الدرس الحادي والعشرون

 

.: الإدغام (2) :.

 

في هذا الدرس سنكمل الحديث عن موضوع الإدغام، وسوف نستهلّه بأسباب الإدغام.

 

أسباب الإدغام:

للإدغام ثلاثة أسباب، وقُسّم اعتمادًا على سببه إلى ثلاثة أنواع كالتالي:

 

1- إدغام المتماثلَيْن: هو إدغام الحرفَيْن اللذَيْن اتَّفقا مخرجًا وصفة (أي أنَّ الحرف الأوَّل مثل الثَّاني) مثل إدغام الحرف (د) في: ﴿وَقَد دَّخَلُواْ﴾. ويكون الإدغام في هذا النَّوْع تامًّا لا محالة(1).

 

2- إدغام المتجانسَيْن: هو إدغام الحرفين اللذين اتَّفقا مخرجًا واختلفا صفة. ويأتي هذا النَّوْع تامًّا في ثلاثة مخارجٍ فقط؛ وهي مخارج رأس اللِّسان المنطقة الأكثر كثافة، حيث يخرج ما يقارب تسعة حروف، وهي كما يلي:

 

(أ) مخرج الحروف النَّطعيَّة (ط، د، ت):

 

الحرف الأوَّل

الحرف الثَّاني

مثال

نوع الإدغام

د

ت

﴿وَمَهَّدتُّ﴾

تامّ

ت

د

﴿أَثْقَلَت دَّعَوَا﴾

تامّ

ط

﴿هَمَّت طَّآئِفَتَانِ﴾

تامّ

ط

ت

﴿أَحَطتُ﴾

ناقص (إطباق)

 

(ب) مخرج الحروف اللَّثويَّة (ظ، ذ، ث):

 

الحرف الأوَّل

الحرف الثَّاني

مثال

نوع الإدغام

ذ

ظ

﴿إِذ ظَّلَمُواْ﴾

تامّ

ث

ذ

﴿يَلْهَث ذَّلِكَ﴾

تامّ

 

(ح) مخرج الشَّفتَيْن (و، ب، م):

 

الحرف الأوَّل

الحرف الثَّاني

مثالها الوحيد

نوع الإدغام

ب

م

﴿ارْكَب مَّعَنَا﴾

تامّ

 

3- إدغام المتقاربَيْن: هو إدغام الحرفَيْن اللذَيْن تقاربا مخرجًا أو صفة. وهذا يمكن تفصيله إلى ثلاثة أنواع فقد يكون مخرجًا لا صفة، أو صفة لا مخرجًا، أو مخرجًا وصفة. وحكمه ممتنع إلاّ في حالات ستُذكَر في موضعها بإذن الله.

 

(أ) متقاربان مخرجًا لا صفة: مثالهما في ﴿قَدْ سَمِعَ﴾ بين (د) و (س)، فالدَّال تخرج مِنْ رأس اللِّسان إذا اتَّصل بأصول الثَّنايا العليا، والسِّين إذا وقع رأس اللِّسان بين الثنايا السُّفلى والعليا ومقدّمته في أصول الثنايا العليا، ومعنى ذلك أنَّ الحرفَين متقاربان في المخرج. أمَّا تقارب الصِّفات فلا تقارب بينهما إذ أنَّ الصفات المشتركة تساوي الصفات غير المشتركة.

 

(ب) متقاربان صفةً لا مخرجًا: مثالهما في ﴿مِن وَالٍ﴾ بين (ن) و (و)، فالنُّون تخرج مِنْ طرف اللِّسان، والواو منَ الشَّفتين، فلا تقارب في المخرج. أمَّا الصِّفات فإنَّ الواو تشترك مع النون في ثلاث صفات مِن أصل خمس صفات، إذن ف (و) تتقارب مع (ن) في صفاتهما.

 

(ح) متقاربان مخرجًا وصفة: مثالهما في ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ﴾ بين (ت) و (ث)، فالتَّاء تخرج مِنْ رأس اللِّسان إذا اتَّصل مع أصول الثَّنايا العليا، والثَّاء تخرج مِنْ رأس اللِّسان إذا اتَّصل بأطراف الثَّنايا العليا، أي أنَّ الحرفَين تقاربا في المخرج. كما يمكن أنْ نستنتج تقاربهما في الصفات، إذ أنَّ هناك أربع صفات مشتركة بينهما.

 

لقد سبق الإشارة إلى أنَّ هذا النَّوع مِنَ الإدغام ممتنع، ويكون جائزًا في الحالات التَّالية:

 

1- مخرج اللاَّم، والرَّاء: وتدغَم اللاَّم في الرَّاء والعكس غَيْر صحيح، ومثال إدغام اللام في الراء: ﴿بَل رَّفَعَهُ﴾ عدا موضع السَّكت ﴿بَلْ رَانَ﴾ المطففين/14 إذ أنَّ السَّكتَ مثلُ التّنوين مانعٌ للإدغام لأنّهما فاصل بين المُدْغَم والمُدْغَم فيه. وإدغام اللام في الرّاء لا يكون إلاّ تامًّا. وذلك لشدّة تقارب الحرفَيْن صفة ومخرجًا، لا سيّما رأي الفرّاء ومن تبعه في أنّهما متجانسان.

