حول تفسير سورة القدر الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ / وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ / لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ / تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ / سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾(1)

صدق الله العلي العظيم

كان الحديث في الجلسة السابقة حول تفسير سورة "القدر"، وقلنا أنّ هذه الآيات الأُوَل من سورة القدر ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ / وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ / لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ .. هذه الآيات تفسيرها متعدد الوجوه، وما أفهمه من هذه الوجوه الثلاثة أنّ الوجه الأول يستفاد من الروايات العديدة التي وردت في شأن النـزول (ذكرناه)، وخلاصته أنّ رسول الله (ص) رأى إما بالوحي أو بالرؤية .. بوسيلة ما رأى أنّ بني أمية يحكمون من بعده ويصعدون منبره مدة تسعين سنة، فحزن على ذلك حزناً شديدا، وسبب الحزن ليس المنافسة التقليدية بين بني هاشم وبني أمية، حاشاه، محمد (ص) ما كان له شيء ما عدا الإسلام، وما كان يهتم بشيء فيما عدا التقوى، ولهذا فالشخص الذي ذُكر في القرآن بسوء هو أبو لهب عم النبي، بينما ما ذُكر بنو أمية بشيء، فإذن: قضية العنصرية والعشيرة غير واردة عند محمد، فلماذا حزِن لأن يحكم بنو أمية؟ لأنه كان يعرف أنّ الجماعة حاقدين على الإسلام ويفسّرون الإسلام أنه حركة هاشمية ولا يؤمنون بأنه رسالة سماوية، ولهذا يحاولون جهدهم أن يقضوا على الإسلام، وبالفعل فتاريخ بني أمية ابتداءً من معاوية (أو قبل معاوية) وانتهاءً إلى آخر بني أمية يشهد بأنّ محاولاتهم للقضاء على الإسلام كانت كثيرة: من هدم الكعبة وإباحة المدينة وإهانة الصلاة والمسجد وإباحة الدماء والأعراض وتحويل الخلافة إلى المُلك وخلق الجيش المرتزق وأمثال ذلك .. كما نعرف من تاريخهم كثير.

حزِن النبي أن يحكم بنو أمية، فنـزِلت هذه السورة: إنا أنزلناه في ليلة القدر، ليلة القدر التي هي في رمضان، وليلة القدر ليلة عظيمة، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر، ألف شهر يعني أيام حكم بني أمية، نعم: لها تأثير عميق في تاريخ المسلمين، ولكن تأثير ألف شهر لا يعادل تأثير هذه الليلة الوحيدة التي هي ليلة نزول القرآن، ليلة الدستور، ليلة الرسالة، بعبارة أخرى: يا محمد ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾(2).

رسالة الإسلام ورسالة القرآن من التأثير في التاريخ البشري بمكان فوق أن تتأثر بأيام حكم بني أمية، لا تتمكن مدة ألف شهر من أن تقضي على هذه الليلة.

هذا التفسير الأول للآية ذكرناه وذكرنا له شواهد من سائر الآيات والروايات الواردة في هذا البحث، فإذن: ليلة القدر بناءً على التفسير الأول يعني ليلة نزول القرآن، لماذا يسمّونها ليلة القدر؟ إما من القدر بمعنى القيمة (يعني ليلة ذات قيمة كبيرة)، أو قدر بمعنى التحديد والتقدير والتعيين باعتبار أنّه في هذه الليلة قُدّر كل شيء وحُدّد كل شيء وتبيّن الحلال من الحرام وما يجوز مما لا يجوز والصحيح من الفاسد.. وضع حدود للأمور، هذا التفسير الأول.

أما التفسير الثاني فبحاجة إلى مقدمات صغيرة أرجو الانتباه لها، نحن نفسّر القرآن ونفهم القرآن حسب مصطلحات القرآن، والقرآن يفسّر بعضه بعضاً، (ولكي) نفسر ليلة القدر (بعد مراجعة سائر الآيات والروايات والمبادئ الإسلامية الأخرى) فمعرفة هذا بحاجة إلى بعض المقدمات:

