سورة الفجر: الطواغيت الثلاثة (2)

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وخاتم النبيين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .

 

اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم وأكرمنا بنور الفهم وأفتح علينا أبواب رحمتك وانشر علينا خزائن علومك.

 

قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ / إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ / الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ / وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ / وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ / الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ / فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾(1)

صدق الله مولانا العلي العظيم

 

الطواغيت الثلاثة:

بعد أن أقسم القرآن في هذه السورة بالأقسام الخمسة ﴿وَالْفَجْرِ / وَلَيَالٍ عَشْرٍ / وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ / وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾(2)، وأفاد انَّه ﴿هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ﴾(3) أي لذي عقلٍ يتأمل ويُفكر ويتدبَّر، بعد ذلك استعرضت هذه السورة المباركة ثلاثةَ نماذجَ من الطغاة الذين كانوا في التأريخ، وهذه النماذج، أو هؤلاء الطغاة توفرت لهم كل أسباب القوة والمِنعة، إلَّا أنهم لما عتوا عن أمر ربِّهم، وطغوا وتجبروا وعصوا رسلهم عذَّبهم الله تعالى في الدنيا، ثم ينتظرهم عذابٌ الآخرة.

 

النموذج الأول الذي أشارت إليه السورة المباركة هم قوم عاد وهم الذين بُعث إليهم نبيُّ الله هود. والسورة المباركة لم تتصد لتفصيل ما وقع على قوم عادٍ من عذاب، كما لم تتصدَّ لتفصيل كيفية العذاب الذي وقع على النموذجين الثاني والثالث وهم: فرعون وقومه، وقوم ثمود. لكنها أشارت إلى ذلك بنحو الإشارة فقالت: ﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ / إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾(4).

 

هكذا كان عذابهم

فالسورة المباركة وإن أجملت الحديث ولم تتصدَ لتفصيل ما وقع لهؤلاء الطغاة من العذاب الإلهي إلا أن ثمَّة آياتٍ في القرآن فصَّلت في بيانكيفية العذاب الذي وقع على هؤلاء، ففي سورة الحاقة مثلا يقول الله تعالى: ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ / وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ / سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ / فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ / وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ / فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً﴾(5), ففي -سورة الحاقة- فصَّل القرآن بنحوٍ ما كيفية العذاب الذي وقع على قوم عاد، وكذلك ما وقع على الأقوام الأخرى.

 

معالم قبيلة عاد

وهنا نرى من المناسب -ونحن بصدد بيان معاني هذه السورة المباركة- أن نعطي تصوراً مجملاً عن قوم عاد الذين بُعث لهم نبي الله هود (ع).

 

فالمستفاد من بعض آيات القرآن الكريم أنَّ نبي الله هود (ع) هو أول الأنبياء الذين بُعثوا بعد الطوفان الذي حصد قوم نوح (ع)، فهو واقعٌ بحسب التسلسل التأريخي لتاريخ الرسالات في الموقع الثاني، وبتعبير آخر هو قد بُعث بعد نوح (ع)، يقول الله تعالى: ﴿وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾(6)، الخطاب هنا كان من نبي الله هود إلى قومه، يذكرهم فيه بما وقع على قوم نوح ﴿وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. طبعا القرآن الكريم لم يفصِّل الحديث عن أحوال قبيلة عاد، ولكن يمكن التعرُّف على معالم هذه القبيلة من مجموع الآيات التي تصدَّت للحديث عن هذه القبيلة التي بُعث إليها نبي الله هود، فهذه القبيلة لا ريب أنها وُجدت قبل التأريخ، حتى أنَّ التوراة التي بين أيدينا فعلاً لم تتصدّ لذكر هذه القبيلة جملةً وتفصيلا.

 

قبيلة عاد في الأساطير والاسرائيليات

وما عندنا في التراث، من كتب التأريخ ككتاب تاريخ ابن خلدون، وتاريخ الطبري، وكذلك ما نُقل في كتب التفاسير التي تصدَّت لبيان تفاصيل كثيرة حول قوم عاد، هذه التفاصيل المنقولة في التأريخ والتفسير لو وقفت عليها لوجدتها أشبه شيئ بالأساطير، فعلاوةً على أن مضامينها لا يمكن قبولها، فإن أكثر رواتها غير موثَّقين، بل إنَّ بعضهم مُتَّهم في دينه، وفي صدقه، ككعب الأحبار الذي كان من أصلٍ يهودي، ووهب بن منبه الذي كان من أصل مسيحي، ومثل هؤلاء سطَّروا الكثير من المخاريق والأساطير ونسبوها للرسول الكريم (ص)، وسُمِّيت بعد ذلك بالإسرائيليات؛ وهذه الإسرائيليات كثيرة في قصص الأنبياء، وفي أحوال الماضين من الأمم. فمثلاً تحدثت كتب التأريخ وكتب التفاسير عن مدنيَّة وحضارة هذه القبيلة، وأن عمرانها كان متميزاً، وأنَّه كانت لهم قصور أساطينها مرصعة بالذهب والفضة والزبرجد، ومفروشة بالياقوت والمسك! وذكرت أنَّ رجال قوم عاد كانوا طوالاً جداً بحيث يصل طول أحدهم 400 ذراع! وأنَّ أحدهم ليحمل الصخرة التي تضاهي الجبل الصغير فيُلقي بها على فئةٍ من الناس فيقتلهم! ومن هذا القبيل نُقلتت الكثير من القصص، والأفضل أن لا يملأ الإنسان حافظته بمثل هذه الحكايات والأساطير. ومع الأسف الشديد فإنها منقولة في كتب إخوننا، كتفسير ابن الكثير وغيره.

