النبي عيسى ومريم العذراء (ع)
مقدمة:
إنَّ (حنة) و(اشتياع) كانتا أختين، تزّوجت الأولى (عمران) أحد زعماء بني إسرائيل، وتزوجت الأخرى (زكريا) النبي.
مضت سنوات على زواج (حنة) بغير أن ترزق مولودًا. وفي أحد الأيام بينما هي جالسة تحت الشجرة، رأت طائرًا يطعم فراخه. فأشعل هذا المشهد نار حب الأمومة في قلبها، فتوجهت إلى الله بمجامع قلبها طالبةً منه أن يرزقها مولودًا، فاستجاب الله دعاءها الخالص، ولم تمض مدة طويلة حتى حملت.
إن الله قد أوحى إلى (عمران) أنه سيهبه ولدًا مباركًا يشفي المرضى الميؤوس من شفائهم، ويحي الموتى بإذن الله، سوف يرسله نبيّاً إلى نبي إسرائيل. فأخبر عمران زوجته (حنة) بذلك. لذلك عندما حملت ظنّت أنّ ما في بطنها للخدمة في بيت الله (بيت المقدس ويسمّى محررًا).
(المحرر) من التحرير، وكانت تطلق في ذلك الزمان على الأبناء المعيّنين للخدمة في المعبد ليتولّوا تنظيفه وخدماته، وليؤدّوا عباداتهم فيه وقت فراغهم. ولذلك سمّي الواحد منهم (المحرر) إذ هو محرر من خدمة الأبوين، وكان ذلك مدعاة لافتخارهم.
قيل إنّ الصبيان القادرين على هذه الخدمة كانوا يقومون بها بإشراف الأبوين إلى سنّ البلوغ، ومن ثم كان الأمر يوكل إليهم، إن شاؤوا بقوا، وإن شاؤوا تركوا الخدمة.
﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى﴾(1):
القرآن الكريم يشرح حال أم مريم بعد ولادتها، فقد أزعجها أن تلد أنثى، وراحت تخاطب الله قائلة: إنّها أنثى، وأنت تعلم أنّ الذكر ليس كالأنثى في تحقيق النذر، فالأنثى لا تستطيع أن تؤدي واجبها في الخدمة كما يفعل الذكر فالبنت بعد البلوغ لها عادة شهرية ولا يمكنها دخول المسجد، مضافًا إلى أن قواها البدنية ضعيفة، وكذلك المسائل المربوطة بالحجاب والحمل وغير ذلك. ﴿وليس وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى﴾.
إنّ مريم لم تكن تصدق إمكان قبول الأنثى خادمة في بيت الله، لذلك كانت تتمنّى أن تلد يومًا ذكرًا، إذ لم يسبق أن اختيرت أنثى لهذا العمل.
ولكن القرآن يقول إنّ الله قد فبل قيام هذه الأنثى الطاهرة بهذه الخدمة الروحية والمعنوية، لأوّل مرّة.
يقول بعض المفسرين: إنّ دليل قبولها لهذه الخدمة أنّها لم تكن ترى العادة الشهرية أثناء خدمتها في بيت المقدس لكي لا تضطر إلى ترك الخدمة، أو أن حضور طعامها من الجنة إلى محرابها دليل على قبولها. وقد يكون النذر وقبول مريم قد أبلغ للأم عن طريق الإلهام.
يقول القرآن: اختار الله زكريا كي يتكفل مريم، إذ أنّ أباها عمران قد ودع الحياة قبل ولاتها.
إن أم مريم هي التي سمتها بهذا الاسم عند ولادتها. و(مريم) بلغتها تعني (العابدة). وفي هذا يظهر منتهى اشتياق هذه الأم الطاهرة لوقف وليدها على خدمة الله. لذلك طلبت من الله -بعد أن سمّتها- أن يحفظها ونسلها من وسوسة الشياطين، وأن يرعاهم بحمايته ولطفه ﴿وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾.
القرعة لكفالة مريم:
إن مريم بعد أن وضعتها لفتها في قطعة قماش وأتت بها إلى المعبد وخاطبت علماء بني إسرائيل وأشرافهم بقولها: هذه الملودة قد نُذرت لخدمة بيت الله، فليتعهد أحدكم بتربيتها. ولما كانت مريم من أسرة معروفة (آل عمران)، أخذ علماء بني إسرائيل يتنافسون في الفوز بتعهد تربيتها. وأخيرًا اتفقوا على إجراء القرعة بينهم، فجاؤوا إلى الشاطئ نهر وأحضروا معهم أقلامهم وعصيهم التي كانوا يقترعون بها. كتب كل واحد منهم اسمه على قلم من الأقلام، وألقوها في الماء، فكل قلم غطس في الماء خسر صاحبه، والرابح يكون من يطفو قلمه على الماء: غطس القلم الذي كتب عليه اسم زكريا، ثم عاد وطفا على سطحه، وبذلك أصبحت مريم في كفالته، وقد كان في الحقيقة أجدرهم بذلك، فهو نبي وزوج خالة مريم.
يقول سبحانه: ﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾(2) أي إنك لم تكن حاضرًا حينذاك.
زكريا وكفالة مريم:
كبرت مريم تحت رعاية زكريا، وكانت غارقة في العبادة والتعبد، بحيث إنها عندما بغت التاسعة من عمرها كانت تصوم النهار وتقوم الليل بالعبادة، وكانت على درجة كبيرة من التقوى ومعرفة الله حتى أنها فاقت الأحبار والعلماء في زمانها. وعندما كان زكريا يزورها في المحراب يجد عندها طعامًا خاصًا، فيأخذه العجب من ذلك. سألها يومًا: ﴿يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾(3).
القرآن لا يذكر شيئًا عن ماهية هذا الطعام ومن أين جاء، لكنّ بعض الأحاديث تفيد أنه كان فاكهة من الحنة في غير فصلها تحضر بأمر الله إلى المحراب، وليس ما يدعو إلى العجب في أن يستضيف الله عبدًا تقيًا.
وقد ورد عن الإمام الباقر (ع) ما ملخصه أن رسول الله (ص) دخل يومًا على ابنته فاطمة (ع) وهو يعلم أنها لم تكن تملك طعامًا يذكر منذ أيام، فوجد عندها طعامًا وافرًا خاصًا، فسألها عنه، فقالت: "هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب. فقال رسول الله (ص) لعلي (ع): ألا أحدثك بمثلك ومثلها؟ قال: بلى، قال: زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقًا، قال: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب".
الملائكة يكلمون مريم:
إن الملائكة كانوا يكلمون مريم: ﴿قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾(4).
فقد بشرتها الملائكة بأن الله تعالى قد اختارها من بين جميع نساء العالم وطهرها وفضلها بسبب تقواها وإيمانها وعبادتها.
والجدير بالذكر أن كلمة "اصطفاك" تكررت مرتين في هذه الآية، ففي المرة الأولى كانت لبيان الاصطفاء المطلق، وفي الثانية إشارة إلى أفضليتها على سائر نساء العالم المعاصر لها(5).
إن الملائكة بعد أن بشرها بأن الله قد اصطفاها، قالوا لها: الآن اشكري الله بالركوع والسجود والخضوع له اعترافاً بهذه النعمة العظمى(6).
بداية ولادة المسيح (ع):
يقول القرآن الكريم في قصة ولادة المسيح (ع): فقد كانت مريم كانت مريم تبحث عن مكان خال من كل نوع من التشويش والضوضاء حتى لا يشغلها شيء عن مناجاتها ويصرفها -ولو حيناً- عن ذكر المحبوب، ولذلك اختارت شرقي بيت المقدس، ذلك المعبد الكبير، لعله يكون مكاناً أكثر هدوءاً، أو أنه كان أنظف وأنسب من جهة أشعة الشمس ونورها.
في هذه الأثناء من أجل أن تكمل مريم مكان خلوتها واعتكافها من كل جهة، فإنّها من أجل أن تناجي ربها بحرية أكبر، وتستطيع عند خلو هذا المكان من كل ما يشغل القلب والحواس أن تتوجه إلى العبادة والدعاء.
والروح أحد الملائكة العظام حيث تجسد لمريم على شكل إنسان جميل لا عيب فيه ولا نقص(7).
إن الحالة التي اعترت مريم في تلك اللحظة واضحة جداً، فمريم التي عاشت دائماً نقية الجيب، وتربت في أحضان الطاهرين، وكان يضرب بها المثل بين الناس في العفة والتقوى .. كم داخلها من الرعب والاضطراب عند مشاهدة هذا المنظر، وهو دخول رجل أجنبي جميل في محل خلوتها! ولذلك فإنها مباشرة وكانت هذه أول هزة عمت كل وجود مريم.
