معنى قوله تعالى: ﴿تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
هناك آياتٌ كثيرة في القرآن الكريم تُخالف العلم اليوم، فمثلاً يقول القرآن بأنَّ الشمس تغربُ في عينٍ حمئة ولكنَّ الحقيقة هي أنَّ الشمس لا تتحرَّك بالنسبة للأرض إنَّما الأرض هي التي تدور، فعندما يقال بأنَّ الآية تتحدَّث عن ما يراه ذو القرنين فلماذا استُخدِمَت كلمة وجدها في هذا الآية؟
الجواب:
الآية لا تنافي الحقائق العلمية:
ليس في الآية المباركة ما يُنافي الحقائق العلميَّة، فليس المقصود من غروب الشمس في عينٍ حمئة هو اختفاؤها عن تمام الأرض وسقوطها في الماء إلى أن تخرج في اليوم الثاني في طرف المشرق فإنَّ هذا الفهم بعيدٌ غاية البُعد عن مدلول الآية ومساقها.
فالآيةُ المباركة إنَّما كانت بصدد الحكاية عن بلوغ ذي القرنين لأقصى الأرض المعمورة من الجانب الغربي.
والقرينة على ذلك هي قوله تعالى: ﴿وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا﴾(1)، فهذه الفقرة من الآية تدلّ على أنَّ ذا القرنين إنَّما بلغ أرضًا عامرةً بالنَّاس، نعم هذه الأرض واقعة في مغرب الشَّمس أي أنَّها في الطَّرف الغربيّ من الأرض، فالغرض من قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ﴾ هو التّعبير عن أنَّ الجهة التي بلغها ذو القرنين من الأرض كانت في أقصى الطَّرف الغربيّ منها بحيث لم يكن بعدها سوى الماء، ولهذا وجد الشَّمس هناك تَغربُ في عينٍ حمئة.
وليس المراد من غروبها في عينٍ حمئة هو أنَّ تلك هي النّقطة التي تختفي عندها أو فيها الشّمس بل كان الغرض من هذا التّعبير هو الإشارة أولاً إلى أنَّ ما بلغه من الأرض كان هو آخر اليابسة والإشارة ثانيًا إلى أنَّ البحر أو الماء الذي يحدُّ هذه الأرض كان متراميًا بحيث لا يرى النّاظر أفقًا لآخره فكأنَّ الشَّمس حين تغرب تغيب في ذلك البحر، فهو تعبير كِنائِيٌّ أُريد منه الإشارة إلى سعة البحر وترامي أطرافه.
فليس المقصود من الآية أنَّ الشَّمس تسقطُ في البحر أو تختفي عنده إلى أنْ يطلع النَّهار فحينئذٍ تبدأ في الشّروق كما توهَّم ذلك بعضُ مَن لا فَهْمَ لهُ بالسِّياقات اللغويَّة المتداولة عند أهل المُحاوَرَةِ والعُرف، فحينما يُقال: "وجدْت الشَّمس تغرب في الصَّحراء"، يفهم المتلقِّي لهذا الخطاب أنَّ الصَّحراء كانت مِن السَّعة بحيث يترآى للنَّاظر أنَّ الشَّمس حينما تغرُب كأنَّها تغيب في الصَّحراء، وذلك لأنَّه كلما تباعد المكان عن النَّاظر ترآى له أنَّ أُفق السَّماء منطبقٌ على آخر نقطةٍ يراها مِن ذلك المكان.
وأمَّا لماذا قال الله تعالى: ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ﴾ ولم يقل رآها تغرب؟
عدم الفرق بين الوجدان والرؤية:
فالجواب هو عدم الفرق بين الوجدان والرُّؤية فكلاهما يُعبِّر في الآية المباركة عن الرُّؤية الحسيَّة لذِي القرنين، فمعنى وجدان ذي القرنين للشَّمس وهي تغرب هو أنَّه رآها بحاسَّته البصريَّة وهي تغرب.
وعليه فإنِّ مفاد الآية المباركة هو أنَّ ذا القرنين رأى الشَّمس وكأنَّها تغرُبُ في الماء، وهذا لا يعني أنَّه يعتقد بذلك، إذْ أنَّ الآية تحكِي عمَّا رآه ذو القرنين بعينه الباصرة، أمَّا مَا هي المؤشِّرات الذهنيَّة المنعكسة عن هذه الرُّؤية فذلك هو الذي لم تتحدَّث عنه الآية لخروجه عن غرض سَوقِها.
فلا يسعنا حينئذ الجزم بأنَّ ذا القرنين اعتقد بواقعيَّة ما ترآى لعينه إذ لا ملازمة بين الأمرين.
فالعالِم مثلاً بواقع المروحة الكهربائيَّة وأنَّها لا تُشكِّل دائرة متَّصلة يرى المروحة بعينه حينما تتحرك بقوَّة أنَّها تشكِّل دائرةً متَّصلة ولكنَّ ذلك لا يعني أنَّه يعتقد بأنَّها واقعاً دائرةٌ متَّصلة، فالآية إذن لا تدلُّ على أنَّ ذا القرنين يعتقدُ بأنَّ الشمس تغرُب في الماء.
بل الواضح من الآية المباركة كما قلنا أنَّها أرادت التَّعبير عن سعة البحر، فكَنَّتْ عن ذلك بأمرٍ ملازمٍ وهو مشاهدة النَّاظر للشَّمس وهي تغرُب كأنَّها تغيب فيه.
والحمد لله رب العالمين
من كتاب: شؤون قرآنية
الشيخ محمد صنقور
1- سورة الكهف / 86.