 

قوم عاد في القرآن وروايات أهل البيت (ع):

- التميّز العمراني

نحن نستطيع أن نقف على المعالم الأساسية لهذه القبيلة من خلال القرآن الكريم، ومن خلال النصوص التي وردت عن أهل البيت (ع) فهي تُعطي تصوراً إجمالياً، وهو المقدار الذي نحتاجه. فما يظهر من القرآن الكريم هو انَّ قوم عاد كانت لهم حضارة متميِّزة، وكان لهم عمران متميِّز يظهر ذلك من مثل الآية التي تلوناها في أول الحديث وهي قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ / إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ / الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾، فإرم -وهي المدينة التي ينتسبون اليها- وُصفت في الآية بذات العماد: أي ذات الإسطوانات والأعمدة الطويلة، فلهم بمقتضى هذه الآية المباركة إذن عمران متميز، حيث إنَّ القرآن أفاد بأنه ﴿لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا﴾ طبعاً، إلى حين صدور الخطاب لم يخلق مثلها من حيث العمران والسعة والهندسة وما إلى ذلك.

 

عندنا آية أخرى أيضا تُعبِّر عن تميّزهم في عمرانهم، وهي قوله تعالى: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾(7)، فهم يُبنون معالم لمجتمعهم بهدف أن يُخلَّدوا فيُخلَّد اسمهم ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾. ثم يقول تعالى: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ / وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ / وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾(8).

 

يبدو أيضا من القرآن الكريم أنَّ قوم عاد كانوا يمتازون بالقوة، ووردت عدّة آيات تُعبِّر عن هذا المعنى، ففي الآية التي قرأناها منذ قليل ﴿وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ﴾، وقال الله تعالى في موضع آخر: ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾(9)، هذا يُعبِّر عن أنَّ لهم قوة، نعم قد يقال ان هذه الآية ليست ظاهرة جدا في إرادة القوة في الأبدان؛ لأنه قد تكون القوة نتيجة للكثرةفي العددونتيجة المهارة والسلاح الذي يملكونه، الا ان هناك آيات أخرىظاهرة في امتيازهمبالقوة في أبدانهم كما فيقوله تعالى ﴿وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ﴾ الخطاب مُوجّه من قِبَل هود إلى قومه -قبيلة عاد- ﴿وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً﴾(10)، وكذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ/تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾(11)، شبَّههم القرآن بعد أن هبَّت ريح العذاب عليهم وأهلكتهم كأنَّ أحدهم نخلة ممتدة، وهذا تعبير عن امتيازهم بالطول؛ وثمة آية أخرى أيضا شبَّهتم بالنخل ﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ / فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ﴾(12) وهذا تعبير عن أنَّ هؤلاء القوم كانوا من القوة والطول بحيث أن الله -عزّ وجلّ- مَنَّ عليهم، وذَّكرهم بهذه النعمة على لسان نبِّي الله هود (ع).

 

- الشرك والوثنية

هناك أمرٌ آخر يمكن الوقوف عليه من خلال الآيات المباركة، وهو أنَّ قوم عاد كانوا مشركين، يعني أنَّ تعدَّد الآلهة كانت قبل التأريخ، فبعض المجتمعات -منهم قوم عاد- كانوا يعبدون آلهة متعددة، ولم يكونوا يعبدون إلهاً واحداً، رغم أنهم انحدروا من سلالة المؤمنين ممن حُمِلوافي سفينة نوح، بل إنَّ زعماءهم الجبَّارين كانوا من سلالة نوح (ع)! فرغم ذلك، ومع تقادم الزمن، انحرفوا عن هذه العقيدة التي كان يدين بها أجدادهم، ومن المفارقة أنهم كانوا حريصين على أن ينتسبوا إلى آبائهم وأجدادهم كما تُعبِّر الآيات، إلا انهم رغم ذلك كانوا مشركين، وكانوا يفتخرون بشركهم، ويُبرِّرون ذلك بأنه كان دين آبائهم، ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾(13)! ثم يقولون في المحاورات التي كانت بين هود (ع) وبينهم أنّ الذي دفع نبي الله هود (ع) إلى أن يأمرهم بأن يكفروا بتلك الآلهة المزعومة التي لا تنفع ولا تضرّ إنما هو أذىً أصابه من بعض تلك الآلهة! ﴿إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ﴾(14) هذا مبرِّر دعوته بحسب زعمهم!

