تفسير الآيات من 21 إلى 24 من سورة الحشر
﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَل لَّرَأَيْتَهُ خَـشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الاَْمْثَـلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ / هُوَ اللهُ الَّذِى لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَـلِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَـدَةِ هُوَ الرَّحْمَـنُ الرَّحِيمُ / هُوَ اللهُ الَّذِى لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَـمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَـنَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ / هُوَ اللهُ الْخَـلِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الاَْسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمَـوَتِ وَالاَْرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾(1).
التّفسير:
لو نزل القرآن على جبل:
تكملة للآيات السابقة التي كانت تهدف إلى تحريك النفوس والقلوب الإنسانية، وخاصّة عن طريق التذكير بالنهاية التي يكون عليها الإنسان، والمصير الذي ينتظره، والذي يجدر أن يهيّئه في أبهى وأفضل صورة... تأتي هذه الآيات المباركات التي هي آخر آيات سورة الحشر، والتي تأخذ بنظر الإعتبار مجمل ما ورد من آيات هذه السورة، لتوضّح حقيقة اُخرى حول القرآن الكريم، وهي: أنّ هذا الكتاب المبارك له تأثير عميق جدّاً حتّى على الجمادات، حيث أنّه لو نزل على الجبال لهزّها وحرّكها وجعلها في وضع من الإضطراب المقترن بالخشوع... إلاّ أنّه -مع الأسف- هذا الإنسان القاسي القلب يسمع آيات الله تتلى عليه ولا تتحرّك روحه ولا يخشع قلبه، يقول سبحانه: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَل لَّرَأَيْتَهُ خَـشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الاَْمْثَـلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
فسّر الكثير من المفسّرين هذه الآيات بأنّها تشبيه، وقالوا: إنّ الهدف من ذلك هو بيان أنّ هذه الآيات إذا نزلت على الجبال بكلّ صلابتها وقوّتها إذا كان لها عقل وشعور -بدلا من نزولها على قلب الإنسان- فانّها تهتزّ وتضطرب إلى درجة أنّها تتشقّق، إلاّ أنّ قسماً من الناس ذوي القلوب القاسية والتي هي كالحجارة أو أشدّ قسوة لا يسمعون ولا يعون ولا يتأثّرون أدنى تأثير، وجملة: ﴿وَتِلْكَ الاَْمْثَـلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ إعتبرت دليلا وشاهداً على هذا الفهم.
وقد حملها البعض الآخر على ظاهرها وقالوا: إنّ كلّ الموجودات في هذا العالم -ومن جملتها الجبال- لها نوع من الإدراك والشعور الخاصّ بها، وإذا نزلت هذه الآيات عليها فانّها ستتلاشى، ودليل هذا ما ورد في الآية (74) من سورة البقرة في وصف جماعة من اليهود، قال تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ﴾.
والتعبير بـ (مثل) يمكن أن يكون بمعنى هذا الوصف، كما جاءت هذه الكلمة مراراً مجسّدة لنفس المعنى، وبناءً على هذا، فإنّ التعبير المذكور لا يتنافى مع هذا التّفسير.
والشيء الممكن ملاحظته هنا، أنّه تعالى يقول في البداية: إنّ الجبال تخشع وتخضع للقرآن الكريم، ويضيف أنّها تتشقّق، إشارة إلى أنّ القرآن الكريم ينفذ تدريجيّاً فيها، وبعد كلّ فترة تظهر عليها آثار جديدة من تأثيرات القرآن الكريم، إلى حدّ تفقد فيه قدرتها وإستطاعتها فتكون كالعاشق الواله الذي لا قرار له ثمّ تنصدع وتنشقّ(2).
الآيات اللاحقة تستعرض قسماً مهمّاً من صفات جمال وجلال الله سبحانه، التي لكلّ واحدة منها الأثر العميق في تربية النفوس وتهذيب القلوب.
وتحوي الآيات القرآنية الثلاثة خمسة عشر وصفاً لله سبحانه، أو بتعبير آخر فإنّ ثماني عشرة صفة من صفاته العظيمة تذكرها ثلاث آيات، وكلّ منها تتعلّق ببيان التوحيد الإلهي والإسم المقدّس، وتوضّح للإنسان طريق الهداية إلى العالم النوراني لأسماء وصفات الحقّ سبحانه، يقول تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾.
