الغيبة معول لهدم بناء المجتمع الإسلامي 

﴿اَّيُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾(1).

 

تتناول هذه الآية الكريمة موضوعًا مهمًا جدًا، وهو موضوع الاستقرار والإصلاح الاجتماعيّ، وذلك عن طريق وجوب تنقية المجتمع من أجواء الكلام السلبيّ، ومن أخطر عناصر هذه الأجواء الغيبة، والتي عبَّرت الآية عنها بأنها الجهر بالسوء من القول.

 

لأنَّ الغيبة تؤشر حالة من التدهور الخطير في البناء النفسي للمغتاب وفي التكوين الاجتماعي للعلاقات، حيث تعطي صورة واضحة عن حجم الانهيار في هذا المجتمع، فالله تعالى أراد للإنسان أن يبني مجتمعًا متماسكًا قويًا يتعايش أفراده بمحبة وسلام، وقد عبَّر عن ذلك بقوله ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(2) فلا يعقل أن تكون الأجواء الحاكمة على علاقة الأخوة هي التفكك والانهيار، بل إنَّ العلاقة يجب أن تكون حميمية صلبة.

 

والغيبة في حقيقتها مرض نفسي ناتجٌ عن الفراغ الروحي وضعف الارتباط مع الله تعالى، وعادةً ما تكون الغيبة مصدرها الحقد والكراهية أو التشفي والتحقير وحالة الأنانيَّة الفردية المسيطرة على النفس.

 

لذلك أراد الله تعالى لعباده أن يعيشوا الطهر والنقاء ويعيشوا المحبة والأُلفة، فنهاهم عن هذه الحالة المرضية التي يتسلل الشيطان بواسطتها إلى أعماق النفس ويوجهها لصالح التدمير.

 

ومن الطبيعي أن الله تعالى حين لا يحب شيئًا لعباده، فلأن ذلك فيه ضرر كبير عليهم في الدنيا والآخرة، ولكن استثنت الآية الكريمة حالة إعلان المظلوميَّة، حيث يكون في هذه الحالة هدف شريف وهو التصدي للظالم والضرب على يديه حفظًا للحقوق وللتوازن الاجتماعي.

 

ورد عن الرسول الأعظم (ص) أنه قال لأبي ذر: "يا أبا ذر إيّاك والغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا .." قلت: "يا رسول الله وما الغيبة؟"، قال (ص): "ذكرك أخاك بما يكره"، قلت: "يا رسول الله فإن كان فيه ذاك الذي يذكر به؟"، قال (ص): "اعلم أنك إذا ذكرته بما ليس فيه بهتَّه".

 

-------------

1- سورة النساء / 148.

2- سورة الحجرات / 10.