﴿لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ .. هل ركوب الحمار من الزّينة؟!

المسألة:

يقول الله تعالى في سورة النحل: ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾(1)، فنحن نفهم الفائدة الأولى المذكورة في الآية المباركة وأما الفائدة الثانية وهي الزينة فلا وجود لها خصوصًا في زماننا الحاضر، حيث لا يُعدُّ ركوب مثل الحمار من الزّينة.

 

الجواب:

يمكن أن يتضح الجواب عن هذا الإشكال من وجوه:

 

الأوَّل: أنَّ الآية ليست بصدد تعداد جميع ما يُمكن تحصيله من فوائد للحيوانات المذكورة في الآية المباركة وإلا فثمة فوائد كانت متعارفة في عصر النصّ لم تُشِر إليها الآية المباركة، وذلك ما يعبِّر عن أنَّها لم تكن بصدد استقصاء ما يترتَّب على هذه الحيوانات من فوائد وإنّما كانت بصدد بيان أنّ هذه الحيوانات خُلقت للإنسان فالغرض من الآية هو التذكير بنِعَم الله التي منحها للإنسان.

 

والذي يؤكد هذا الدعوى هو ما سبق هذه الآية وما لحقها، فما سبقها هو قوله تعالى: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾(2)، والذي لحقها هو قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ / يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ / وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ / وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ / وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾(3).

 

فالآية إذن كانت بصدد بيان أنّ الحيوانات المذكورة إنّما خُلقت للإنسان، وإذا كان كذلك فلا موضوعيَّة لِنوعِ الانتفاع فهو يختلف باختلاف الزّمان والمكان.

 

الثَّاني: إنَّ المصحّح لذكر فائدة التزيّن بالحيوانات المذكورة أنَّها كانت فائدة متعارفة، وهذا كافٍ في صحّة التّنويه بها واعتبارها من الفوائد المترتّبة على الحيوانات المذكورة، وإن أصبحت بتقادم الزّمن من الفوائد غير المتعارفة، فعندما نوصّف الخيمة مثلاً بالواقيةِ عن البرد لا يكون هذا التّوصيف مستهجنًا بعد تقادم الزّمن واتّخاذ الإنسان البناءَ وسيلةً للوقاية عن البرد.

 

الثَّالث: إنّ منشأ الإشكال هو توهُّم أنّ التّزيُّن بالحيوانات المذكورة ينحصر بالرّكوب، فلأنّ التّزيُّن بركوب مثل الحمار لا يعدّ في الزّمن الحاضر من المنافع المتعارفة لذلك نشأ الإشكال.

 

ويندفع هذا التّوهّم عند ملاحظة أنّ التّزيُّن بالحيوانات المذكورة لا ينحصر بالرّكوب عليها، فثمّة أنحاء أخرى للتّزيُّن بهذه الحيوانات مثل اتّخاذ جلودها لباسًا، واللباسُ زينة الإنسان كما أفاد قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾(4)، ويُتّخذ في الزّمن الحاضر من الجلود أحزمة وأحذية يتَزيّنُ بها النّاس، ومعاصم وحقائب تتزيّنُ بها النّساء، وتلك من الفوائد المتعارفة للحيوانات المذكورة وغيرها.

 

الرّابع: إنّ الظّاهر من الآية المُباركة هو أنّها بصدد تعداد بعض ما يُستفاد من مجموع الحيوانات المذكورة وليست بصدد بيان أنّ الفائدتين وهما الرّكوب والتّزيّن ثابتتان لكلّ واحدٍ من الحيوانات المذكورة، وعليه فالمصحّح لذكر فائدة التّزيّن هو أنّ بعض هذه الحيوانات وهي الخيل يُنتفع بها للتّزيُّن.

 

ويمكن تأكيد ذلك بما ورد في الآيات التي سبقت هذه الآية: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ / وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ / وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ﴾(5).

 

فالأنعام كما هو واضح تعني الإبل والبقر والغنم، ومن المعلوم أنّ الأغنام وكذلك الأبقار لا يُستفاد منها لحمل الأثقال إلى بلدٍ بعيد لا يكون الوصول إليه إلاّ بشقّ الأنفس، فهذه هي القرينة العُرفيّة على أنّ المُراد من قوله تعالى: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾ هو التّوصيف لخصوص الإبل، وكذلك هو الحال في الآية موردَ البحث حيث أنَّ عدم كون التّزيُّن من منافع الحمار قرينةٌ عُرفيّة على أنّ المُراد من قوله تعالى ﴿لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ هو تعداد المنافع المترتّبة على مجموع الحيوانات المذكورة في الآية وليس المقصود منها أنّ كلّ واحدٍ من هذه الحيوانات يُنتفع به بكلا المنفعتين.

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة النحل / 8.

2- سورة النحل / 5.

3- سورة النحل / 10-14.

4- سورة الأعراف / 31.

5- سورة النحل / 5-6.