هنا وقبل كلّ شيء يؤكّد على مسألة التوحيد، التي هي أصل لجميع صفات الجمال والجلال، وهي الأصل والأساس في المعرفة الإلهية، ثمّ يذكر علمه بالنسبة للغيب والشهود.
"الشهادة" و "الشهود" -كما يقول الراغب في المفردات- هي الحضور مقترناً بالمشاهدة سواء بالعين الظاهرة أو بعين البصيرة، وبناءً على هذا، فكلّ مكان تكون للإنسان فيه إحاطة حسيّة وعلمية يطلق عليها عالم شهود، وكلّ ما هو خارج عن هذه الحدود يطلق عليه "عالم الغيب" وكلّ ذلك في مقابل علم الله سواء، لأنّ وجوده اللامتناهي في كلّ مكان حاضر وناظر، فلا مكان -إذن- خارج حدود علمه وحضوره، قال تعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ﴾(3).
والتوجّه بهذا الفهم نحو الذات الإلهية يؤدّي بالإنسان إلى الإيمان بأنّ الله حاضر وناظر في كلّ مكان، وعندئذ يتسلّح بالتقوى، ثمّ يعتمد على رحمته العامّة التي تشمل جميع الخلائق: ﴿الرَّحْمَنُ﴾ ورحمته الخاصّة التي تخصّ المؤمنين، و﴿الرَّحِيمُ﴾ لتعطي للإنسان أملا، ولتعينه في طريق بناء نفسه والتكامل بأخلاقه وسلوكه بالسير نحو الله، لأنّ هذه المرحلة -الحياة الدنيا- لا يمكن للإنسان أن يجتازها بغير لطفه، لأنّها ظلمات وخطر وضياع.
وبهذا العرض -بالإضافة إلى صفة التوحيد- فقد بيّنت الآية الكريمة ثلاثة من صفاته العظيمة، التي كلّ منها تلهمنا نوعاً من المعرفة والخشية لله سبحانه.
أمّا في الآية اللاحقة، فبالإضافة إلى التأكيد على مسألة التوحيد فإنّها تذكر ثمانية صفات اُخرى لله سبحانه، حيث يقول الباريء عزّوجلّ: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾.
﴿الْمَلِكُ﴾ الحاكم والمالك الحقيقي لجميع الكائنات.
﴿الْقُدُّوسُ﴾ المنزّه من كلّ نقص وعيب.
﴿السَّلَامُ﴾(4) لا يظلم أحد، وجميع الخلائق في سلامة من جهته.
وأساساً فإنّ دعوة الله تعالى هي للسلامة ﴿وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ﴾(5).
وهدايته أيضاً باتّجاه السلامة ﴿يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ﴾(6)
والمقرّ الذي اُعدّ للمؤمنين أيضاً هو: بيت السلامة ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ﴾.
وتحيّة أهل الجنّة أيضاً ليست بشيء سوى السلام: ﴿إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾(7)
ثمّ يضيف سبحانه: ﴿الْمُؤْمِنُ﴾(8) يعطي الأمان لأحبّائه، ويتفضّل عليهم بالإيمان.
﴿الْمُهَيْمِنُ﴾ الحافظ والمراقب لكلّ شيء(9).
﴿الْعَزِيزُ﴾ القادر الذي لا يقهر.
﴿الْجَبَّارُ﴾ مأخوذ من (جبر) يأتي أحياناً بمعنى القهر والغلبة ونفوذ الإرادة، وأحياناً بمعنى الإصلاح والتعويض، ومرج الراغب في المفردات كلا المعنيين حيث يقول: "وأصل (جبر) إصلاح شيء بالقوّة والغلبة" وعندما يستعمل هذا اللفظ لله تعالى، فإنّه يبيّن أحد صفاته الكبيرة، حيث أنّ نفوذ إرادته، وكمال قدرته يصلح كلّ فساد.
وإذا استعملت في غير الله أعطت معنى المذمّة، وكما يقول الراغب فإنّها تطلق على الشخص الذي يريد تعويض نقصه بإظهاره لاُمور غير لائقة، وقد ورد هذا المصطلح عشر مرّات في القرآن الكريم، تسع مرّات حول الأشخاص الظالمين والمستكبرين المتسلّطين على رقاب الاُمّة والمفسدين في الأرض ومرّة واحدة فقط عن الله القادر المتعال، حيث ورد بهذا المعنى في الآية مورد البحث.
