متشابهات القرآن، وتفسير الحروف المقطعات

 

وأنه نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة، وأن فيه عاما وخاصا، وناسخا ومنسوخا، ومحكما ومتشابها الآيات: آل عمران: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب واخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب(1).

 

1- تفسير الإمام العسكري (ع)، معاني الأخبار: محمد بن هارون الزنجاني فيما كتب إلى علي يدي علي بن أحمد البغدادي، عن معاذ بن المثنى، عن عبد الله بن أسماء، عن جويرية، عن سفيان الثوري قال: قلت للصادق (عليه السلام): يا ابن رسول الله ما معنى قول الله (عز وجل): ﴿الم﴾ و﴿المص﴾ و﴿الر﴾ و﴿المر﴾ و﴿كهيعص﴾ و﴿طه﴾ و﴿طس﴾ و﴿طسم﴾ و﴿يس﴾ و(صلى الله عليه وآله) و﴿حم﴾ و﴿حم / عسق﴾ و﴿ق﴾ و﴿ن﴾؟ قال (عليه السلام): أما ﴿ألم﴾ في أول البقرة فمعناه أنا الله الملك، وأما ﴿ألم﴾ في أول آل عمران فمعناه أنا الله المجيد، و(المص) معناه أنا الله المقتدر الصادق و﴿الر﴾ معناه أنا الله الرؤف و﴿المر﴾ معناه أنا الله المحيي المميت الرازق و﴿كهيعص﴾ معناه أنا الكافي الهادي الولي العالم الصادق الوعد وأما ﴿طه﴾ فاسم من أسماء النبي (صلى الله عليه وآله) ومعناه يا طالب الحق الهادي إليه ما انزل عليك القرآن لتشقى بل لتسعد به، وأما ﴿طس﴾ فمعناه أنا الطالب السميع وأما ﴿طسم﴾ فمعناه أنا الطالب السميع المبدئ المعيد.

 

وأما ﴿يس﴾ فاسم من أسماء النبي (صلى الله عليه وآله) ومعناه يا أيها السامع لوحيي ﴿وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ / إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ / عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾. وأما (صلى الله عليه وآله) فعين تنبع من تحت العرش، وهي التي توضأ منها النبي (صلى الله عليه وآله) لما عرج به، ويدخلها جبرئيل (عليه السلام) كل يوم دخلة فيغتمس فيها ثم يخرج فينفض أجنحته فليس من قطرة تقطر من أجنحته إلا خلق الله تبارك وتعالى منها ملكا يسبح الله ويقدسه ويكبره ويحمده إلى يوم القيامة. وأما ﴿حم﴾ فمعناه الحميد المجيد، وأما ﴿حم / عسق﴾ فمعناه الحليم المثيب العالم السميع القادر القوي، وأما ﴿ق﴾ فهو الجبل المحيط بالأرض وخضرة السماء منه، وبه يمسك الله الأرض أن تميد بأهلها، وأما ﴿ن﴾ فهو نهر في الجنة قال الله (عز وجل): اجمد! فجمد فصار مدادا ثم قال (عز وجل) للقلم: اكتب فسطر القلم في اللوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، فالمداد مداد من نور، والقلم قلم من نور، واللوح لوح من نور. قال سفيان: فقلت له: يا ابن رسول الله بين لي أمر اللوح والقلم والمداد فضل بيان، وعلمني مما علمك الله، فقال: يا ابن سعيد لولا أنك أهل للجواب ما أجبتك، فنون ملك يؤدي إلى القلم، وهو ملك، والقلم يؤدي إلى اللوح وهو ملك، واللوح يؤدي إلى إسرافيل، وإسرافيل يؤدي إلى ميكائيل، وميكائيل يؤدي إلى جبرئيل، وجبرئيل يؤدي إلى الأنبياء والرسل (صلوات الله عليهم). قال: ثم قال لي: قم يا سفيان فلا آمن عليك(2).