أولاً: مسألة الصوم (الذي هو واجب شهر رمضان) مسألة مهمة في تفسير معنى ليلة القدر، الصوم في الإسلام ما هو؟ الصوم في الإسلام رياضة ومساعدة وتدريب للإنسان حتى يتمكن من السيطرة على نفسه وعلى شهواته، أذكر لكم مثلاً: نريد أن نعلّم الطفل السباحة، أولاً نترك الطفل يسبح في بركة صغيرة، حتى إذا تعلّم أن يسبح في مكان ضيق وعلى أبعاد قصيرة وفي عمق قليل ومع مراعاة ورعاية الولي .. حينما يتعلم في هذه البيئة الصغيرة كيف يسبح (عندها) نتركه في البحر حتى يسبح .. الرياضي يتدرب .. سائق السيارة قبل أن يأخذ السيارة ويسوق في الشوارع فإنه يسوق في مكان بعيد عن الناس فيه فواصل قصيرة وفي ظروف محاطة بالتحفظ، التدريب مسألة أساسية في حياة الإنسان .. والصوم تدريب للإنسان أمام المحرّمات والواجبات وأمام الأهواء والشهوات، كيف ذلك؟ الإنسان في خلال الصوم ماذا يعمل؟ من الفجر إلى الغروب، كم ساعة؟ اثنتا عشرة ساعة أو ثماني عشرة ساعة أو خمس ساعات .. حسب اختلال الفصول والمناطق .. الإنسان في خلال اثنتي عشرة ساعة أو أقل أو أكثر (فترة وجيزة) يقولون له صم، صم ماذا تعني؟ يعني: لا تأكل، لا تشرب، لا تمارس العمل الجنسي، لا تدخل تحت الماء، لا تدخّن، لا تكذب على الله والرسول (حتى لو غضبت أو أُحرجت)، حسناً: طبيعي أن أجوع، أليس كذلك؟ أنا أشعر بالجوع وأمامي الأكل وليس هناك من مراقب، جوعي يدعوني إلى الأكل، ولكن أنا لا آكل مع أني جوعان، هنا أنا أتدرب بأنه أجوع ولا آكل، أعطش ولا أشرب، أحتاج إلى المرأة ولا أمارس العمل الجنسي، معتاد على الدخان (التدخين) ولا أدخّن، أُحرج في كلامي .. أغضب .. ولا أكذب على الله والرسول، كم ساعة؟ اثنتا عشرة ساعة .. ثلاث عشرة ساعة .. أربع عشرة ساعة .. كم يوم؟ ثلاثون يوماً، أليس هذا مثل السباحة في البركة الصغيرة والسواقة في الصحراء؟ بخلال هذه الفترة أنا أكسب القوة الكافية حتى لغير رمضان: أنا جوعان لكن أمامي أكل محرّم، أتمكن ألا آكل، لماذا؟ لأني خلال ثلاثين يوماً تدربت على الجوع وعدم الأكل، أنا عطشان والماء حرام، أتمكن أن أحافظ، أنا بحاجة إلى المرأة، والمرأة محرّمة، أتمكن أن أغض عيني أو بدني أو لساني وأبتعد عن محرمات الله، لماذا؟ لأني خلال ثلاثين يوماً تدربت، وهكذا الإنسان في شهر رمضان يكسب التدريب الكافي للوقوف أمام الشهوات أو بتعبير آخر للسيطرة على نفسه ويملك الإرادة، هذا المعنى واضح، أليس كذلك؟.

ولهذا فالقرآن الكريم يقول: واستعينوا بالصبر والصلاة، الصبر يعني الصيام، يعني: إذا تريدون أن تتوفقوا في حياتكم الاجتماعية باجتناب المحرمات فاستعينوا بالصيام، الاستعانة بالصيام على هذا الأساس، فإذن: نحن في شهر رمضان نتدرب كما نتدرب في البركة الصغيرة لكي نواجه البحر، نتدرب لكي نواجه بعد رمضان بحر المجتمع: ﴿إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا(3)، لكي نتمكن بعد رمضان أن ندخل في المجتمع وأن نرى المحرّمات ونكفّ عنها، أن نرى الشهوات ونجتنبها، هذا هو القصد.

الإسلام يريد من المسلم أن يخوض غمار المجتمع ولا ينحرف، أما الاعتكاف والانعزال وعدم الدخول في المجتمعات فهذا ليس فضلاً، لا رهبنة في الإسلام، لا رهبانية في الإسلام، هذه مقدّمة بأنّ الصيام تدريب، أنّ الصيام طريقة ليملك الإنسان إرادته، طبعاً: كلما كان صومك أقوى وأصلب وأكثر إخلاصاً وأشمل جانباً كلما تكون النتائج أكبر، إذا كان مثل الصوم الذي يقول عنه علي بن أبي طالب: "إذا صمت فلتصم عينك عن النظر إلى الحرام وسمعك عن الاستماع إلى المحرمات ونيّتك وفكرك" .. إذا نحن صمنا بهذا الشكل: ليس فقط عن الأكل والشرب .. صوم العين، صوم السمع، صوم القلب، صوم الجسد، إذا هكذا كان الصوم نحن نقدر أن نستفيد من التدريب الشيء الكثير الكثير الكثير، وإذا كان لا فيكون مثل قول: "رُبّ صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش"، هكذا يكون له نتيجة صغيرة ليست كبيرة، هذه مقدمة.

