آيـة الابـرار
من آيات الله الباهرات التي أشادت بفضل العترة الطاهرة، آية الابرار، قال تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا / عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا / يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾(1).
روى جمهور المفسرين والمحدثين أنها نزلت في أهل البيت (ع)(2) وكان السبب في ذلك أن الحسن والحسين (ع) مرضا فعادهما جدهما الرسول صلى الله عليه وآله مع كوكبة من أصحابه، وطلبوا من علي أن ينذر لله صوما ان عافاهما مما ألم بهما من السقم فنذر أمير المؤمنين صوم ثلاثة أيام، وتابعته الصديقة عليها السلام وجاريتها فضة في ذلك، ولما أبل الحسنان من المرض صاموا جميعا، ولم يكن عند الامام في ذلك الوقت شئ من الطعام ليجعله أفطارا لهم فاستقرض سلام الله عليه ثلاث أصواع من الشعير، فعمدت الصديقة في اليوم الاول إلى صاع فطحنته وخبزته فلما آن وقت الافطار وإذا بمسكين يطرق الباب يستمنحهم شيئا من الطعام فعمدوا جميعا إلى هبة قوتهم إلى المسكين واستمروا في صيامهم لم يتناولوا سوى الماء.
وفي اليوم الثاني عمدت بضعة النبي (ص) إلى تهيأة الطعام الذي كان قوامه خبز الشعير، ولما حان وقت الغروب واذا بيتيم قد أضناه الجوع وهو يطلب الاسعاف منهم فتبرعوا جميعا بقوتهم، ولم يتنالوا سوى الماء.
وفي اليوم الثالث قامت سيدة النساء فطحنت ما فضل من الطعام وخبزته فلما حان وقت الافطار قدمت لهم الطعام، وسرعان ما طرق الباب أسير قد ألم به الجوع فسحبوا أيديهم من الطعام ومنحوه له.
سبحانك اللهم أي مبرة أعظم من هذه المبرة!!! أي إيثار أبلغ من هذا الايثار، إنه ايثار ما قصد به إلا وجه الله الكريم.
ووفد عليهم رسول الله (ص) في اليوم الرابع فرآهم، ويا لهول ما رأى رأى أجساما مرتعشة من الضعف ونفوسا قد ذابت من الجوع، فتغير حالهه وطفق يقول: "واغوثاه أهل بيت محمد يموتون جياعا!!!".
ولم ينه الرسول كلامه حتى هبط عليه أمين الوحي وهو يحمل المكافأة العظمى لاهل البيت والتقييم لايثارهم الخالد .. إنها مكافأة لا توصف بكيف ولا تقدر بكم، فهي مغفرة ورحمة ورضوان من الله ليس لها حد، فقد ﴿جَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا / مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا / وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا / وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا / قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا / وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا﴾(3).
إنه عطاء سمح وجزيل فقد حباهم ربهم في الدار الآخرة من عظيم النعم والكرامات، وأجزل لهم المزيد من مغفرته ورضوانه.
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض الآيات الكريمة التي نزلت في أهل البيت (ع) ومما لا شك فيه أن الامام الحسين (ع) من المعنيين بتلك الآيات الكريمة النازلة من السماء، وقد أبرزت مدى مقامه العظيم عند الله.
المصدر:
حياة الإمام الحسين بن علي (ع) ج1.
1- سورة الإنسان / 5-7.
2- تفسير الفخر ج8 / ص392، أسباب النزول للواحدي (ص 133) النيسابوري في تفسير سورة الإنسان، روح البيان ج6 / ص546، الدر المنثور ينابيع المودة ج1 / ص93، الرياض النضرة ج2 / ص227، امتاع الاسماع -المقريزي- ص502.
3- سورة الإنسان / 12-17.