إن ذكر اسم الرحمان، ووصفه برحمته العامة من جهة، وترغيب الرجل في التقوى والامتناع عن المعصية من جهة أخرى، كان من أجل أن يرتدع هذا الشخص المجهول إن كانت له نيّة سيئة في ارتكاب المعصية، والأهم من ذلك كله هو الالتجاء إلى الله، فالله الذي يلتجئ إليه الإنسان في أحلك الظروف، ولا تقف أية قدرته، هو الذ سيحل المعضلات.
لقد كانت مريم تنتظر رد فعل ذلك الشخص المجهول بعد أن تفوهت بهذه الكلمات انتظاراً مشوباً بالاضطراب والقلق الشديد، إلا أن هذه الحالة لم تطل، فقد كلمها ذلك الشخص، ووضح مهمته ورسالته العظيمة.
لقد كانت هذه الجملة كالماء الذي يلقى على النار، فقد طمأنت قلب مريم الطاهر، إلا أن هذا الاطمئنان لم يدك طويلاً؛ لأنه أضاف مباشرة.
لقد اهتز كيان ووجود مريم لدى سماع هذا الكلام، وغاصت مرة أخرى في قلق شديد.
لقد كان تفكر في تلك الحالة في الأسباب الطبيعية فقط، وكانت تظن أن المرأة يمكن أن يكون لها ولد عن طريقين لا ثالث لهاما: إمّا الزواج أو التلوث بالرذيلة والانحراف، وإني أعرف نفسي أكثر من أي شخص آخر، فإني لم أختر زوجًا لحد الآن، ولم أكن امرأة منحرفة قط، ولم يسمع لحد الآن أنّ شخصًا يولد له ول من غير هذين الطريقين!
إلا أنَّ أمواج هذا القلق المتلاطمة هدأت بسرعة عند سماع كلام آخر من رسول الله إليها، فقد خاطب مريم: ﴿قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴾(8) فأنت الواقفة على قدرتي والعالمة بها جيدًا .. أنت التي رأيت ثمر الجنة في فصل لا يوجد شبيه لتلك الفاكهة في الدنيا جنب محراب عبادتك. أنت التي سمعت نداء الملائكة حين شهدت بعفتك وطهارتك .. أنت التي تعلمين أنّ جدك آدم قد خلق من التراب، فلماذا هذا التعجب من سماعك هذا الخبر؟
ثمّ أضاف: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا﴾(9) فنحن نريد أن نبعثه للناس رحمة من عندنا، ونجعل معجزة، وعلى كل حال ﴿وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا﴾. فلا مجال بعد ذلك للمناقشة.
ما هو المراد من روح الله؟
إنّ كل المفسرين المعروفين تقريبًا فسروا الروح هنا بأنّه جبرئيل ملك الله العظيم، والتعبير عنه بالروح لأنّه روحاني، ووجود مفيض للحياة، لأنّه حامل الرسالة الإلهية إلى الأنبياء وفيها حياة جميع البشر اللائقين، وإضافة الروح هنا إلى الله دليل على عظمة وشرف هذا الروح، حيث أن من أقسام الإضافة هي (الإضافة التشريفية).
مريم في عاصفة:
وأخيرًا حملت مريم، واستقر ذلك الولد الموعود في رحمها: ﴿فَحَمَلَتْهُ﴾(10) ولم يتحدث القرآن عن كيفية نشوء وتكون هذا المولود، فهل أن جبرئيل قد نفخ في ثوبها، أم في فمها؟ وذلك لعدم الحاجة إلى هذا البحث، بالرغم من أنّ كلمات المفسرين مختلفة في هذا الشأن.
وعلى كل حال، فإِنّ هذا الأمر قد تسبب في أن تبتعد عن بيت المقدس ﴿فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا﴾.
لقد كانت تعيش حالة بين الخوف والأمل، حالة من القلق والاضطراب المشوب بالسرور، فهي تفكر أحيانًا بأن هذا الحمل سيفشو أمره في النهاية، فالأفضل أن أبقى بعيدة عن أولئك الذين يعرفونني عدة أيام أو شهر، وأعيش في هذا المكان بصورة مجهولة، وماذا سيحدث في النهاية؟
فمن الذي سيقتنع بأنّ امرأة لا زوج لها تحمل دون أن تكون قد تلوثت بالرذيلة؟ فماذا سأفعل تجاه هذا الاتهام؟ والحق أنّ من المؤلم جدًا بالنسبة لفتاة كانت لسنين طويلة نموذجًا وقدوة للطهارة والعفة والتقوى والورع، ومثالاً في العبادة والعبودية لله، وكان زهاد بني إسرائيل يفتخرون بكفالتها منذ الطفولة، وقد تربت وترعرعت في ظل نبي كبي، وقد أشاع أمر سجاياها وقداستها في كل مكان، أن تحس في يوم ما أن كل هذا الرصيد المعنوي مهدد بالخطر، وستكون غرضًا ومرمى لاتهام يعتبر أسوء وأقبح اتهام، وكانت هذه هي المصيبة الثالثة التي وقعت لها.
وهناك بحث في مدة حمل مريم، بالرغم من أنّه ذكر في لقرآن بصورة خفية ومبهمة فبعضهم حسبه ساعة واحدة، وآخر تسع ساعات، وثالث ستة أشهر، ورابع سبعة، وآخر ثمانية، وآخر تسعة أشهر كسائر النساء، إلا أن هذا الموضوع ليس له ذلك التأثير في هدف هذه القصة. والروايات الواردة في هذا المجال مختلفة أيضًا.
وقد اعتقد الكثيرون أنّ المكان (القصي) هو مدينة (الناصرة) وربما بقيت في تلك المدينة بصورة دائمًا وقلّما خرجت منها.
ومهما كان فقد انتهت مدّة الحمل، وبدأت لحظات تلاطم أمواج حياة ريم، وقد دفعها ألم الولادة الشديد الذي هاج فيها إلى تلك الأماكن المعمورة والتوجه إلى الصحاري الخالية من البشر، والقاحلة التي لا عشب ولا ماء ولا مأوى.
ومع أن النساء يلجأن عادة في مثل هذه الحالة إلى المعارف والأصدقاء ليساعدوهن على الولادة، إلا أن وضع مريم لما كان استثنائيًا، ولم تكن تريد أن يرى أحد وضع حملها مطلقًا، فإنها اتخذت طريق الصحراء بمجرد أن بدأ ألم الولادة ويقول القرآن في ذلك، ﴿فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾(11).
إنّ التعبير بجذع النخلة، وبملاحظة أن الجذع يعني بدن الشجرة، ويوحي بأنّه لم يبق من تلك الشجرة إلا جذعها وبدنها، أي إِن الشجرة كانت يابسة.
يا ليتني مت قبل هذا:
غمر كل وجود مريم الطاهر سيل من اللغم والحزن، وأحسست بأنّ اللحظة التي كانت تخشاها قد حانت، اللحظة التي مها أخفيت فإِنها ستتضح هناك، وسيتجه نحوها سيل سهام الاتهام التي سيرشقها بها الناس.
لقد كان هذا الاضطراب والصراع كان صعبًا جدًا، وقد أثقل كاهلها إلى الحد الذي تكلمت فيه بلا الإرادة و﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾(12).
إن من البديهي أنّ الخوف من التهم في المستقبل لم يكن الشيء الوحيد الذي كان يعصر قلب مريم ويقلقها، وإن كان هذا الموضوع يشغل فكر مريم أكثر من أية مسألة أخرى، إلا أن مشاكل ومصائب أخرى كوضع الحمل لوحدها بدون قابلة ولا وصديق ومعين في الصحاري الخالي، وعدم وجود مكان للاستراحة، وعدم وجود الماء للشرب، والطعام للأكل، وعدم وجود وسيلة لحفظ المولود الجديد، وغير هذه الأمور كانت تهزها من الأعماق بشدة.
قد يتساءل البعض باعتراض: كيف أنّ مريم المؤمنة والعارفة بالتوحيد حيث رأت كل هذا اللطف والإحساس الإلهي، أجرت مثل هذه الجملة على لسانها وقالت: ﴿قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾، إلا أن هؤلاء لم يدركوا أبدًا حال مريم في تلك الساعة، ولو أنهم أصابهم شيء قليل من هذه المشاكل فإنهم سينسون حتى أنفسهم.
إلا أن هذه الحالة لم تدم طويلاً، فقد سطعت ومضة الأمل التي كانت موجودة دائمًا في أعماق قلبها، وطرق سمعها صوت ﴿فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾(13) وانظري إلى الأعلى كيف أن هذا الجذع اليابس قد تحول إلى نخلة مثمرة ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا / فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا﴾(14) بالمولود الجديد ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾. وهذا الصوم هو المعروف بصوم السكوت.