 

2- مخرج القاف، والكاف: وجاءَت في موضعٍ واحدٍ، ﴿نَخْلُقكُّم﴾، وتدغم القاف في الكاف إدغامًا تامًّا أو ناقصًا (تبقى صفة الاستعلاء)، مع كون التَّامّ أوْلى(2).

  

3- لام (أل) الشَّمسيَّة مع الحروف الشَّّمسيَّة عدا اللاَّم ? إذ فيها تماثل -: وتدغم اللاَّم في الحروف الشَّمسيَّة، مثل: ﴿وَالشَّمْسِ﴾. والتّقارب بَيْن الحروف قد يكون أحد الأنواع الثلاثة المذكورة مِنَ التقارب، وهي لِتقَارب المخرجِ أكثر، لأنَّ اللام ? كما نعلم ? أوسع المخارج فهي تلفّ لفّة كبيرة داخل الفم، فلهذا تستطيع أن تقتربَ مِنَ الحروف الشّمسيَّة.

 

4- النُّون في حروف الإدغام (يرملون) عدا النُّون ? إذ فيها تماثل ?:﴿مِن وَاقٍ﴾. ويمتنع الإدغام عند السّكت في ﴿مَنْ رَاقٍ﴾القيامة/27، وكذلك يمتنع إذا كانت النّون والمدغَم فيه في كلمة واحدة، ولم يأتِ في القرآن غير أربع كلماتٍ هي: ﴿قِنْوَانٌ﴾، ﴿صِنْوَانٌ﴾، ﴿بُنيَانٌ﴾، ﴿الدُّنْيَا﴾، لأنّ هذا الإدغام يخلق لبسًا بين المُدْغََم والمضاعف(3). وإظهار النُّون في هذه الكلمات الأربع يدعى بالإظهار المطلق. والإدغام في النُّون والميم إدغام تامّ بسبب أنّ الميم تتقارب مع النُّون في كلّ صفاتها.

 

كما يُضاف إلى هذه الأنواع الثّلاثة إدغام المتباعدَيْن، والمتباعدان هما الحرفان اللذاْن ابتعدا مخرجًا بغضّ النظر عن علاقة الصفات بينهما.

 

(1) تجدر الإشارة إلى أنَّ وجه الإظهار مع السكت هو الوجه الأوْلى إذا كان السَّاكن الأوَّل هو هاء السَّكت، كما جاء في سورة الحاقة الآيتَيْن 28،29: مَالِيهْ {28} هَلَكَ ، حيث أنَّ هاء السكت هي عبارة عن كيفيّة خاصّة للوقف، لذا فإنَّ هاء السكت تعتبر مستثناة مِنَ الإدغام. كما أنَّ الكثير مِنَ المصادر تُشير إلى امتناع الإدغام إذا كان الحرف الأوَّل حرف مدَّ والثَّاني حرف عِلَّة، مثل: قَالُوا وَهُمْ . باعتبار أنَّ المتماثلين هما ما اتّفقا اسمًا ورسمًا، ولكنّ ما ذُكر في تعريف المتماثلَيْن  إذ أنَّ المخرج في الأصل مغاير، فالواو الأولى مِنَ الجوف، والثَّانية مِنِ انضمام الشَّفتَيْن، ولكنّ الاستثناء جاء لكوْنهما متماثلَيْن اسمًا ورسمًا ? كما ذكرنا -، بالإضافة إلى أنَّ هناك مِنَ المذاهب مَنْ ذهبَ إلى كَوْنهما مِنْ مخرجٍ واحد.

 

(1) ويمكن عَزْوُ سبب وجود الإدغام النّاقص إلى أنَّ حركة اللّسان عند نهايته تكون بسيطة إذا ما قورنَتْ عند الطرف - المكان الأكثر نشاطيّة -، ولكن على اعتبار أنَّ التّقارب واضح في الحرفَيْن مخرجًا وكذلك صفةً كان الإدغام التّام أولى، رغم وجود المزّية (وهي صفة الاستعلاء) لأنّ مخرج الكاف قريب مِنْ وضع الاستعلاء، فالاستعلاء هو ارتفاع أقصى اللِّسان، ومخرج الكاف أقصى الِّسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى، إذن فإنَّ أقصى اللِّسان يرتفع قليلاً، الأمر الذي ينهي أمر هذه الصِّفة.

 

(2) لاحظ أنَّ إدغام النون في ﴿ مَنْ رَاقٍ ﴾ -إذا أدغمت- قد تحدث لبسًا ب "المرَّاق" ?المضاعفة- وهو بائع المرق،