حقيقية الولدان المخلَّدين

 

يسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

ما هي حقيقة الولدان المخلَّدين الذين ورد ذكرهم في القرآن، فهل هم من البشر أو من الملائكة؟ وما هو الدور الذي يُناط بهم في الجنة؟

 

الجواب:

ورد ذكر الولدان المخلَّدين في القرآن الكريم مرَّتين، في سورة الواقعة وفي سورة الإنسان.

 

أمَّا ما ورد في سورة الواقعة فهو قوله تعالى: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ / بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ﴾(1).

 

وأمَّا ما ورد في سورة الإنسان فقوله تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا﴾(2).

 

ولم يتصدَ القرآن لبيان طبيعة هؤلاء الولدان، وإنَّما وصفهم في الآيتين بالمخلَّدين، ومعنى ذلك -ظاهراً- هو أنَّهم يحتفظون بصورِهم ونضارتهم وفتوتِهم، فلا يطرأ عليهم هرم ويظلَّون كذلك أبداً.

 

وشبَّهتهم الآية من سورة الإنسان باللؤلؤ المنثور، وهو تعبير عن حسن مظهرهم ونضارة صورهم وصفاء ألوانِهم.

 

ويُستفاد من الآية الواردة في سورة الواقعة أنَّ الدور المناط بالولدان المخلَّدين في الجنَّة هو خدمة المؤمنين من أهل الجنَّة حيث إنَّ ذلك هو المستظهَر من قوله تعالى: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ / بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ﴾ فمعنى طوافِهم على المؤمنين بالأكواب والأباريق هو حملُهم لها وتقديمُها لهم.

 

كما أنَّ المستظهَر من الآيتين أنَّ الولدان ليسوا من الملائكة، إذ لم يُعهد التعبير عن الملائكة بالولدان، كما أنَّهم لو كانوا ملائكةً لكان المناسب للاعتبار هو عدم توصيفهم بالولدان، لأنَّ التعبير عن الملائكة بالولدان إنْ لم يكن فيه توهين لهم فهو منافٍ للتشريف المعهود من الله تعالى لملائكته، فقد وصفهم في محكم كتابه بأنهم ﴿عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ / لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾(3).

 

نعم لا محذور في أن يُسخِّر الله تعالى ملائكته لخدمة المؤمنين من أهل الجنَّة إلا أنَّ ذلك لا يقتضي استظهار إرادة الملائكة من قوله تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ﴾.

 

لأنَّ المتفاهم عرفاً من لفظ الولدان هو الغلمان أو الصبية من بني الإنسان، فلو كان المراد من لفظ الولدان هو الملائكة لكان ذلك يقتضي نصب قرينة للتعبير عن إرادة ذلك، فحيث لا قرينة تقتضي استظهار ذلك، ولأنَّ هذا اللفظ لم يُعهد -كما قلنا- استعماله في الملائكة لذلك فمِن المطمئَن به هو عدم إرادة الملائكة من قوله: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ﴾، نعم لا يُمكن التثبُّت أيضاً من بشريَّتهم وإنْ كان قد ورد في بعض الروايات أنَّهم من أولاد الدنيا، فقد رُويَ عن النبيِّ الكريم (ص) أنَّه سُئل عن أطفال المشركين فقال (ص): "خدمُ أهل الجنَّة على صورة الولدان، خُلقوا لخدمة أهل الجنة"(4)، ورُوي عن أمير المؤمنين (ع) أنَّه قال: "الولدان أولادُ أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيُثابون عليها ولا سيئات فيُعاقبون عليها فأُنزلوا هذه المنزلة"(5)، وورد قريب من هذا المضمون في طرق العامَّة إلا أنَّ جميعها روايات ضعيفة السند.

 

وثمة احتمالٌ يُضاف إلى ما تُنتجه هذه الروايات من احتمال وهو أنَّ الولدان المخلَّدين وإنْ كانوا ذوي طبيعة بشريَّة إلا أنَّ خلقهم يكون في النشأة الأخرى، شأنُهم في ذلك شأن الحور العين، فهم ليسوا من أولاد الدنيا إلا أنَّ طبيعة خلقهم تُشبه طبيعة خلق أولاد الدنيا والله تعالى أعلم بحقائق الأمور.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الواقعة / 17-18.

2- سورة الإنسان / 19.

3- سورة الأنبياء / 26-27.

4- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج5 / ص291.

5- بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج8 / ص108.