معنى نفخ الروح وهل ينفخ الله في الحيوانات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

قوله تعالى: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾(1) ما معنى نفخ الروح؟ وهل حصل لباقي المخلوقات أيضاً هذا النفخ من قِبَل الله سبحانه؟

 

الجواب:

نفخ الرّوح ذُكر في القرآن الكريم لثلاثة موارد:

 

المورد الأول: نفخ الروح في آدم (ع).

المورد الثَّاني: نفخ الروح في رحم مريم (ع) بمعنى نفخ الروح في بدن عيسى (ع) والذي كان في رحم مريم (ع).

المورد الثَّالث: نفخ الروح في الطَّير.

 

والنَّفخ للروح في المورد الأول والثَّاني نُسِبَ للهِ جلَّ وعلا كما في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾(2).

 

وقوله تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا ..﴾(3)، فالروح نُسبت في الآيتين لله جلَّ وعلا.

 

وأمَّا المورد الثَّالث فالنَّفخ للرُّوح نُسبَ لعيسى (عليه السَّلام) كما في قوله تعالى: ﴿وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ ..﴾(4)، فالنَّفخ هنا في هذه الآية الشَّريفة نُسبَ إلى عيسى (ع).

 

والمرادُ من النَّفخ هو بعث الروح في الجسد، فلكلٍّ من الجسد والروح وجود مستقلٌّ، وكلٌّ منهما خلْقُ الله عزَّ وجلّ، وصيرورة الجسدِ حيًّا إنَّما هو بإنشاءِ الله عزَّ وجلَّ العُلقةَ بين الروح والجسد، وهذا هو معنى بعث الروح في الجسد.

 

لذلك قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ﴾ أي إذا تمَّ خلق الجسد فصار سويًّا تامّ الأجزاء أصبح مؤهَّلاً لبعث الروح فيه، والتي هي خلقٌ آخر غير الجسد قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾(5)، فالخلق الآخر -بعد أن لم يبقَ من الجسد شيء إلا وقد تمَّ خلقه- هو الروح.

 

وأمَّا نسبةُ الروح إلى الله تعالى في المورد الأول فهو لغرض التَّكريم والتَّشريف لآدم (ع) وهو تكريم وتشريف للإنسان، وكذلك نسبةُ الروح إليه تعالى في المورد الثاني فإنَّ الغرض منه هو التكريم والتشريف لعيسى (ع).

 

ولم ينسب نفخ الروح إليه في غير هذين الموردين، فالحيوان وإن كان كالإنسان من جهة أنَّه تُنفخ فيه الروح بعد أن يُصبح سويًّا تامّ الأجزاء إلا أنَّ الله تعالى لم ينسب الروح الحيوانيَّة إلى نفسه وإن كان تعالى هو الخالقُ لها.

 

ثُمَّ إنَّ نسبة الرُّوح إليه تعالى في الموردين الأول والثَّاني لا تعني أنَّ الروح جزء منه تعالى.

 

فليس معنى قوله: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾(6) وقوله تعالى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾(7) أنَّ روح المسيح وروح الإنسان مشتقَّة من روح الله تعالى بل إنَّ المراد من النسبة في الآيتين كالنسبة في مثل ما لو قال الله تعالى: (سماواتي وأرضي) فإنَّ المصحِّح للنسبة في هذا القول هو أنَّ الله تعالى خالقُ السَّماوات والأرض، فكذلك يكون المصحِّح لنسبة روح عيسى إلى نفسه هو أنَّه خالق الروح في عيسى (ع) وباعثُها في جسده.

 

غايته أنَّ الغرض من النَّسبة ظاهرًا هو التكريم والتشريف لعيسى (ع).

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الحجر / 29.

2- سورة ص / 72.

3- سورة التحريم / 12.

4- سورة آل عمران / 49.

5- سورة المؤمنون / 14.

6- سورة ص / 72.

7- سورة التحريم / 12.