سبب نزول الآيات (19-20-21-22) من سورة التوبة

 

﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ / الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ / يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ / خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾

 

سبب النزول

هناك روايات مختلفة في سبب نزول الآيات - محل البحث - منقولة في كتب أهل السنة والشيعة، ونورد هنا ما يبدو أكثر صحة.

 

يروي "أبو القاسم الحسكاني" عالم أهل السنة المعروف، عن بريدة، أن "شيبة" و"العباس" كان يفتخر كلُّ منهما على صاحبه، وبينما هما يتفاخران إذ مرّ عليهما علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: فيم تتفاخران؟

 

فقال العباس: حُبيت بما لم يُحبَ به أحد وهو سقاية الحاج.

 

فقال شيبة: إني أعمر المسجد الحرام، وأنا سادن الكعبة.

 

فقال علي (عليه السلام) : على أنّي مستحي منكما، فلي مع صغر سني ما ليس عندكما.

 

فقالا: وما ذاك؟!

 

فقال: جاهدت بسيفي حتى آمنتما بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

 

فخرج العباس مغضباً إِلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شاكياً عليّاً فقال: ألا ترى ما يقول؟

 

فقال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أدعو لي عليّاً فلمّا جاءه علي قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لِمَ كلّمت عمّك العباس بمثل هذا الكلام؟

 

فقال (عليه السلام) : إذا كنت أغضبته، فلما بينّتُ من الحق، فمن شاء فليرضَ بالقول الحق ومن شاء فليغضب.

 

فنزل جبرئيل (عليه السلام) وقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقرؤك السلام ويقول: اتل هذه الآيات: (اجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله) (1).

 

وقد وردت هذه الرواية بالمضمون ذاته مع اختلاف يسير في التعابير في كتب كثيرة لأهل السنة، كتفسير الطبري والثعلبي، وأسباب النّزول للواحدي وتفسير الخازن البغدادي، ومعالم التنزيل للعلاّمة البغوي، والمناقب لابن المغازلي، وجامع الأصول لابن الأثير، وتفسير الفخر الرازي، وكتب أُخرى. (2)

 

وعلى كل حال، فالحديث آنف الذكر من الأحاديث المعروفة والمشهورة، التي يقرّ بها حتى المتعصبون، وسنتكلم عنه مرّة أُخرى بعد تفسير الآيات.


1- تفسير مجمع البيان، ذيل الآيات محل البحث.

2- لمزيد الإِيضاح يراجع كتاب إحقاق الحق، ج 3، ص 122 - 127.