ثمّ يضيف سبحانه: ﴿الْمُتَكَبِّرُ﴾.
"المتكبّر" من مادّة (تكبّر) وجاءت بمعنيين:
الأوّل: إستعملت صفة المدح، وقد اُطلقت على لفظ الجلالة، وهو إتّصافه بالعلو والعظمة والسمات الحسنة بصورة عامّة.
والثّاني: إستعملت صفة الذمّ وهو ما يوصف به غير الله عزّوجلّ، حيث تطلق على الأشخاص صغار الشأن وقليلي الأهميّة... الذين يدّعون الشأن والمقام العالي، وينعتون أنفسهم بصفات حسنة غير موجودة فيهم.
ولأنّ العظمة وصفات العلو والعزّة لا تكون لائقة لغير مقام الله سبحانه، لذا إستعمل هذا المصطلح هنا بمعناه الإيجابي حول الله سبحانه.
وكلّما إستعمل لغير الله أعطى معنى الذمّ.
وفي نهاية الآية يؤكّد مرّة اُخرى مسألة التوحيد التي كان الحديث حولها إبتداءً حيث يقول تعالى: ﴿سبحان الله عمّا يشركون﴾.
ومع التوضيح المذكور فإنّ من المؤكّد أنّ كلّ موجود لا يستطيع أن يكون شريكاً وشبيهاً ونظيراً للصفات الإلهية التي ذكرت هنا.
وفي آخر آية مورد للبحث يشير سبحانه إلى ستّ صفات اُخرى حيث يقول تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِق﴾. ﴿الْبَارِئُ﴾(10).﴿الْمُصَوِّرُ﴾.
ولأنّ صفات الله لا تنحصر فقط بالتي ذكرت في هذه الآية فإنّه سبحانه يشير إلى صفة أساسية لذاته المقدّسة اللامتناهية، حيث يقول عزّوجلّ: ﴿لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾.
ولهذا السبب فإنّه سبحانه منزّه ومبرّأ من كلّ عيب ونقص ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ويعتبرونه تامّاً وكاملا من كلّ نقص وعيب.
وأخيراً -للتأكيد الأكثر على موضوع نظام الخلقة- يشير سبحانه إلى وصفين آخرين من صفاته المقدّسة، التي ذكر أحدهما في السابق بقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
الاُولى دليل كمال قدرته على كلّ شيء، وغلبته على كلّ قوّة.
والثانية إشارة إلى علمه وإطّلاعه ومعرفته ببرامج الخلق وتنظيم الوجود وتدبير الحياة.
وبهذه الصورة فإنّ مجموع ما ورد في الآيات الثلاث بالإضافة إلى مسألة التوحيد التي تكرّرت مرّتين، فإنّ مجموع الصفات المقدّسة لله سبحانه تكون سبع عشرة صفة مرتبة بهذا الشكل:
1- عالم الغيب والشهادة.
2- الرحمن.
3- الرحيم.
4- الملك.
5- القدّوس.
6- السلام.
7- المؤمن.
8- المهيمن.
9- العزيز.
10- الجبّار.
11- المتكبّر.
12- الخالق.
13- الباريء.
14- المصوّر.
15- الحكيم.
16- له الأسماء الحسنى.
17- الموجود الذي تسبّح له كلّ موجودات العالم.
ومع صفة التوحيد يصبح عدد الصفات ثماني عشرة صفة.
ويرجى الإنتباه إلى أنّ "التوحيد" و "العزيز" جاء كلّ منها مرّتين.
ومن بين مجموع هذه الصفات فإنّنا نلاحظ تنظيماً خاصّاً في الآيات الثلاث وهو: في الآية الاُولى يبحث عن أعمّ صفات الذات وهي (العلم) وأعمّ صفات الفعل وهي (الرحمة) التي هي أساس كلّ أعماله تعالى.