وخلاصة الأمر، إِنك لا تحتاجين إلى الدفاع عن نفسك، فإِن الذي وهبك هذا الوليد قد تعهد بمهمة الدفاع عنك أيضًا، وعلى هذا فليهدأ روعك من كل الجهات، ولا تدعي للهم طريقًا إلى نفسك.
إن هذه الحوادث المتلاحقة التي سطعت كالشرر المضيء الوهاج في الظلام الدامس، قد أضاءت كل أرجاء قلبها، وألقت عليه الهدوء والاطمئنان.
المسيح يتكلم المهد:
وأخيرًا رجعت مريم (ع) من الصحراء على المدينة وقد احتضنت طفلها ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ﴾(15) فلما رأوا طفلاً حديث الولادة بين يديها فغروا أفواههم تعجبًا، فقد كانوا يعرفون ماضي مريم الطاهر، وكانوا قد سمعوا بتقواها وكرامتها، فقلقوا لذلك بشدة، حيث وقع شك بعضهم وتعجل آخرون في القضاء والحكم وأطلق العنان للسانه في توبيخها وملامتها، وقالوا: إِن من المؤسف هذا الانحدار مع ذلك الماضي المضيء، ومع الأسف على تلوث سمعه تلك الأسرة الطاهرة ﴿قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾.
والبعض الآخر واجهها، بالقول: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾(16) فمع وجود مثل هذا الأب والأم الطاهرين، ما هذا الوضع الذي نراك عليه؟ فأي سوء رأيت في سلوك الأب وخلق الأم حتى تحيدي عن هذا الطريق؟(17).
في هذه الساعة، سكتت مريم بأمر الله، والعمل الوحيد الذي قامت به، هو أنها أشارت إلى وليدها ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾(18). ألا أنّ هذا العمل جعل هؤلاء يتعجبون أكثر، وربما حمل بعضها السخرية، ثم غضبوا وقالوا: مع قيامك بهذا العمل تسخرين من قومك أيضًا؟ ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾.
على كل حال فإنّ الناس قلقوا واضطربوا من سماع كلام مريم هذا، بل وربما غضبوا وقالوا لبعضهم البعض -حسب بعض الروايات- إنّ استهزاءها وسخريتها أشد علينا من انحرافها عن جادة العف!
إلا أن هذه الحالة لم تدم طويلاً، لأن ذلك الطفل الذي ولد حديثًا قد فتح فاه وتكلم: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا / وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ﴾(19)، ومفيدًا من كل الجهات للعباد ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾.
وكذلك جعلني مطيعًا ووفيًا لأمي ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾.
وفي النهاية يقول هذا المولود -أي المسيح- ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾(20).
إنذ هذه الأيام الثلاثة في حياة الإنسان أيام مصيرية خطرة، لا تتيسر السلامة فيها إلا بلطف الله، ولذلك جاءت هذه الآية في حق يحيى (ع) كما وردت في شأن المسيح (ع)، مع الاختلاف بأنّ الله هو الذي قالها في المورد الأول، أما في المرد الثلني فإنّ المسيح قد طلب ذلك(21).
بداية مهنة عيسى المسيح:
إنّ الذين يختارهم الله لقيادة الناس وهدايتهم، لا بدّ أن يكونوا في أعلى درجة من العلم والمعرفة وأن يقدموا أسمى التعاليم والقوانين البنّاءة، ثمّ بعد ذلك عليهم أن يظهروا أدلّة واضحة على علاقتهم بالله، لتوكيد مهمتهم. وبهذين الوسيلتين تكتمل عملية هداية الناس، وفي الآيات أعلاه تمت الإشارة إلى هذين الأمرين. ففي الأولى كان الكلام عن علم المسيح وكتبه السماوية. وفي الآية الثانية إشارة إلى معجزاته العديدة. ثمّ تبين الهدف من كلّ ذلك وهو هداية بني إسرائيل المنحرفين ﴿وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾(22).
معجزات عيسى:
ولمّا كانت دعوة الأنبياء في الحقيقة دعوة إلى حياة حقيقة، فإنّ القرآن -عند بيان معجزات السيد المسيح (ع)- يبدأ بذكر بثّ الحياة في الأموات بإذن الله، ويقول على لسان المسيح (ع)، ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ﴾(23).
إنّ قضية إحياء الموتى التدريجي بإذن الله ليست عويصة، لأنّنا نعلم أنّ جميع الكائنات الحيّة مخلوقة من التراب والماء، إلاَّ أنّ المعجزة في أن هذا الخلق الذي تحقّق على امتداد سنوات طويلة. فما الذي يمنع من لأن يكثّف الله تلك العوامل والأسباب بحيث تتمّ مراحل الخلق بسرعة فائقة، ويتحوّل الطين إلى كائن حي؟
بديهي أنّ تحقّق هذا الأمر في ذلك المحيط، وفي أي محيط آخر، سند حيّ ودليل واضح على علاقة صاحب المعجزة بعالم ما وراء الطبيعة، وعلى قدرة الله اللامتناهية.
ثمّ يشير إلى معالجة الأمراض الصعبة العلاج أو التي لا علاج لها، ويقول على لسانه: ﴿وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ﴾. لا شكّ أنّ القيام بكلّ هذه الأعمال وخاصّة لدى علماء الطب في ذلك الزمان كان من المعجزات التي لا يمكن إنكارها.
بعد ذلك يشير إلى إخباره عن أسرار الناس الخافية، فلكّ امرئ في حياته بعض الأسرار التي لا يعرف الآخرون شيئًا عنها. فإذا جاء من يخبرهم بما أكلوه، أو ما ادخروه، فهذا يعني أنّه يستقي معلوماته من مصدر غيبي: ﴿وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ..﴾.(24).
إني عبد الله:
القرآن الكريم يؤكد على لسان المسيح (ع) عبودية المسيح لرفع كلّ إبهام وريب قد ينشأ من كيفية ولادته التي قد يتشبث بها البعض لإثبات ألوهيته وتقول: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾(25)، بخلاف ما نراه في الأناجيل المحرّفة الموجودة التي تنقل عن المسيح أنّه كان يستعمل (الرب) بدلاً من ذلك: ﴿إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ﴾(26). وهذا أكثر ما يمكن أن بقوم به المسيح في محاربة من يدعي بألوهيّته.
حوار النصارى مع النبي (ص):
إنّ مسيحييّ نجران جاؤوا في وفد مؤلف من 60 شخصًا وفيهم عدد من زعمائهم بقصد التحاور مع رسول الله (ص).
من بين المواضيع التي طرحت في ذلك الاجتماع مسألة أُلوهيته المسيح التي رفضها رسول الله واستدل بأنّ المسيح وُلِدَ وعاش كبقية الناس ولا يمكن أن يكون إلهًا، لكنهم استدلوا على ألوهيته بولادته من غير أب.
القرآن الكريم يورد استدلالاً قصيرًا وواضحًا في الرد على مسيحيي نجران بشأن ألوهية المسيح: إنّ ولادة المسيح من غير أب لا يمكن أن تكون دليلاً على أنّه ابن الله أو أنّه الله بعينه، لأنّ الولادة قد جرت لآدم بصورة أعجب فهو قد ولد من غير أب ولا أم. وعليه، فكما أنّ خلق آدم من تراب لا يستدعي التعجب، لأنّ الله قادر على كل شيء، ولأن الله قادر على كل شيء، ولأن (فعله) و(إرادته) متناسقان فإذا أراد شيئًا يقول له: كن فيكون، كذلك ولادة عيسى من أمّ وبغير أب، ليست مستحيلة.
أسطورة التثليث الوهمية:
القرآن الكريم يشير إلى هذا الإنحراف وهو اعتقاد المسيحيين بالتثليث أي وجود آلهة ثلاثة ويأتي التطرق إلى هذا البحث في سياق البحوث القرآنية.
فالقرآن يحذر في البداية أهل الكتاب من المغالاة والتطرف في دينهم، وتدعوهم أن لا يقولوا على الله غير الحق.
