سبب نزول الآيات (53-54) من سورة الأحزاب

 

﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَام غَيْرَ نَـظِرِينَ إِنَيـهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَئْنِسِينَ لِحَدِيث إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىَّ فَيَسْتَحْى مِنكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْى مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلُْتمُوهُنَّ مَتَعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَاب ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيماً (53) إِن تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شِىْء عَلِيماً (54)﴾

 

سبب النّزول

ذكر المفسّرون في سبب نزول هذه الآية: أنّ النّبي (ص) لمّا تزوّج "زينب بنت جحش" أولم للناس وليمة فخمة تقريباً.

 

وقلنا سابقاً: إنّ هذه الأحكام ربّما كانت من أجل تحطيم سنّة جاهلية في مجال تحريم مطلّقات الأدعياء بحزم تامّ، وليكون لهذا التحطيم شعاع أوسع، ولتمحى هذه السنّة الجاهلية التي كانت تعتبر الزواج بأيامى العبيد المحرّرين عيباً وعاراً.

 

يقول "أنس"، وكان خادماً خاصّاً للنبي: أمرني النّبي أن أدعو أصحابه للغداء فدعوتهم، فكانوا يأتون جماعة يأكلون ويخرجون، حتّى قلت: يارسول الله، لم يبق أحد لم أدعه، فأمر برفع السماط، فرفعوا السماط وتفرّق القوم، إلاّ ثلاثة نفر بقوا في بيت النّبي وكانوا مشغولين بالحديث.

 

فلمّا رأى النّبي (ص) حديثهم قد طال، نهض ونهضت معه لعلّ القوم يلتفتون ويذهبون إلى أعمالهم، فخرج النّبي حتّى أتى حجرة عائشة، ثمّ رجع مرّة اُخرى وكنت معه، فرأيت القوم على جلستهم وحالهم، فنزلت الآية أعلاه وأفهمتهم كيفية التعامل مع هذه المسائل(1).

 

ويستفاد من بعض الرّوايات أيضاً أنّ الجيران وسائر الناس كانوا يأتون إلى بعض نساء النّبي ويستعيرون أشياء حسب المتعارف والمعتاد، وبالرغم من أنّهم لم يكونوا يرتكبون معصية وذنباً طبقاً لبساطة الحياة آنذاك، إلاّ أنّ الآية أعلاه نزلت لحفظ حيثيّة زوجات النّبي وأمرت المؤمنين أنّهم إن أرادوا أن يأخذوا من نساء النّبي شيئاً فليأخذوه من وراء حجاب.

 

وجاء في رواية اُخرى أنّ بعض مخالفي النّبي قالوا: كيف تزوّج النّبي بعض نسائنا، أما والله لئن مات لنتزوجنّ نساءه، فنزلت الآية أعلاه وحرّمت الزواج بنساء النّبي من بعده مطلقاً، وأنهت هذه المؤامرة(2).

 


1- مجمع البيان، المجلّد 8، صفحة 366 ذيل الآية مورد البحث.

2- المصدر السابق، ص366 و368.