وفي الآية الثانية يتحدّث عن حاكميته وشؤون هذه الحاكمية وصفاته كـ (القدّوس والسلام والمؤمن والجبّار والمتكبّر) وبملاحظة معاني هذه الصفات -المذكورة أعلاه- فإنّ جميعها من خصوصيات هذه الحاكمية الإلهية المطلقة.
وفي الآية الأخيرة يبحث مسألة الخلق وما يرتبط بها من إنتظام في مقام تسلسل الخلقة والتصوير، وكذلك البحث في موضوع القدرة والحكمة الإلهية.
وبهذه الصورة فإنّ هذه الآيات تأخذ بيد السائرين في طريق معرفة الله، وتقودهم من درجة إلى درجة ومن منزل إلى منزل، حيث تبدأ الآيات أوّلا بالحديث عن ذاته المقدّسة، ومن ثمّ إلى عالم الخلقة، وتارةً اُخرى بالسير نحو الله تعالى، حيث ترتفع روحيته إلى سمو الواحد الأحد، فيتطهّر القلب بالأسماء والصفات الإلهية المقدّسة، ويربى في أجواء هذه الأنوار والمعارف، حيث تنمو براعم التقوى على ظاهر أغصان وجوده، وتجعله لائقاً لقرب جواره لكي يكون وجوداً منسجماً مع كلّ ذرّات الوجود، مردّدين معاً ترانيم التسبيح والتقديس.
لذا فلا عجب أن تختص هذه الآية بصورة متميّزة في الروايات الإسلامية التي سنشير إليها فيما يلي.
ملاحظتان
1- التأثير الخارق للقرآن الكريم
إنّ لتأثير القرآن الكريم في القلوب والأفكار واقعية لا تنكر، وعلى طول التاريخ الإسلامي لوحظت شواهد عديدة على هذا المعنى، وثبت عملياً أنّ أقسى القلوب عند سماعها لآيات محدودة من القرآن الكريم تلين وتخضع وتؤمن بالذي جاء بالقرآن دفعةً واحدة، اللهمّ عدا الأشخاص المعاندين المكابرين فقد استثنوا من ذلك حيث طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون، وليس هنالك من أمل في هداية نفوسهم المدبِرة عن الله سبحانه.
ونقرأ في الآيات أعلاه العرض الرهيب الذي يصوّر نزول القرآن على جبل، وما هو الأثر سيحدثه حيث الخضوع والتصدّع والخشوع، وهذه كلّها دليل تأثير هذا الكلام الإلهي الذي نحسّ بحلاوة طعمه عند التلاوة المقرونة بحضور القلب.
2- عظمة الآيات الأخيرة لسورة الحشر
إنّ الآيات الأخيرة لهذه السورة -التي إشتملت على قسم مهمّ من الأسماء والصفات الإلهية- آيات خارقة وعظيمة وملهمة، وهي درس تربوي كبير للإنسان، لأنّها تقول له: إذا كنت تطلب قرب الله، وتريد العظمة والكمال... فاقتبس من هذه الصفات نوراً يضيء وجودك.
وجاء في بعض الرّوايات أنّ "اسم الله الأعظم" هو في الآيات الأخيرة من سورة الحشر(11).
ونقرأ في حديث آخر عن رسول الله (ص) "من قرأ آخر الحشر غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر"(12).
وجاء في حديث آخر أنّه قال (ص): "من قرأ (لو أنزلنا هذا القرآن)... إلى آخرها، فمات من ليلته مات شهيداً"(13).
ويقول أحد الصحابة: سألت رسول الله (ص) عن الإسم الأعظم لله، فقال(ص): "عليك بآخر الحشر وأكثر قراءتها"(14).
حتّى أنّه جاء في حديث: "أنّها شفاء من كلّ داء إلاّ السأم، والسأم: الموت"(15).
والخلاصة أنّ الروايات التي جاءت في هذا المجال كثيرة في كتب الشيعة وأهل السنّة، وتدلّ جميعها على عظمة هذه الآيات ولزوم التفكّر في محتواها.
والجدير بالملاحظة أنّ هذه السورة كما أنّها بدأت بتسبيح الله واسمه العزيز الحكيم، فكذلك إنتهت بإسمه العزيز الحكيم، إذ أنّ الهدف النهائي للسورة هو معرفة الله وتسبيحه والتعرّف على أسمائه وصفاته المقدّسة.