بعد ذلك يشير إلى عدة نقاط، يعتبر كل واحد منها في حدّ ذاته دليلاً على بطلان قضية التثليث، وعدم صحة ألوهيته المسيح (ع)، وهذه النقاط هي:
1- لقد حصرت الآية بنوة السيد المسيح (ع) بمريم (ع) ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾(27)، وإشارة البنوة -هذه الواردة في ستة عشر مكانًا من القرآن الكريم- إنما تؤكد أنّ المسيح (ع) هو إنسان كسائر الناس، خلق في بطن أمه، ومرّ بدور الجنين في ذلك الرحم، وفتح عينيه على الدنيا حين ولد من بطن مريم (ع) كما يولد أفراد البشر من بطون أمهاتهم ومرّ بفترة الرضاعة وترب في حجر أمه، ممّا يثبت بأنّه امتلك كل صفات البشر فكيف يمكن -وحالة المسيح (ع) هذه- أن يكون إلهًا أبديًا، وهو في وجوده محكوم بالظواهر والقوانين المادية الطبيعية ويتأثر بالتحولات الجارية في عالم الوجود؟!
2- تؤكد الآية الكريمة أنّ المسيح (ع) هو رسول الله ومبعوث إلى البشر من قبله سبحانه وتعالى، وإن هذه المنزلة -أي منزلة النبوة- لا تتناسب ومقام الألوهية.
والجدير بالذكر هو أنّ معظم كلام المسيح (ع) الوارد قسم منه في الأناجيل المتداولة في الوقت الحاضر، إنما يؤكد نبوته وبعثته لهداية الناس، وليس فيه دلالة على ادعائه الألوهية والربوبية.
3- وتبيّن الآية أن عيسى المسيح (ع) هو كلمة الله التي ألقاها إلى مريم (ع) حيث تقول: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾. وقد وردت عبارة: (كلمة) في وصف المسيح في عدد من الآيات القرآنية، وهذه إشارة إلى كون المسيح مخلوقًا بشريًا، إذ أن الكلمات مخلوقة من قبل الله، كما أنّ الموجودات في الكون من مخلوقاته عزّ وجلّ، فكما أن الكلمات تبيّن مكنونات أنفسنا -نحن البشر- وتدل على صفاتنا وأخلاقياتنا، فإنّ مخلوقات الكون تحكي صفات خالقها وجماله وتدل على جلاله وعظمته.
وعلى هذا الأساس فقد وردت عبارة (كلمة) في عدد من العبارات القرآنية لتشمل جميع مخلوقات الله(28)، وبديهي أنّ الكلمات الإلهية تتفاوت بعضها مع البعض في المنزلة والأهمية وعيسى (ع) يعتبر إحدى كلمات الله البارزة الأهمية، لكونه ولد من غير أب، إضافة إلى كون يتمتع بمقام الرسالة الإلهية.
4- تشير الآية إلى أنّ عيسى المسيح (ع) هو روح مخلوقة من قبل الله، حيث تقول ﴿وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾(29) وهذه العبارة التي وردت في شأن خلق آدم -أو بعبارة أخرى خلق البشر أجمعين- في القرآن الكريم، إنما تدل على عظمة تلك الروح التي خلقها الله تعالى وأودعها في أفراد البشر بصورة عامة، وفي المسيح (ع) وسائر الأنبياء بصورة خاصة.
إنّ ما يثير العجب هو أنّ المسيحيين يرون ولادة المسيح من أمّ دون أب دليلاً على ألوهيته، وهم ينسون في هذا المجال أن آدم (ع) قد ولد من دون أب، ولا امن ولم ير أحد هذه الخصيصة الموجودة في آدم دليلاً على ربوبيته.
بعد ذلك تؤكد الآية على ضرورة الإيمان بالله الواحد الأحد وبأنبيائه، ونبذة عقيدة التثليث، مبشرة المؤمنين بأنّهم إن نبذوا هذه العقيدة فسيكون ذلك خيرًا لهم: ﴿فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ ..﴾.
اليهود بانتظار المسيح:
كان اليهود ينتظرون مجيء المسيح بموجب ما بّشرهم به موسى، قبل أن يولد. زلكنّه عندما ظهر، وتعرّضت مصالح جمع من الظالمين والمنحرفين من بني إسرائيل للخطر لم يبق معه إلاَّ نفر قليل، بينما تركه الذين احتملوا أن يؤدي قبولهم دعوة المسيح والتقيد بالقوانين الإلهية إلى ضياع مصالحهم.
بعد أن أعلن عيسى دعوته وأثبتها بالأدلة الكافية، أدرك أنّ جمعًا من بني إسرائيل يصرّون على المعارضة والعصيان ولا يتركون المعاندة والانحراف ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ﴾(30)، فنادى من أصحابه و﴿قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ﴾(31) فاستجاب لندائه نفر قليل. كانوا أطهارًا سماهم (الحواريين). لبّوا نداء المسيح ولك يبخلوا بشيء في سبيل نشر أهدافه المقدسة.
أعلن الحواريين استعدادهم لتقديم كل عون للمسيح، وقالوا: ﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾(31).
لاحظ أن الحواريين لم يقولا: نحن أنصارك. بل لكي يعربوا عن منتهى إيمانهم بالتوحيد وليؤكدوا إخلاصهم، ولكن لا يشمّ من كلامهم أي رائحة للشرك، قالوا: نحن أنصار الله، ننصر دينه، ونريدك شاهدًا على هذه الحقيقة، لعلهم قد شموا منذ ذلك اليوم رائحة الانحراف في المستقبل وأنّ هناك من يستدعي ألوهيّة عيسى مكن بعده، فسعوا ألاَّ يكون في كلامهم ما يمكن أن يتذرعوا به.
من هم الحواريون؟
(حواريون) جمع حواري من مادة (حَوَر) بمعنى الغسل والتبييض، وقد تطلق على الشيء الأبيض. لذلك يطلق العرب على الطعام الأبيض (الحواري). و(حور) جمع حوراء وهي البيضاء البشرة.
أمّا سبب تسمية تلامذة المسيح بالحواريين فقد ذكرت له احتمالات كثيرة، ولكن الأقرب إلى الذهن، وهو الوارد في أحاديث أئمة الدين، لأنّهم فضلاً عن طهارة قلوبهم وصفاء أرواحهم، كانوا دائبي السعي في تطهير الناس وتنوير أفكارهم وغسلهم من أدران الذنوب.
وهذا ما أكده حديث الإمام الرضا (عليه السلام) في (عيون أخبار الرضا)؟!
الحواريون في القرآن والإنجيل:
تكلم القرآن على الحواريين(32)، مشيرًا إلى إيمانهم. ولكن يتبين مما نقرأه في الإنجيل بشأن الحواريين أنّهم جميعًا ترتكبوا بعض الزلل بالنسبة للمسيح.
أمّا أسماؤهم كما جاءت في إنجيل متّى ولوقا، الباب السادس، فهي:
1- بطرس.
2- أندرياس.
3- يعقوب.
4- يوحنا.
5- فيلوبس.
6- برتولولما.
7- توما.
8- متّى.
9- يعقوب بن حلفا.
10- شمعون (الغيور).
11- يهوذا أخو يعقوب.
12- يهوذا الاسخريوطي الذي خان المسيح.
إنّ الحواريين كانوا يرافقون المسيح في رحلاته. كلما عطشوا أو جاعوا رأوا الماء والطعام مهيأ أمامهم بأمر الله، فكانوا يرون في ذلك فخرًا لهم أي فخر، وسألوا المسيح: أهناك من هو أفضل منّا؟ فقال نعم: أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه.
وعلى أثر ذلك اشتغلوا بغسل الملابس للناس لقاء أجر، وانشغلوا بذلك؛ فكان ذلك درسًا عمليًا للناس بأنّ العمل ليس عيبًا أو عارًا.
وبعد أن قبل الحواريون دعوة المسيح إلى التعاون معه واتّخذه شاهدًا عليهم في إيمانهم، اتجهوا إلى الله يعرضون عليه إيمانهم قائلين: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ﴾(33).
ولكن لما كانت دعوى الإيمان لا تكفي وحدها، فقد اتبعوا ذلك بقيامهم بتنفيذ أوامر الله واتباع رسوله المسيح، وقالوا مؤكدين: ﴿وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ﴾.
عندما يتغلغل الإيمان في روح الإنسان لا بد أن ينعكس ذلك على عمله، فبدون العمل يكون ادعؤه الإيمان تقولاً، لا إيمانًا حقيقيًا.
بعد ذلك طلبوا من الله قائلين: ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾. والشاهدون هم أولئك الذين لهم صفة قيادة الأمم، ويوم القيامة يشهدون على أعمال الناس الحسنة والسيئة.
قصة نزول المائدة على الحواريين:
يذكر القرآن الكريم نزول المائدة من السماء: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء﴾(34).