 

2- تفسير علي بن إبراهيم: أبي، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (صلوات الله عليه) قال: إن حيي بن أخطب وأبا يا سربن أخطب ونفرا من اليهود من أهل نجران أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا له: أليس فيما تذكر فيما انزل إليك ﴿الم﴾؟ قال: بلى، قالوا: أتاك بها جبرئيل من عند الله؟ قال: نعم قالوا: لقد بعث أنبياء قبلك ما نعلم نبيا منهم أخبر ما مدة ملكه وما أكل أمته غيرك، قال: فأقبل حيى بن أخطب على أصحابه فقال لهم: الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة، فعجب ممن يدخل في دين مدة ملكه وأكل أمته إحدى وسبعون سنة، قال: ثم أقبل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: يا محمد هل مع هذا غيره؟ قال: نعم، قال: فهاته قال: ﴿المص﴾ قال: هذا أثقل وأطول، الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون وهذه مائة وإحدى وستون سنة، ثم قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): هل مع هذا غيره؟ قال: نعم قال: هات قال: ﴿الر﴾ قال: هذا أثقل وأطول الألف واحد واللام ثلاثون، والراء مائتان ثم قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): فهل مع هذا غيره؟ قال: نعم قال: هات قال: ﴿المر﴾ قال: هذا أثقل وأطول الألف واحد واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان، ثم قال: فهل مع هذا غيره؟ قال: نعم، قال: لقد التبس علينا أمرك فما ندري ما أعطيت، ثم قاموا عنه، ثم قال أبو ياسر لحيي أخيه: وما يدريك لعل محمدا قد جمع هذا كله وأكثر منه. فقال أبو جعفر (عليه السلام): إن هذه الآيات أنزلت فيهم ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ وهي تجري في وجوه أخر على غير ما تأول به حيى ابن أخطب وأخوه أبو ياسر وأصحابه(3). معاني الأخبار: ابن الوليد، عن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم مثله(4).

 

3- معاني الأخبار: الهمداني، عن علي، عن أبيه، عن يحيى بن عمران، عن يونس عن سعدان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ﴿الم﴾ هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المقطع في القرآن الذي يؤلفه النبي (صلى الله عليه وآله) أو الامام، فإذا دعا به أجيب ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ قال: بيان لشيعتنا ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ قال: مما علمناهم يبثون، ومما علمنا هم من القرآن يتلون(5). تفسير علي بن إبراهيم: أبي مثله(6).

 

4- تفسير علي بن إبراهيم: جعفر بن أحمد، عن عبيد الله، عن الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: ﴿كهيعص﴾ قال: هذه أسماء الله مقطعة أما قوله: ﴿كهيعص﴾ قال الله: هو الكافي الهادي العالم الصادق ذي الأيادي العظام وهو كما وصف نفسه تبارك وتعالى(7).

 

5- تفسير علي بن إبراهيم: ﴿حم / عسق﴾ هو حروف من اسم الله الأعظم المقطوع، يؤلفه الرسول أو الامام صلى الله عليهما، فيكون الاسم الأعظم الذي إذا دعي الله به أجاب (8).

 

6- تفسير علي بن إبراهيم: أحمد بن علي وأحمد بن إدريس معا، عن محمد بن أحمد العلوي عن العمركي، عن محمد بن جمهور، عن سليمان بن سماعة، عن عبد الله بن القاسم عن يحيى بن ميسرة الخثعمي، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: ﴿عسق﴾ عداد سني القائم (عليه السلام)، وقاف جبل محيط بالدنيا من زمرد أخضر، فخضرة السماء من ذلك الجبل، وعلم علي كله في ﴿عسق﴾(9).

 

7- معاني الأخبار: المظفر العلوي، عن ابن العياشي، عن أبيه، عن أحمد بن أحمد، عن سليمان بن الخصيب قال: حدثني الثقة عن أبي جمعة رحمة بن صدقه قال: أتى رجل من بني أمية -وكان زنديقا- جعفر بن محمد (عليهما السلام) فقال: قول الله (عز وجل) في كتابه: ﴿المص﴾ أي شئ أراد بهذ؟ وأي شئ فيه من الحلال والحرام؟ وأي شئ فيه مما ينتفع به الناس؟ قال: فاغتاظ من ذلك جعفر بن محمد (عليهما السلام) فقال: أمسك ويحك الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون والصاد تسعون، كم معك؟ فقال الرجل: أحد وثلاثون ومائة، فقال له جعفر بن محمد (عليهما السلام): إذا انقضت سنة إحدى وثلاثين ومائة انقضى ملك أصحابك، قال: فنظرنا فلما انقضت سنة إحدى وثلاثين ومائة يوم عاشورا دخل المسودة الكوفة وذهب ملكهم(10). تفسير العياشي: عن أبي جمعة مثله، وفيه ستون مكان الثلاثين في الموضعين (11).