وحول أسماء الله -التي اُشير إليها في الآيات أعلاه- كان لدينا بحث مفصّل في نهاية الآية (18) من سورة الأعراف.
اللهمّ، نقسم عليك بعظمة أسمائك وصفاتك أن تجعل قلوبنا خاشعة خاضعة أمام القرآن الكريم.
ربّنا إنّ مصيدة الشيطان خطيرة، ولا خلاص لنا منها إلاّ بلطفك، فاحفظنا في ظلّ لطفك من وساوس الشيطان.
إلهنا، تفضّل علينا بروح الإيثار والتقوى والإبتعاد عن البخل والبغض والحسد، وجنّبنا حبّ الذات والأنانية.
آمين ياربّ العالمين
نهاية سورة الحشر
المصدر:
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل.
1- سورة الحشر / 21-24.
2- مجمع البيان ج9 / ص265، تفسير القرطبي ج9 / ص6518، وجاءت هذه القصّة مفصّلة أكثر في روح البيان ج9 / ص446.
3- نور الثقلين ج5 / ص292.
4- سورة البقرة / 110.
5- "متصدّع" من مادّة (صدع)، بمعنى شقّ الأشياء القوية، كالحديد والزجاج، وإذا قيل لوجع الرأس: صداع، فإنّه بسبب شعور الإنسان أنّ رأسه يريد أن يتشقّق من الألم.
6- سورة الأنعام / 59.
7- فسّر البعض كلمة "سلام" هنا بمعنى "السلامة من كلّ عيب ونقص وآفة"، وبالنظر إلى أنّ هذا المعنى مندرج في القدّوس والتي جاءت سابقاً، بالإضافة إلى أنّ كلمة سلام تقال في القرآن الكريم في الغالب بمعنى إعطاء السلامة للآخرين، وأساساً فإنّ كلمة سلام تقال عند اللقاء وتعني إظهار الصداقة والمحبّة وبيان الروابط الحميمة مع الطرف المقابل، فإنّ ما ذكرناه أعلاه هو الأنسب حسب الظاهر. (يرجى الإنتباه لذلك).
8- سورة يونس / 25.
9- سورة المائدة / 16.
10- سورة الواقعة / 26.
11- ذكر بعض المفسّرين أنّ المؤمن هنا بمعنى صاحب الإيمان، إشارة إلى أنّه أوّل شخص مؤمن بذات الله الطاهرة، وصفاته ورسله (وهو الله تعالى) إلاّ أنّ الذي ذكر أعلاه أنسب.
12- في الأصل لهذا المصطلح قولان بين المفسّرين وأرباب اللغة، حيث اعتبره البعض من مادّة (هيمن) والتي تعني المراقبة، والحفظ، والبعض الآخر اعتبره من مادّة (إيمان) تبدّلت الهمزة إلى الهاء بمعنى الباعث للهدوء، وورد هذا المصطلح مرّتين في القرآن الكريم: الاُولى: حول القرآن نفسه، كما في الآية (48) من سورة المائدة، والثانية: في وصف الله سبحانه في الآية مورد البحث. والموردان مناسبان للمعنى الأوّل، (لسان العرب وكذلك تفسير روح المعاني والفخر الرازي).
كما نقل أبو الفتوح الرازي في نهاية الآية مورد البحث عن أبي عبيدة أنّه جاء في كلام العرب خمس كلمات فقط على هذا الوزن: (مهيمن، مسيطر، مبيطر (طبيب الحيوانات) مبيقر (الذي يشقّ طريقه ويمضي فيه) مخيمر (اسم جبل).
13- الباريء من مادّة "بُرء" على وزن (قفل) وهي في الأصل بمعنى التحرّر والتخلّص من الاُمور السلبية، ولذا يقال (باريء) للشخص الذي يوجد شيئاً غير ناقص وموزون بصورة تامّة. وأخذه البعض -أيضاً- من مادّة (برى) على وزن (نفى) قطّ الخشب، حيث ينجز هذا العمل بقصد الموزونية، وصرّح بعض أئمّة اللغة أيضاً بأنّ الباريء هو الذي يبدأ شيئاً لم يكن له نظير في السابق.
14- مجمع البيان ج9 / ص267.
15- تفسير نور الثقلين ج5 / ص293.