شعر المسيح (ع) بالقلق من طلب الحواريين هذا الذي يدل على الشك والتردد، على الرغم من كل تلك الأدلة والآيات، فخاطبهم و﴿قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
ولكنه سرعان ما أكدوا للمسيح (ع) أن هدفهم بريء، وأنّهم لا يقصدون العناد واللجاج، بل يريدون الأكل منها (مضافًا إلى الحالة النورانية في قلوبهم المترتبة على تناول الغذاء السماوي لأنّ للغذاء ونوعيته اثر مسلّم في روح الإنسان) ﴿قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾(35).
فبينوا قصدهم أنهم طلبوا المائدة للطعام، ولتطمئن قلوبهم به لما سيكون لهذا الطعام الإلهي من أثر على الروح ومن زيادة في الثقة واليقين.
ولما أدرك عيسى (ع) حسن نيتهم في طلبهم ذاك، عرض الأمر على الله: ﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾(36).
ومن الواضح هنا أن الأسلوب الذي عرض به عيسى بن مريم الأمر على الله كان أليق وأنسب، ويحكي عن روح البحث عن الحقيقة ورعاية الشؤون العامة للمجتمع.
فاستجاب الله لهذا الكلب الصادر عن حسن نية وإخلاص، ﴿قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾(37).
ما هي تلك المائدة السماوية؟
لم يذكر القرآن شيئًَا عن محتوياتها، ولكن يستفاد من بعض الأحاديث، وخاصة الحديث المروي عن الإمام الباقر (عليه السلام)، أن تلك المائدة كانت تحوي أرغفة من الخبز ومقدارًا من السمك، ولعل سبب طلب هذه المعجزة كان ما سمعوه عن المائدة السماوية التي نزلت على بني إسرائيل بإعجاز من موسى (عليه السلام) فطلبوا هم أيضًا من عيسى (ع) مثل ذلك.
(العهد الجديد) والمائدة:
في الأناجيل الأربعة الموجودة حاليًا لانجد كلامًا عن المائدة كما في القرآن، عدا ما جاء في إنجيل يوحنا، في الباب (21)، حول استضافة المسيح الإعجازية جمعًا من الناس بالخبز والسمك، ولكننا بقليل من التفحص ندرك أنّ ذلك لا علاقة له بالمائدة التي نزلت من السماء للحواريين.
ثمة كلام في كتاب (أعمال الرسل) وهو من كتب العهد الجديد، يدور حول نزول مائدة على أحد الحواريين واسمه بطرس، ولكن هذا أيضًا ليس هو الموضوع الذي نحن بصدده، غير أننا نعلم أن كثيراً من الحقائق التي نزلت على عيسى (ع) لا أثر لها في الأناجيل السائدة، كما أن كثيراً مما نراه في هذه الأناجيل لم ينزل على المسيح (ع).
الإنجيل أو الأناجيل؟
"الإنجيل" كلمة يونانية بمعنى "البشارة" أو "التعليم الجديد" وتطلق على الكتاب الذي نزل على عيسى بن مريم (ع). ومن الجدير بالتنويه أن القرآن كلمّا أورد اسم كتاب عيسى (ع) "الإنجيل" جاء به مفرداً وعلى أنه قد نزل من الله. وعليه فإن الأناجيل المتداولة بين أيدي المسيحيين، وحتى الأشهر منها، وهي الأناجيل الأربعة "لوقا، ومرقس، ومتى، ويوحنا" ليست من الوحي الإلهي، وهذا ما لا ينكره المسيحيون أنفسهم، إذ يقولون إن هذه الأناجيل قد كتبت بأيدي تلامذة السيد المسيح (ع) بعده بمدة طويلة، ولكنهم يزعمون أن أولئك التلامذة قد كتبوها بإلهام من الله.
هنا يحسن بنا أن نتعرف -ولو بإيجاز- على "العهد الجديد" والأناجيل وكتابها:
إن أهم كتاب ديني عند المسيحيين والذي يعتمدونه على أنه كتاب سماوي هو المجموعة التي يطلق عليها اسم "العهد الجديد".
"العهد الجديد" الذي يبلغ نحو الثلث "العهد القديم" يتألف من 27 كتاباً ورسالة تشمل موضوعات عامة متناثرة ومختلفة، على النحو التالي:
1- إنجيل متى(38): وهو الإنجيل الذي كتبه "متى" أحد حواريي المسيح (ع) الاثني عشر في سنة 38 ميلادية، وبعض يقول في سنة 50 أو 60 ميلادية.
2- إنجيل مرقس(39): بحسب ما جاء في كتاب "القاموس المقدس" صفحة 792، لم يكن مرقس من الحواريين، ولكنه كتب إنجيله بإشراف "بطرس". قتل مرقس سنة 68م.
3- إنجيل لوقا: كان "لوقا" رفيق سفر "بولس" الرسول. كان "بولس" على عهد المسيح يهودياً متعصباً، ولكنه اعتنق المسيحية بعده. يقال إنه توفي في سنة 70م، وحسبما يقول مؤلف "القاموس المقدس" ص772: "إن تاريخ كتابة إنجيل لوقا يعود إلى حوالي سنة 63م".
4- إنجيل يوحنا: "يوحنا" كان من تلامذة المسيح (ع) ومن أصحاب "بولس". يقول صاحب القاموس المذكور، اعتماداً على عدد من المحققين: إنه ألف في أواخر القرن الأول الميلادي.
يتضح من محتويات هذه الأناجيل، التي تشرح عموماً حكاية صلب المسيح وما جرى بعد ذلك، أن جميع هذه الأناجيل قد كتبت بعد المسيح بسنوات وليست كتباً سماوية نزلت على المسيح (ع).
5- أعمال الرسل: "أعمال الحوار بين ودعاة الصدر الأول".
6- رسائل بولس الأربعة عشرة إلى جهات مختلفة.
7- رسالة يعقوب: "الرسالة العشرون من الرسائل السبع والعشرين في العهد الجديد".
8- رسالتا بطرس: "الرسالتنا 21 و22 من العهد الجديد".
9- رسالة يوحنا: "الرسائل 23 و24 و25 من العهد الجديد".
10- رسالة يهودا: "الرسالة 26 من العهد الجديد".
11- مكاشفة يوحنا: "القسم الأخير من العهد الجديد".
استناداً إلى المؤرخين المسيحيين وحسبما ورد في هذه الأناجيل والكتب والرسائل في العهد الجديد، فإن أياً منها ليس كتاباً سماوياً، بل هي كتب كتبت بعد المسيح (ع)، ونستنتج من ذلك أن الإنجيل الأصلي السماوي الذي نزل على المسيح (ع) قد فقد وليس له وجود الآن. إنما تلامذة المسيح أدرجوا بعضاً منه في أناجيلهم ومزجوه -مع الأسف- الخرافات.
مؤامرة قتل المسيح:
إن اليهود -بالتعاون مع بعض المسيحيين الخونة- قرروا قتل السيد المسيح، فأحبط الله مكرهم، ونجى نبيه منهم. يذكر الله نعمته على المسيح قبل وقوع الحادثة، قائلاً: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾(40).
من المعروف عند المفسرين، بالاستناد إلى الآية 157 من سورة النساء، أن السيد المسيح لم يقتل، وأن الله رفعه إلى السماء. غير أن المسيحيين يقولون إنه قتل ودفن، ثم قام من بين الأموات وبقي لفترة قصيرة على الأرض ثم صعد إلى السماء(41)(42).
أسطورة الصليب؟
يؤكد القرآن الكريم على أن المسيح (ع) لم يقتل ولم يصلب، بل اشتبه الأمر على اليهود فظنوا أنهم صلبوه، وهم لم يقتلوه أبداً!
﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا﴾(43).
أما الأناجيل الأربعة الموجودة اليوم في متناول أيدينا فهي كلها تقول بأن المسيح (ع) قد صلب وقتل على هذه الصورة، وقد جاء هذا القول في الفصول الأخيرة من هذه الأناجيل الأربعة "متى، لوقا، مرقس، يوحنا" وبصورة تفصيلية.
والمسيحيون اليوم يعتقدون بهذا الأمر بصورة عامة، ومسألة الصلب أو قتل المسيح (ع) تعتبر اليوم أحد أهم المسائل الأساسية للديانة المسيحية، ونحن نعلم أن المسيحيين اليوم لا يعتبرون المسيح (ع) مجرد نبي ارسل لهداية وإرشاد البشرية، بل يعتقدون بأنه "ابن الله" من أركان الثالوث المقدس لديهم، ويزعمون بأن هدف مجيء المسيح إلى هذا العام العالم ليكون قرباناً يفتدي بنفسه مقابل الخطايا والآثام التي يرتكبها البشر.