 

8- معاني الأخبار: الطالقاني عن الجلودي، عن الجوهري، عن ابن عمارة، عن أبيه قال: حضرت عند جعفر بن محمد (عليهما السلام) فدخل عليه رجل فسأله عن ﴿كهيعص﴾ فقال (عليه السلام): "كاف" كاف لشيعتنا، "ها" هاد لهم، "يا" ولي لهم، "عين" عالم بأهل طاعتنا، "صاد" صادق لهم وعدهم، حتى يبلغ بهم المنزلة التي وعدها إياهم في بطن القرآن(12).

 

9- عيون أخبار الرضا (ع): أبي، عن علي، عن أبيه، عن أبي حيون مولى الرضا عنه (عليه السلام) قال: من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم(13). أقول: قد مضى بعض الأخبار في باب تعلم القرآن.

 

10- معاني الأخبار: المفسر باسناده إلى أبي محمد العسكري (عليه السلام) أنه قال: كذبت قريش واليهود بالقرآن، وقالوا: سحر مبين تقوله، فقال الله: ﴿الم / ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك هو بالحروف المقطعة التي منها ألف لام ميم، وهو بلغتكم وحروف هجائكم فأتوا بمثله إن كنتم صادقين، واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم. ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا(14). ثم قال الله: ﴿الم﴾ أي القرآن الذي افتتح بالم هو ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ الذي أخبرت به موسى فمن بعده من الأنبياء فأخبروا بني إسرائيل أني سأنزله عليك يا محمد كتابا عزيزا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ لا شك فيه لظهوره عندهم كما أخبرهم أنبياؤهم أن محمدا ينزل عليه كتاب لا يمحوه الباطل، يقرؤه هو وأمته على سائر أحوالهم ﴿هُدًى﴾ بيان من الضلالة ﴿لِّلْمُتَّقِينَ﴾ الذين يتقون الموبقات، ويتقون تسليط السفه على أنفسهم، حتى إذا علموا ما يجب عليهم علمه، عملوا بما يوجب لهم رضا ربهم. قال: وقال الصادق (عليه السلام): ثم الألف حرف من حروف قولك الله، دل بالألف على قولك الله، ودل باللام على قولك الملك العظيم القاهر للخلق أجمعين ودل بالميم على أنه المجيد المحمود في كل أفعاله، وجعل هذا القول حجة على اليهود، وذلك أن الله لما بعث موسى بن عمران ثم من بعده من الأنبياء إلى بني إسرائيل لم يكن فيهم قوم إلا أخذوا عليهم العهود والمواثيق ليؤمنن بمحمد العربي الأمي المبعوث بمكة الذي يهاجر إلى المدينة، يأتي بكتاب بالحروف المقطعة افتتاح بعض سوره، يحفظه أمته فيقرؤنه قياما وقعودا ومشاة، وعلى كل الأحوال، يسهل الله (عز وجل) حفظه عليهم. ويقرنون بمحمد (صلى الله عليه وآله) أخاه ووصيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) الآخذ عنه علومه التي علمها، والمتقلد عنه لأماناته التي قلدها، ومذلل كل من عاند محمدا بسيفه الباتر، ومفحم كل من جادله وخاصمه بدليله القاهر، يقاتل عباد الله على تنزيل كتاب الله حتى يقودهم إلى قبوله طائعين وكارهين، ثم إذا صار محمد (صلى الله عليه وآله) إلى رضوان الله (عز وجل) وارتد كثير ممن كان أعطاه ظاهر الايمان، وحرفوا تأويلاته، وغيروا معانيه، ووضعوها على خلاف وجوهها، قاتلهم بعد على تأويله حتى يكون إبليس الغاوي لهم هو الخاسر الذليل المطرود المغلوب.

 


1- سورة آل عمران / 7.

2- معاني الأخبار ص22 و23.

3- تفسير القمي ص210.

4- معاني الأخبار ص23.

5- معاني الأخبار ص23.

6- تفسير القمي ص27.

7- تفسير القمي ص408.

8- تفسير القمي ص595، وفيه علم كل تفسير العياشي في عسق.

9- تفسير القمي ص595، وفيه علم كل تفسير العياشي في عسق.

10- معاني الأخبار ص28.

11- تفسير العياشي ج2 / ص2.

12- معاني الأخبار ص28.

13- عيون الأخبار ج1 / ص290.

14- سورة الإسراء / 88.