرية والعملية أمام قضية الإيمان والكفر.

وهذا النموذج تمثله فئة المنافقين، فهم الذين يعيشون الازدواجية في المواقف بين حقيقة ما يضمرونه في أعماقهم ودواخل أنفسهم وبين ما يظهرونه للناس بحيث تكون معرفتهم وكشفهم للناس أمرًا معقَّدًا، لأنَّ عملية الكشف تحتاج إلى رصد دقيق لأقوالهم وأفعالهم .. ولهذا فقد أشار القرآن الكريم إلى صفات المنافقين حتى يسهل على النّاس كشف واقعهم وحقيقتهم وذلك ليحذروهم، لأنهم يمثلون خطرًا عظيمًا يمكن أن يفتك بالمجتمع، لذلك جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾(2).

والآية الكريمة تؤشر إعلان المنافقين كلمة الإيمان للنّاس وأنهم يتخذونها شعارًا ليطمئن لهم الناس ويفسحوا لهم مجال التحرك بحرية في مجالات الدس والتضليل ونشر الأمراض الاجتماعية، فهم يعملون عمل المخادع الذي يصل إلى غرضه بطرق خفية وخداع ومخاتلة، ولكن جهودهم كلها تذهب هباءً لأن الله كاشفهم، فهم قد غاب عن بصائرهم أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وما حركتهم إلا تعبير عن عمق المرض في داخل أنفسهم، فهم لا هدف ولا رسالة لهم، ولا يعيشون إلا الغفلة ولا يسعون إلا لتحصيل المنافع الدنيوية الزائلة، فالمنافق وإن اتخذ شعار الإيمان والجهاد، إلا أنه في حقيقته يعيش الفساد وهو يحسب أنه يحسن صنعًا، فقد يقتل ويسلب وينهب باسم الجهاد والإسلام مقابل حطام الدنيا ويذهب بالحقوق عن مواقعها .. ولذلك توعدهم الله تعالى بالعذاب الأليم، لأن حركتهم تمثل فسادًا وإفسادًا في المجتمع.

-------------

1- سورة البقرة / 8-10.

2- سورة المنافقون / 4.