فيقولون: إنه جاء ليضحي بنفسه من أجل ذنوبهم وخطاياهم، وقد صلب وقتل ليغسل بدمه ذنوب البشر، ولينقد البشرية من العقاب، ولذلك فهم يعتقدون بأن طريق الخلاص والنجاة من العذاب والعقاب هو الإيمان بهذا الموضوع.
ومن هذا المنطلق فهم -أحيانا- يدعون المسيحية بدين "الإنقاد" أو دين "الفداء" ويسمون المسيح (ع) بـ "المنقد" أو "المخلص" أو "الفادي".
واعتمادهم المفرط على الصليب واتخاذه شعاراً لأنفسهم إنما يرتكز على قضية القتل والصلب هذه.
كانت تلك نبذة عن عقيدة المسيحيين حول مصير المسيح (ع).
أما المسلمون فلا يشك أحدهم ببطلان وزيف هذه العقيدة، والسبب هو أن المسيح عيسى بن مريم (ع)، كان نبيا كسائر أنبياء الله أولاً، ولم يكن هو الله ولا ابن الله، لأن الله واحد أحد فرد صمد لا شبيه ولا مثيل ولا زوج له ولا ولد.
وثانياً: إن مسألة الفداء والتضحية من أجل خطايا الآخرين، تعتبر مسألة بعيدة عن المنطق كل البعد، فكل إنسان يؤاخذ بجرير وعمله، وإن طريق النجاة والخلاص يكون في الإيمان والعمل الصالح فقط.
وثالثاً: إن عقيدة الفداء من أجل الخطايا تعتبر خير مشجع على الفساد وممارسة الذنوب، وتؤدي بالبشرية إلى التلوث والهلاك.
وحين تلاحظ أن القرآن يؤكد على قضية عدم صلب المسيح (ع) مع أن هذه القضية تظهر للعيان وكأنها مسألة اعتيادية بسيطة، من أجل دحض عقيدة الفداء الخرافية بشدة، لمنع المسيحيين من الإيغال في هذا الاعتقاد الفاسد، ولكي يؤمنوا بأن طريق الخلاص والنجاة إنما هو في أعمالهم هم أنفسهم وليس في ظل الصليب.
رابعاً: هناك قرائن موجودة تثبت وهن وضعف قضية الاعتقاد بصلب المسيح (ع) هي:
1- المعروف أن الأناجيل الأربعة المتداولة في الوقت الحاضر، والتي تشهد بصلب المسيح (ع) -كانت قد دونت بعده بسنين طويلة، وقد دونها حواريوه أو التالون من أنصاره (ع)- وهذه حقيقية يعترف بها حتى المؤرخون المسيحيون.
كنا نعرف أيضاً أن حواري المسيح (ع) قد هربوا حين هجم الأعداء عليه، والأناجيل نفسها تشهد بهذا الأمر(44) وعلى هذا الأساس فإن هؤلاء الحواريين قد تلقفوا مسألة صلب عيسى المسيح (ع) من أفواه الناس الآخرين، ولم يكونوا حاضرين أثناء تنفيذ عملية الصلب، وقد أدت التطورات التي حصلت آنذاك إلى تهيئة الأجواء المساعدة للاشتباه بشخص آخر وصلبه بدل المسيح (ع)، وسنوضح هذا الأمر فيما يلي من حديثنا.
2- إن العامل الآخر الذي يجعل من الاشتباه بشخص آخر بدل المسيح (ع) أمراً محتملاً هو أن المجموعة التي كلّفت بالقبض على عيسى المسيح (ع) والتي ذهبت إلى بستان "جستيماني" هذه المجموعة كانت تتشكل من أفراد الجيش الرومي الذين كانوا منهمكين في أمور عسكرية، فهم لم يكونوا يعرفون اليهود ولغتهم وتقاليدهم، كما لم يميزوا بين حواري المسيح (ع) وبين المسيح نفسه.
3- تذكر الأناجيل أن الهجوم على مقر عيسى المسيح (ع) قد تم ليلاً، وبديهي أن ظلام الليل يعتبر خير ستار للشخص المطلوب ليتخفى به ويهرب، وليقع شخص آخر في أيدي المهاجمين.
4- يستنتج من نصوص جميع الأناجيل أن المقبوض عليه قد إختار الصمت أمام "بيلاطيس" الحاكم الرومي لبيت المقدس -آنداك- ولم يتفوه إلا بالقليل دفاعاً عن نفسه ويستعبد كثيراً أن يقع عيسى المسيح (ع) في خطر كهذا ولا يدافع عن نفسه بما يستحقه الدفاع عن النفس، وهو المعروف بالفصاحة والبلاغة والشجاعة والشهامة.
ألا يحتمل في هذا المجال أن يكون شخص آخر -كـ "يهوذا الأسخربوطي" الذي خان ووشى بعيسى المسيح (ع) وكان يشبه كثيراً- قد وقع هو بدل المسيح في الأسر وأنه لهول الموقف قد أستولى عليه الخوف والرعب، فعجز عن الدفاع عن نفسه أو التحدث أمام الجلادين بشيء.
نقرأ في الأناجيل أن "يهوذا الأسخربوطي" لم يظهر بعد حادثة الصلب أبداً، وأنه -تقول هذه الأناجيل- قد نفسه وانتحر(45).
5- لقد بينا أن حواري المسيح (ع) -وكما ذكرت الأناجيل- قد هربوا حين أحسوا بالخطر يحدق بهم، كما هرب واختفى الأنصار الآخرون، وأخذوا يراقبون الأوضاع عن بعد، بحيث أصبح الشخص المقبوض عليه وحيدا بين الجنود الرومان، ولم يكن أي من أصحابه قريباً منه، ولذلك لا يستعبد ولا يبدو غريباً أن يقع خطأ أو سهو في تشخيص هوية الشخص المقبوض عليه.
6- ونقرأ في الأناجيل -أيضاً- أن الشحص المصلوب قد اشتكى من ربه (وليس لربّه) لأنّه -بحسب قوله- قد جفاه وتركه بأيدي الأعداء ليقلوه(46)!
فلو صدقنا مقولة أن المسيح جاء لهذه الدنيا ليصلب ولينقذ بصلبه البشرية من عواقب خطاياهم وآثامهم، فلا يليق لمن يحمل هدفاً سامياً كهذا الهدف أن يصدر منه هذا الكلام، وهذا دليل على أن الشخص المصلوب لم يكن المسيح نفسه، بل كان إنساناً ضعيفاً وجباناً، وعاجزاً، ومثل هذا الإنسان يمكن أن يصدر منه الكلام كالذي سبق، لا يمكن أن يكون هذا الإنسان هو المسيح (ع).
7- لقد نفت بعض الأناجيل الموجودة مثل إنجيل "برنابا" قضية صلب المسيح (ع) (وهذا الإنجيل هو غير الأناجيل الأربعة التي يقبلها المسيحيون) كما أن بعضاً من الطوائف المسيحية أبدت شكوكها حول قضية الصلب وقد ذهب بعض الباحثين إلى أبعد من هذا، فادعوا بأن التاريخ قد ذكر شخصين باسم "عيسى" أحدهما عيسى المصلوب والآخر هو عيسى غير المصلوب وبينهما فاصل زمني يقدر بخمسائة عام.
كانت تلك مجموعة من القرائن المؤيدة لقول القرآن الكريم في قضية الشبه الحاصل في قتل أو صلب المسيح (ع).
بشارة عيسى المسيح بظهور نبي الإسلام (ع)
يشير القرآن الكريم إلى مسألة تكذيب بني إسرائيل لرسالة عيسى (ع) ومخالفتهم له، حيث يضيف تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾(47).
وهذا بيان من عيسى (ع) أنه يمثل همزة وصل وحلقة من الرسالة بين نبيين وكتابين وأمتين، فقد سبقته رسالة موسى (ع) وكتابه، وستليه رسالة الإسلام على يد النبي العظيم محمد (ص).
بشارة العهدين وتعبير (فارقليطا)
مما لا شك فيه أن (التوراة والإنجيل) اللذين بأيدي اليهود والنصارى ليسا من الكتب السماوية التي نزلت على الرسولين الإلهيين العظيمين (موسى وعيسى) (ع). إذ أنها (كتب) ألفها وجمعها بعض أصحابهم أو من أتى بعدهم.
إن مطالعة إجمالية لها تكشف هذه الحقيقة بوضوح، كما أن اليهود والمسيحيين لا ينكرون ذلك، ومما لا شك فيه أن قسماً من تعاليم (موسى وعيسى) (ع) قد ثبتت في هذه الكتب من خلال أقوال أتباعهم وحوارييهم، ولذا فلا يمكن اعتبار كل ما ورد في العهد القديم (التوراة والكتب الأخرى المتعلقة به)، وكلك العهد الجديد (الإنجيل وما يرتبط به) مقبولاً وصحيحاً، كما لا يمكن رفض وإنكار جميع ما ورد فيها أيضاً.
