سورة الكافرون

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ / لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ / وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ / وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ / وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ / لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾

صدق الله العلي العظيم

إنّ هذه السورة المباركة وردت أمام فكرة، طالما انتشرت بين قريش بعد أن وجدوا أنّ الإسلام ترسخ في النفوس، فلم يتمكن المعادون والمشركون من القضاء عليه .. من خلال تعذيب أهله والتآمر على حياة رسوله، ومقاطعة هذه الأمة الصغيرة التي بدأت تزحف في النفوس وفي الآفاق. فقد اجتمع نفر من قريش، في طليعتهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف. اجتمع هؤلاء وقالوا لرسول الله: "يا محمد، هلمّ فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ولنشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فإن كان الذي نحن عليه أصح من الذي أنت عليه كنت أخذت منه حظاً، وإن كان الذي أنت عليه أصح من الذي نحن عليه كنا قد أخذنا منه حظاً".

وهكذا حاولوا أن يساوموا رسول الله (ص) على الإسلام بعد أن يئسوا من محاربته، وأرادوا أن يميّعوا الرسالة اعتباراً منهم بأنّ الرسالة وسيلة الرزق والمجد لمحمد. دعَوه إلى المشاركة ودعَوا أنفسهم إلى المشاركة معه أيضاً.

وصيغة أخرى برزت فيما بعد بين قريش أيضاً، كما ورد في حديث آخر، عندما قال بعضهم لرسول الله (ص): "يا محمد تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة"، وبذلك كانوا يريدون بصيغة أخرى أن يساوموا ويشتركوا ويشاركوا وينتهوا من هذه الرسالة التي تهدد كيانهم ومزاعمهم ومقدساتهم وتحطم أصنامهم ومَن يهتمون بها.

من الطبيعي أنّ هذا الاقتراح يقابَل بالرفض من رسول الله، فيقول لهم رسول الله: يا محمد قل لهؤلاء الناس: ﴿يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ / لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ وهذا واضح، فالفرق بين معبودي ومعبودكم كثير وكبير، معبودي فوق المادة، قوي واجب عادل حكيم وخالق. معبودكم عاجز ناقص ومخلوق. معبودي يوجهني نحو الحق والطهارة والحرية. معبودكم يحقّركم ويذلّكم ويجتذبكم إلى الباطل والانحراف. ربي يحميني وأنتم تحمون أربابكم. إذاً، إلهي وإلهكم يختلفان ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ / وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾. وعند ذلك يؤكد ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ / وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾.

إذاً، اقتراحكم بالمساومة والمشاركة في العبادة اقتراح مرفوض، فليس رسالتي باب رزق لي ولا مجد لي ولعائلتي. إنما رسالتي هي حقيقتي، وأنا أذوب في سبيلها، أنا فرع لها، أموت لأجلها، ولذلك لا يمكن أن نعتبر الرسالة رسالتي بل أنا منها، ورسالتي لا تلتقي مع رسالتكم، لأنّ معبودي ومعبودكم يختلفان ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾.

بطبيعة الحال، في هذا الحوار الذي هو رفض واضح لمزاعمهم ولمساوماتهم، لا يمكن أن يقبل الرسول بصورة من الصور، رغم أنه كان يبحث ويناقش، بل أمره الله (سبحانه وتعالى) بأن يجادلهم بالتي هي أحسن، ولكن هذه الطروحات الناتجة عن سوء فهم الرسالة المحمدية أو عن الطمع فيه، كانت مرفوضة بحال من الأحوال، والصرامة في الأساس هي الأساس في وضوح الخط ووضوح الرؤيا. فالمعبود عندما يختلف، سلوك الإنسان في حياته وانطلاقته جميعاً تختلف.

نرجو أن يكون معبودنا وإلهنا الحق، وإننا نتمسك به لا نتنازل عنه ولا نساوم عليه ولا نقبل شريكاً له لضعف أو عجز أو إغراء. والله هو الموفق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.