المقدمة الثانية أنّ القرآن يقول أنّ سعادة الإنسان وشقاءه بيده، من يعيّن لك السعادة والشقاء؟ ليس الآباء والأجداد، ليست العشيرة والقرية والوطن، ليس هنا وهناك، سعادتك وشقاؤك بيدك، أنت الذي ترسم سعادتك، وأنت الذي تقرر شقاءك، من أين عرفنا هذا؟ من طريق القرآن، بعد الأيامين العديدة المكررة قال القرآن الكريم: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا / فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا / قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا / وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾(4)، من الذي أفلح ونجا؟ من زكّا نفسه، يعني من أحسن صنع نفسه ونظّف نفسه وهذّب نفسه، إذن: بيدي، وقد خاب من دسّاها، القرآن الكريم يقول: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى(5)، محصول أرباحك هو سعيك، ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(6)، كل امرئ بما كسب رهين، فإذن: السعادة والشقاء ليسا شيئين مفروضان عليّ من الخارج، أنا الذي أرسم السعادة والشقاء، هذا منطق القرآن، ليس فقط سعادتي الفردية وشقائي الفردي وسعادتي الاجتماعية وشقائي الاجتماعي، فالقرآن الكريم يقول: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ(7)، نحن الذين نخلق سعادتنا وشقاءنا الاجتماعي، القرآن الكريم يقول: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ..(8)، هذه السعادة الاجتماعية (..)، قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها، وكل نفس بما كسبت رهينة .. حسناً: الله لا يغيّر ما بقوم، يعني: الحالة التي هي بقوم يعني هي الحالة الاجتماعية، فإذن: القرآن هذا منطقه، يقول: الإنسان الذي يريد أن يكون سعيداً يتمكن أن يكون سعيداً، والإنسان الذي يريد أن يكون شقياً يتمكن أن يكون شقياً.

هذا بحث طويل سأبحثه إنشاء الله في مسألة الجبر والتفويض .. في بحث التسخير والتخيير، لكن نشير إلى منطق القرآن بأنّ القرآن لا يعتقد بأنّ هناك سعادة وشقاء خارج فهم وسيطرة الإنسان، كيف الإنسان يكون سعيداً؟ إذا كان الإنسان هو الذي يرسم مستقبله فإنه يملك نفسه، يقرر مصيره، لا يخضع لشهواته وأهوائه، لا يخضع لهنا وهناك، لا يخضع للضغط ولا للإغراء ولا لهنا وهناك، مقدمتان ذكرناهما فندخل في النتيجة بناءً على ذلك: نحن في شهر رمضان نتدرب لكي نملك إرادتنا .. لكي نسيطر على شهواتنا، وإذا سيطرنا على شهواتنا وملَكنا إرادتنا نتمكن أن نُسعد أنفسنا أو أن نُشقي أنفسنا، أليس كذلك؟ بالنتيجة: شهر رمضان شهر تقرير المصير، لماذا؟ لأنك من أول رمضان تتدرب، نتيجةً للتدريب تتمكن أن تسيطر على شهواتك، حينئذٍ أنت المخيّر والمختار والمقرِّر لسعادتك وشقائك، فإذن: بإمكاننا أن نقول أنّ سعادة الإنسان وشقاء الإنسان تتقرران في شهر رمضان، متى في شهر رمضان؟ في أواخر شهر رمضان، كما ورد في الحديث، الليالـي السـبع الأخيرة فيها ليلةالقدر، أو العَشر الأخيرة فيها ليلة القدر، لماذا الأخيرة؟ لأن هذا التدريب (يبلغ) في العشر الأخيرة أو السبع الأخيرة، يبلغ النهاية، يبلغ المستوى الأعلى، فإذن: بإمكاننا أن نقول أنّ شهر رمضان هو شهر تقرير المصير، لماذا؟ لأنه بالصوم نقرر مصيرنا، استعنّا بالصبر والصلاة حتى نقرر حياتنا ومصيرنا وسعادتنا وشقائنا.

﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾: ليلة التقدير والتحديد والتعيين، تعيين ماذا؟ تعيين سعادتك وشقائك، هذا معناه، وهذا قريب لما ورد في التفاسير العديدة بأنّ النبي الكريم (ص) سُئل: هل ليلة القدر مخصوصة بزمان النبي، أو موجودة بعد النبي أيضاً؟ فأجاب النبي أنّ ليلة القدر موجودة بعدي أيضاً.