والموقف المناسب مما ورد فيهما هو اعتبار ما جاء فيها من التعاليم خليطاً من تعاليم النبيين (موسى وعيسى) (ع) وأفكار أتباعهما الآخرين.
وعلى كل حال فإننا نلاحظ تعبيرات عديدة فيها حول البشارة بظهور رجل عظيم لا تنطبق أوصلفه وعلاماته إلا على نبيّ الإسلام الكريم (ص).
وجدير بالذكر بالإضافة إلى ما تقدم من وجود النبؤات التي وردت في هذه الكتب والتي تنطبق على شخص الرسول الأعظم، فقد وردت في إنجيل (يوحنا) كلمة (فارقليط) (48). ثلاث مرات، وحينما ترجمت كانت بمعنى (المعزي) لنقرأ النص في إنجيل يوحنا: "وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد"(49).
وجاء في الباب الذي بعده: "ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي"(50).
وجاء في الباب الذي يليه ما نصه: "لكني أقول لكم الحق أنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت أرسله إليكم"(51).
والجدير بالذكر أن في المتن السرياني للأناجيل المأخوذة من الأصل اليوناني جاء بدل (المسلي) (باراكلتوس) بدل (بيركلتوس) والتي هي بمعنى (المسلي).
ومع هذا التحريف الواضح الذي غيروا فيه هذا النص الحي إلا أنهم لم يستطيعوا إلغاء البشارة الصريحة بظهور نبي عظيم في المستقبل.
ويجدر الانتباه إلى نص ما ورد في هذا الصدد في دائرة المعارف الفرنسية المترجمة حيث يقول: (محمد مؤسس دين الإسلام ورسول الله خاتم الأنبياء، إن معنى كلمة (محمّد) تعني المحمود كثيراً وهي مشتقة من (الحمد) والتي هي بمعنى التجليل والتمجيد، وتشاء الصدفة العجيبة أن يذكر له إسم آخر من نفس الأصل (الحمد) ترادف لفظ (محمّد) يعني (أحمد) ويحتمل احتمالاً قوياً أن مسيحي الحجاز كانوا يطلقون لفظ (أحمد) بدلاً عن (فارقليطا).
و(أحمد) يعني: الممدوح والمجلل كثيراً وهو ترجمة لفظ: (بيركلتوس) والذي وضع بديلاً عنه لفظ (باراكلتوس) إشتباهاً، ولهذا فإن الكتاب المسلمين الملتزمين قد أشاروا مراراً إلى أن المراد من هذا اللفظ هو البشارة بظهور نبي الإسلام، وقد أشار القرآن الكريم -أيضاً- بوضوح إلى هذا الموضوع في سورة الصف (الآية، 6)(52).
وخلاصة الحديث أن المقصود بـ (فارقليطا) ليس روح القدس أو المسلّي، بل هو معادل لمفهوم (أحمد).
شاهد حيّ آخر:
"فخر الإسلام" -الذي كان من كبار قساوسة المسيحيين، وتتلمذ عند علمائهم حتى حاز مراتب كبيرة في الدراسات الكنيسة- يتحدث في مقدمة كتابه "أنيس الإعلام" عن انتقاله من المسيحية إلى الإسلام فيقول:
".. بعد بحث طويل وعناء كبير وتجوال في المدن، عثرت على قسيس كبير متميز في زهده وتقواه، كان يرجع إليه الكاثوليك بما فيهم سلاطينهم، تعلمت عليه زمنا مذاهب النصارى، وكان له طلاب كثيرون، ولكنه كان ينظر إليَّ من بينهم نظرة خاصة، وكانت كل مفاتيح البيت بيدي، إلا مفتاحاً واحداً لغرفة صغيرة، احتفظ به عنده".
وفي يوم اعتلت صحة القسيس، فقال لي: قل للطلاب إني لا أستطيع التدريس اليوم. حينما جئت الطلاب وجدتهم منهمكين في نقاش حول معنى "فارقليطا" في السريانية، و"بريكلتوس" في اليونانية .. واستمر بينهم النقاش، وكل كان يدلي برأيه.
بعد أن عدت إلى الأستاذ سألني عما كان يدور بين الطلاب، فأخبرته، فقال لي: وما رأيك؟ قلت: اخترت الرأي الفلاني.
قال القسيس: ما قصرت في عملك، ولكن الحق غير ذلك. لأن حقيقة هذا الأمر لا يعلمها إلا الراسخون في العلم، وقليل ما هم. أكثرت في الإلحاح عليه أن يوضح لي معنى الكلمة. فبكى بكاءً مراً وقال: لم أخف عليك شيئاً .. إن لفهم معنى هذه الكلمة أثراً كبيراً، ولكنه إن انتشر فسنعترض للقتل! فإن عاهدتني أن لا تفشيه فسأخبرك .. فأقسمت بكل المقدسات أن لا أذكر ذلك لأحد، فقال: إنه اسم من أسماء نبي المسلمين، ويعني "أحمد" و"محمد".
ثم أعطاني مفتاح الغرفة وقال: افتح الصندوق الفلاني، وهات الكتابين اللذين فيه، جئت إليه بالكتابين وكانا مكتوبين باليونانية والسريانية على جلد، ويعودان إلى عصر ما قبل الإسلام.
الكتابان ترجما "فارقليطا" بمعنى أحمد ومحمد، ثم أضاف الأستاذ: علماء النصارى كانوا مجمعين قبل ظهوره أن "فارقليطا" بمعنى "أحمد ومحمد"، ولكن بعد ظهور محمد (ص)، غيروا هذا المعنى حفظاً لمكانتهم ورئاستهم وأولوه، واخترعوا له معنى آخر لم يكن على الإطلاق هدف صاحب الإنجيل.
سألته عما يقوله بشأن دين النصارى؟ قال: نسخ بمجيء الإسلام، وكرر ذلك ثلاثاً، ثم قلت:
ما هي طريقة النجاة والصراط المستقيم في هذا زماننا هذا؟ قال: إنما هي بإتباع محمد (ص).
قلت: وهل التابعون له ناجحون؟
قال: إي والله، وكرر ذلك ثلاثاً.
ثم بكى الأستاذ وبكيت كثيراً ثم قال: إذا أردت الآخرة والنجاة فعليك بدين الحق .. وأنا أدعو لك دائماً، شرط أن تكون شاهداً لي يوم القيامة أني كنت في الباطن مسلماً، ومن أتباع محمد (ص) .. وما من شك أن الإسلام هو دين الله اليوم على ظهر الأرض".
وكما يلاحظ فإن هذه الوثيقة الهامة تصرح بما فعله علماء أهل الكتاب بعد ظهور نبي الإسلام (ص) من تحريف لتفسير اسم النبي وعلاماته، تحقيقاً لمصالحهم الشخصية.
1- سورة آل عمران / 36.
2- سورة آل عمران / 44.
3- سورة آل عمران / 37.
4- سورة آل عمران / 42.
5- هذا يعني أن مريم كانت أعظم النساء في زمانها، وهو لا يتعارض مع كون سيدة الإسلام فاطمة الزهراء (ع) سيدة نساء العالمين، فقد جاء في أحاديث متعددة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام الصادق (ع) قولهما: "أما مريم فكانت سيدة نساء زمانها. أما فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين".
كما أمن كلمة (العالمين) لا تتعارض مع هذا الكلام أيضًا، فقد وردت هذه الكلمة في القرآن وفي الكلام العام بمنى الناس الذين يعيشون في عصر واحد، كما جاء بشأن بني إسرائيل ﴿إني فضلتكم على العالمين﴾ (البقرة/47) فلا شك أنّ تفضيل مؤمني بني إسرائيل كان على أهل زمانهم.
6- سورة آل عمران / 43-44.
7- ولا شك أن هذا الكلام لا يعني أن جبرئيل قد تبدل إلى إنسان شكلاً وسيرة، لأنّ مثل هذا التحول والتبدل أمر غير ممكن، بل المراد أنّه ظهر بصورة إنسان بالرغم من أنّ سلوكه كان نفس ذلك السلوك الملائكي، إلا أنّ مريم التي لم تكن تعلم بالأمر في البداية، كانت تظن أن في مقابلها إنسانًا سيرة وصورة.
8- سورة مريم / 9.
9- سورة مريم / 21.
10- سورة مريم / 22.
11- سورة مريم / 23.
12- سورة مريم / 23.
13- سورة مريم / 24.
14- سورة مريم / 25-26.
15- سورة مريم / 27.
16- سورة مريم / 28.
