سبب نزول الآيات (11-12-13-14-15-16-17) من سورة المعارج

﴿ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُّ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لاَِيَتِنَا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17)﴾

سبب النّزول:

ذكر سببان هذه الآيات، هما:

1 - اجتمعت قريش في دار الندوة فالتفت الوليد بن المغيرة إليهم، وكان الوليد شيخاً كبيراً مجرباً من دهاة العرب، وقال: وحدوا قولكم، فإنّ العرب يأتونكم من كل صوب ويسألونكم عمّا خفي عنهم لما عندكم من المنزلة السامية، ثمّ قال: ماذا تقولون في الرجل - وكان يعني رسول اللّه (ص) - قالوا: شاعر.

 فقبض الوليد وجهه، وقال إنّنا سمعنا الشعر وما هو شعر، قالوا: كاهن، قال: هل يصدر منه كلام الكهنة عند استماعكم إليه؟ هل يتحدث عن الغيب ؟ قالوا: مجنون.

 قال: لا يظهر عليه أثر الجنون.

 قالوا: ساحر: قال: كيف؟ قالوا: يفرق بين الحبيب وحبيبه، فقال: بلى - لافتراق من كان يسلم عن جماعته، فتفرّقوا وصاروا يمرون برسول اللّه (ص) وينادونه يا ساحر يا ساحر، فسمع النبيّ (ص) ذلك واغتم لهذا الأمر، فنزلت بالآيات المذكورة في صدر السورة حتى الآية (25) لمواساة الرسول (ص).

وقيل: لما نزلت عليه: (حم تنزيل الكتاب من اللّه العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العذاب) قام إلى المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته، فلما فطن النبيّ (ص) لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه مخزوم، فقال: واللّه، لقد سمعت من محمّد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، وإنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمُثْمَر وأنّ أسفله لمغدق، وإنّه ليعلو وما يُعلى، ثمّ انصرف إلى منزله.

فقالت قريش: صبا - واللّه - الوليد، واللّه لتصبأنّ قريش كلّها، وكان يقال للوليد ريحانة قريش، فقال أبوجهل: أنا أكفيكموه، فانطلق فقعد إلى جانب الوليد حزيناً، فقال له الوليد: ما أراك حزيناً يا ابن أخي، قال: هذه قريش يعيبونك على كبر سنّك، ويزعمون أنّك مدحت كلام محمّد فقام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه، فقال: أتزعمون أنّ محمّداً مجنون، فهل رأيتموه يخنق قط؟ فقالوا: اللّهمّ لا.

قال: أتزعمون أنّه كاهن، فهل رأيتم عليه شيئاً من ذلك؟ قالوا: اللّهم لا.

قال: أتزعمون أنّه شاعر، فهل رأيتموه أنّه ينطق بشعر قط؟ قالوا: اللّهمّ لا.

قال: أتزعمون أنّه كذّاب، فهل جربتم على شيئاً من الكذب؟ قالوا: اللّهمّ لا، وكان يسمى الصادق الأمين قبل النبوّة من صدقه، فقالت قريش للوليد: فما هو؟!

 فتفكر في نفسه، ثمّ نظر وعبس، فقال: ما هو إلاّ ساحر، ما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحرٌ يؤثر (1).


1- مجمع البيان، ج10، ص386; نقل المفسّرون سبب النزول هذا مع الإختلاف البسيط كالقرطبي والمراغي والفخر الرازي في ظلال القرآن والميزان وغير ذلك.