الصلاة على النبي (ص) وآله (ع)

﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾(1).

 

تتجه هذه الآية الشريفة إلى بيان عظمة الرسول الأكرم (ص) وأنَّ له خصوصية يتميز بها حيث أن الله سبحانه وتعالى يدعو المؤمنين إلى الصلاة عليه والتسليم لقيادته.

 

والصلاة بحسب أصل المعنى تعني التعطف والترؤف، فصلاة الله على نبيه تعطفه عليه بالرحمة المطلقة، وصلاة الملائكة انعطاف بالتزكية والاستغفار والدعاء له عند الرب الجليل وتأييد تابعيه، وصلاة المؤمنين عليه ترحُّمٌ ودعاءٌ له بالرَّحمة وأن يبلغ الدرجة الرفيعة والمرتبة المحمودة.

 

وفي الآية إشارة عظيمة، حيث إنَّ الله تعالى قد قدم صلاته وصلاة الملائكة ثم طلب من المؤمنين أن يصلوا عليه، وبذلك تكون صلاة المؤمنين اتِّباعًا لأوامر الله تعالى وتأكيدًا على تجنب أذيته (ص) والتي أشار إليها القرآن الكريم بقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾(2)، ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(3).

 

والثابت المعلوم أن الله تعالى شأنه منزَّه من أن يناله الأذى، ولكن ذكره مع الرسول (ص) يمثل تكريمًا وتعظيمًا وتشريفًا للرسول (ص)، لذلك من قصد رسول الله (ص) بسوء فقد حارب الله وقصده كذلك بالسوء.

 

ولكن هنا ما علاقة الصلاة على النبي محمد (ص) بالأذى؟

يكفي في المسألة من الأذى الموجه للرسول الأعظم (ص) عدم تنفيذ وصاياه، فهو لم يطلب من الأمة أجرًا على تبليغ دعوته، لكنه طلب المودة في القربى، وأن هذه المودة تقتضي فيما تقتضيه الموالاة والمحبة والمتابعة والمشايعة وأن لا يفصل أهل بيته عنه (ص)، وبالتالي فإن الفصل بينهم يعني عدم الاستجابة لطلب الرسول الأعظم (ص) وعدم الاستجابة معناه أذية له، وأذيته موجبه لسخط الله وغضبه وصاحبها ملعون دنيا وآخرة.

 

وممّا ورد من أحاديث لما نزلت هذه الآية:

عن كعب بن عجرة قال: "لما نزلت هذه الآية، قلنا يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟"، فقال رسول الله (ص): "قولوا اللهم صَلِّ على محمد وآل محمد"(4).

 

وإجابة الرسول الأعظم (ص) للسَّائل بهذه الصيغة دليل على أن ذلك مأمور به، وأنَّ تعظيمه (ص) لا يتحقق إلا بما هو مأمور به، وفي غيره أذية محضة، ويكشف ذلك دعاؤه صلوات الله وسلامه عليه وآله: "اللهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليّ وعليهم".

 

وكذلك النهي الصادر عنه (ص): "لا تصلوا عليَّ الصلاة البتراء، فقالوا وما الصلاة البتراء؟ قال (ص): تقولون اللهم صل على محمد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد".

 

إذن الصلاة على محمد وآل محمد تمثل استجابة كاملة لرسول الله (ص) وهي في حقيقتها تسليم ودعاء يساهم في تصحيح عقيدة المسلم ويشد من ارتباطه بالرسول الأكرم (ص) وأئمة الهدى (ع)، ويبعد المسلم عن أذية رسول الله (ص)، كما أن المستفيد من الدعاء له (ص) هو الداعي، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع): "دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب يسوق الرزق ويصرف عنه البلاء ويقول له الملك: لك مثلاه".

 

وورد في المأثور عن النبي (ص) قوله: "من صلى عليّ صلى الله عليه وملائكته، فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر".

 

وجاء في الرواية أيضًا: إن رسول الله (ص) جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه، فقال النبي (ص): "إنه جاءني جبرائيل فقال: "أما ترضى يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك صلاة واحدة إلا صليت عليه عشرًا ولا يسلم أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرًا".

 

وعن الإمام علي بن أبي طالب (ع): "لا يزال الدعاء محجوبًا حتى يصلى على محمد وآل محمد".

 

-------------------

1- سورة الأحزاب / 56.

2- سورة الأحزاب / 57.

3- سورة التوبة / 61.

4- الصواعق المحرقة ص225.