17- قولهم لمريم: ﴿يَا أُخْتَ هَارُونَ﴾ وقع مثار الاختلاف بين المفسرين، لكن يبدو أن الأصح هو أن هارون رجل طاهر صالح إلى الدرجة التي يضرب به المثل بين بني إسرائيل، فإذا أرادوا أن يصفوا شخصًا بالطهارة والنزاهة، كانوا يقولون: إنه أخو أو أخت هارون، وقد نقل العلامة الطبرسي في مجمع البيان هذا المعنى في حديث قصير عن النبي (ص).
18- سورة مريم / 29.
19- سورة مريم / 30-31.
20- سورة مريم / 32.
21- إنجاب البكر.
من جملة الأسئلة التي تثيرها هذه الآيات، هو: هل يمكن من الناحية العلمية أن يولد ولد من دون أب؟ وهل أن مسألة ولادة عيسى (ع) دون أب تخالف تحقيقات العلماء في هذا المجال، أو لا؟
مما لا شك فيه أن هذه المسألة قد تمت عن طريق الإعجاز، إلا أن العلم اليوم لا ينفي إمكان وقوع مثل هذا الأمر أيضًا بل صرح بإمكان ذلك، وأن موضوع إنجاب البكر قد لوحظ بين كثير من الحيوانات، وإذا علمنا أن مسألة انعقاد النطفة لا تختص بالإنسان، فإنّ هذا يثبت إمكان حدوث هذا الأمر بصورة عامة.
لقد كتب الدكتور (الكسيس كارل) الفيزيائي وعالم الحياة الفرنسي المعروف، في كتاب (الإنسان ذلك المجهول)، عندما نفكر في مقدار مساهمة كل من الأب والأم في تكوين أمثالها، فيجب أن نتذكر تجارب (لوب) و(باتيون) بأنه يمكن إنتاج ضفدعة جديدة من بيضة غير ملقحة بدون تدخل الحيامن، بل بواسطة أساليب خاصة.
وعلى هذا فإنّ من الممكن أن يحل عامل كيمياوي أو فيزياوي محل حيمن الذكر، ولكن لابد على كل حال من وجود أحد العوامل كمادة ضرورية دائمًا. بناء على هذا، فإنّ المؤكد من الناحية العلمية لتكون الجنين هو وجود نطفة الأم (البيضة)، وإلا فإن نطفة الذكر (الحيمن) يمكن أن يكون مقامها عمل آخر، ولهذا فإن مسألة حمل وولادة البكر من المسائل الواقعية التي يتقبلها ويعترف بها الأطباء في عالمنا المعاصر، وإن كنت نادرة الحدوث.
وإذا تجاوزنا ذلك، فإن هذه المسألة في مقابل قونين الخلقو وقدرة اللهن هي كما يصورها القرآن حيث يقول: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ (سزرة آل عمران / 59)، أي إن خرق العادة هذا ليس بأهم من خرق العادة الأول ذاك.
كيف يتكلم الصبي؟
لا يخفى أن أي طفل حديث الولادة لا يتكلم في الساعات أو الأيام الأولى لولادته حسب الوضع الطبيعي المتعارف، فإن النطق يحتاج إلى نمو المخ بالقدر الكافي، ثم تقوية عضلات اللسان والحنجرة، وانسجام أجهزة الجسم المختلفة مع يعضها، وهذه الأمور عادة تستغرق عدة أشهر حتى تتهيأ تدريجيًا عند الطفل.
إلا أننا في المقابل لا نمتلك أي دليل علمي على استحالة هذا الأمر، غاية ما في الأمر أنه خارق للعادة، وكل المعجزات تتصف بهذه الصف، أي أنها كلها خارق للعادة، لا أنها مستحيلة الوقوع.
22- سورة آل عمران / 49.
23- سورة آل عمران / 49.
24- أكانت معجزات المسيح عجيبة؟
يصرّ بعض المفسرين -مثل صاحب المنار- على تأويل المعجزات التي ذكرها القرآن للمسيح بشكل من الأشكال. من ذلك قولهم إنّ المسيح اكتفى بمجرّد الادعاء بأنّه يفعل كذا وكذا بإذن الله، ولكنّه لم يفعل منها شيئًا أبدًا! فإذا كان هذا الرأي قابلاً للنقاش هنا، فإنّ ما جاء في الآية 110 من سورة المائدة لا محال فيه لأيّ نقاش: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ..﴾ لأنّ الآية تقول صراحةً إنّ واحدة من نِعم الله عليك أنّك كنت تصنع من الطين طيرًا حيًّا بإذن الله.
إنَّ الإصرار على أمثال هذه التأويلات لا موجب له أبدًا. لأنّه إذا كان الهدف إنكار أعمال الأنبياء الخارقة للعادة، فإنّ القرآن يصرّح بها في كثير من المواضع، فإذا استطعنا -فرضًا- أن نؤوّل المعجزات فكيف بسائر المعجزات التي لا يمكن تأوبلها؟
ثمّ إنّنا إذا كنا نقول إنّ الله هو الذي يحكم قوانين الطبيعة، وليست هي التي تحكمه، فما الذي يمنع هذه القوانين الطبيعة أن تتغيّر بأمر منه في ظروف استثنائية فتظهر حوادث بطرق غبر طبيعية.
أمّا إذا تصور هؤلاء أن ذلك يتعارض مع وحدة أفعال الله وخالقيّته وكونه لا شريك له، فإنّ القرآن قد أجاب على هذا. فوقوع هذه الحوادث أينما وقعت مشروط بأمر الله، أي إنّ أحدًا بقواه الخاصّة غير قادر على القيام بأمثال هذه الأعمال إلاَّ إذا شاء، وبإمداد من قدرته اللامتناهية وهذا هو التوحيد عينه، لا الشرك.
25- سورة مريم / 36.
26- سورة آل عمران / 51.
27- سورة النساء / 171.
28- كما في الآية (109) من سورة من سورة الكهف والآية (29) من سورة لقمان.
29- سورة النساء / 171.
30- سورة آل عمران / 52.
31- نفس المصدر.
32- نفس المصدر.
33- سورة آل عمران / 53.
34- سورة المائدة / 112.
35- سورة المائدة / 113.
36- سورة المائدة / 114.
37- سورة المائدة / 115.
38- متى: على وزن حتى، بمعنى عطاء الله.
39- مرقس: على وزن قنفذ، وقيل على وزن أسهم، جمع سهم.
40- سورة آل عمران / 55.
41- إنجيل مرقس الباب 6، إنجيل متى الباب 28، إنجيل لوقا الباب 24، إنجيل يوحنا الباب 31.
42- ولكن الذي لابد من قوله الآن هو أن هذه الآية ليس فيها دليل على موت عيسى، على الرغم من أن بعضهم تصور أن كلمة "متوفيك" من "الوفاة". وعلى ذلك فإنهم يرون أن هذا الموضوع يتعارض مع الرأي السائد بين المسلمين، والذي تؤيده الأحاديث، من أن عيسى لم يمت وأنه حي. ولكن الأمر ليس كذلك.
توضيح ذلك أن "الفوت" هو بعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذر إدراكه. و"الوافي" الذي بلغ التمام، ووفى بعهده إذا أتمه ولم ينقصه. وإذا استوفى أحد دينه من المدين قيل "توفى دينه".
وفي القرآن وردت "توفى" كراراً: ﴿وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار﴾ سورة الأنعام / 60. فهنا عبر عن النوم بكلمة "يتوفاكم".
هذا المعنى نفسه يرد في الآية 42 من سورة الزمر، كما ترد كلمة "توفى" في آيات أخرى بمعنى الأخذ.
صحيح أنّ "توفى" قد تأتي أحيانا بمعنى الموت، ولكنها حتى في تلك المواضع لا تعني الموت حقاً، بل بمعنى قبض الروح. والواقع أ، مادة "فوت" ومادة "وفي" منفصلتان تماماً.
43- سورة النساء / 157.
44- لقد ترك الحواريون المسيح (ع) في ذلك الوقت وهربوا كلهم .. (من إنجيل متى، الإصحاح 26 الجملة 57).
45- إنجيل متى، الإصحاح 37، الجملة 6.
46- إنجيل متى، الإصحاح 37، الجملة 6.
47- سورة الصف / 6.
48- جاء هذا التعبير في إنجيل عربي طبع في لندن في مطبعة ويليام وطسس سنة 1857م.
49- إنجيل يوحنا باب 14، جملة 16.
50- إنجيل يوحنا، باب 15، جملة 26.
51- إنجيل يوحنا، باب 17، جملة 7.
52- دائرة المعارف الكبيرة الفرنسية، ج 23 / ص4176.