المعنى الأول يعني ليلة نزول القرآن، ليلة واحدة وليس أكثر، لكن هذه في كل سنة تأتي، فإذن: هذا المعنى الثاني لليلة القدر متناسب مع الرواية التي تقول أنّ ليلة القدر مستمرة وأنّ ليلة القدر خير من ألف شهر باعتبار أنّ مصير الإنسان يتقرر بهذه الطريقة وخلال هذه الليلة التي تحكّم وتقرّر، فإذن أية ليلة؟ كل إنسان له ليلة معيّنة نتيجةً لهذا التفسير: أنه ليس هناك ليلة محددة، ولكن في أواخر رمضان: عندما تصل أنت من تدريبك إلى مقامك، حينئذٍ أنت تقرر مصيرك، وهذه الليلة ممكن أن تكون 23، 24، 25، 26، 27، 30 .. ممكن أن تكون حسب هذا المنطق.

هذا المعنى أيضاً يُفهم من آيات نزول القرآن، تجد أنّ آيات نزول القرآن تركّز على شهر رمضان: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ(9)، ثم: شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن، كأن هناك ارتباط بين نزول القرآن والصيام.

شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان، وهنا الآيات توحي إلى هذه الفكرة، لأن الصيام في هذا الشهر، الذي هو شهر العبادة، شهر العلم، شهر الفرقان، شهر الفرق بين الحق والباطل، شهر الهداية، هذا الجانب من رمضان يرتبط بنـزول القرآن..

التفسير الثالث هو: ليلة القدر هي ليلة استجابة الدعاء، على أي أساس؟ إذا قرأتم الآيات الواردة في باب الصوم بعدما يقول القرآن الكريم: كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم، ثم يقول: شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن، ثم يقول في أثناء الآيات الواردة حول الصيام: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي﴾(10)، هذه الآية واردة في وسط آيات الصيام وآيات رمضان، ما دخل هذه الآية وما دخل الحديث عن الدعاء؟ باعتبار الارتباط الوحيد الموجود بين شهر رمضان والصيام وبين الدعاء.

هناك مواسم لله سبحانه وتعالى هيأها لاستجابة الدعوات، فشهر رمضان باعتبار أنّ الروايات تقول: "أدعيتكم فيه مستجابة"، و"ليالي شهر رمضان والليالي الأخيرة من شهر رمضان الدعاء فيها مستجاب"، فبإمكاننا أن نقول أنّ تقدير الإنسان، مقدّرات الإنسان، سعادة الإنسان، شقاء الإنسان، خير الإنسان، شر الإنسان، مشاكل الإنسان، صعوبات الإنسان .. كلها تتأثر بالدعاء في هذا الشهر .. باعتبار أنّ الإنسان حينما يدعو الله سبحانه وتعالى يستجيب له بنفس هذه الآيات، لا بالمعنى الذي نتصوره لاستجابة الدعاء، حينئذٍ: هذه الليلة تؤثر في المصير وفي المستقبل باعتبار قضاء حاجات الإنسان.

هذه المعاني الثلاثة نفهمها من ليلة القدر، أما المعنى المشهور الذي يقال أنه في هذه الليلة يتغير الجو وأنّ أعمال الإنسان تتقرر وأنّ أرزاق الإنسان تتوزع أنا في الحقيقة لا أفهمه على أساس أنه مصير الإنسان وأرزاق الإنسان وأعمال الإنسان. سعادة. مرض. شقاء. هذه ليست مرتبطة بهذه الليلة، لماذا؟ أنت، مثلاً (لا سمح الله) مرضت، فهذا المرض يرتبط بعوامل جسدية من أول عمرك إلى الآن غالباً، أنت في هذه السنة تعيش في رخاء، ورخاؤك في هذه السنة نتيجة جهدك في عشرين سنة سابقة وليس نتيجةً لهذه الليلة.

لا لزوم أن نفهم بهذا المعنى الأسطوري الشائع بين الناس أنه في هذه الليلة النجوم تتوقف والسماء تطلع وتنـزل وتحدث مشاكل وكل واحد دعا وبمجرد ما يقول اعمل هذا ذهب صار ذهب، هذا الشكل الشائع المعروف أنه إذا أدرك الواحد ليلة القدر إذا قال لله اجعل هذا ذهباً يصير ذهباً .. الشكل الشائع أنا شخصياً لا أفهمه، وأتمنى أن أحداً يوضح لي معنى هذا، لأنّ هذا لا ينطبق لا على علم ولا على دين، وهو شيء غريب.

هذا خلاصة ما ذكرناه في ليلة القدر، بقي في السورة المباركة تفاسير لهذا الوصف العجيب وهذه اللوحة الغريبة التي يرسمها القرآن: تنـزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر، هذا الوصف نبحث فيه إنشاء الله في الأربعاء القادم.

والسلام عليكم.

وغفر الله لنا ولكم.

1- سورة القدر.

1- سورة الحجر / 9.

3- سورة المزمل / 7.

4- سورة الشمس / 7-10.

5- سورة النجم / 39.

6- سورة المدثر / 38.

7- سورة الروم / 41.

8- سورة الرعد / 11-13.

9- سورة البقرة / 183.

10- سورة البقرة / 186.