 

- الظلم والعدوان

الأمر الآخر أنَّ هذا المحتمع وهذه القبيلة لهم مجموعة ممارسات وسلوكيات منحرفة، وقد حاول نبُّي الله هود أن يعالجها، منها: الظلم، والتعدي على الناس، وطاعة الملوك والجبابرة، وعصيان الأنبياء والرسل، ﴿وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ﴾(15)، ويبدوا من هذه الآية أنَّ ثمَّة أنبياء قد بعثوا إلى هذه القبيلة، وكانوا على رسالة نوح (ع) ولكنهم كفروا بأولئك الأنبياء، واتبعوا الجبابرة ﴿وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ / وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ﴾(16)، هذا معلم آخر، ونحن لا نريد أن نقف على هذه الآيات بنحو مفصل، وإنما نريد أن نُعطي تصوراً اجمالياً عن هذه القبيلة.

 

كيف عذَّب الله قوم عاد؟

أولاً: لماذا عذبهم؟ يُبيِّن القرآن منشأ وقوع العذاب على قوم عاد، فأفاد أنَّهم -وبكلِّ صلافة- وبعد الجهد الذي بذله معهم نبيُهم، وبعد البراهين التي بيَّنها لهم، وبعد أن وعظ، ونصح، وجلس معهم -مجتمعين ومنفردين- وبعد أن أوضح لهم الحق والهدى، بعد كل ذلك ماذا قالوا؟ ﴿قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ﴾(17) يعني عليك أن تيأس من هدايتنا ﴿وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾(18) فلما يأس منهم، تضرع الى ربه: ﴿قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ﴾(19) فأجابه الله عز وجل: ﴿عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾(20) يعني اصبر عليهم، فعمَّا قليل ليصبحن نادمين. فقال لهم إنَّ الله عزَّ وجل يتهدَّدكم بالندم، وبالفعل هبَّت ريحٌ خفيفة ﴿قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾(21) يعني هذه مجرد ريح تجمع السحب وسينزل علينا منها مطر ويسقي الزروع، وهنا يجيب القرآن: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ / تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾(22). أصبحوا بعد أن تدمَّر كلُّ شيئ يفرّون من مكان إلى آخر بحثاً عن ملجأ، فبعضهم -كما ورد في الرويات- لجأ إلى الشعاب، ولجأ آخرون إلى الجبال، ولجأوا إلى المنخفضات من الأرض، فأما من لجأ إلى الجبال أو إلى الشعاب فتمرّ الريح العقيم -التي عبَّر عنها القرآن في آيات القرآن- فما تذر من شيئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم، أي تحوّله إلى ركامٍ تُرابي مفتت، فالجبل يُنسف وينسفون معه .. وأما الذين لجأوا الى المنخفضات والحفر فالآية تحكي عن أنهم كانوا ينتزعون منها انتواعا قل تعالى: ﴿تَنزِعُ النَّاسَ﴾(23) أي أنَّ الريح تقتلع الناس كما تُنزع النخلة المتجذِّرة من الارض فالريح تنزع الناس وتقتلعهم، ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ / فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ﴾(24).

 

هذا تذكير للطغاة، وللجبابرة، وللذين كذبوا بآيات الله تعال. فالقرآن يقول: ﴿حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ﴾(25) كأن لم تكن ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ﴾(26) ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ / إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ﴾(27) بقيت هذه الريح مستمرة ولم تنكسر. وفي آية أخرى إنَّ هذه الريح استمرَّ عصفُها سبع ليالٍ وثمانية أيام حسوما فتُركوا فيها صرعى ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ / تَنزِعُ النَّاسَ﴾(28) أي: تقتلعهم، ﴿تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾(29) لاحظوا، كيف كان العذاب سهلاً ميسوراً.. طبعاً تختلف الأزمنة، ولكن حتى لو كان عندهم عمران، واسطوانات طويلة، وحتى لو كان عندهم هذه القلاع، وهذه الأبنية الناطحة للسحاب والمسلَّحة، فإن التجربة والتأريخ والأيام تُعبِّر عن أنَّ كلَّ ذلك لا يقاوم عذاب الله -عز وجل-، فمثلاً: هذه التقنية العالية، والإمكانيات الهائلة هل تقاوم الإعصار؟! مدينة كاملة أغرقها ولو شاء أن يغرق الولايات المتحدة فهل يملكون لأنفسهم أن يدفعوا ذلك؟! وهلسوى التهيئة لوسائل الهرب فقط؟! أما أن يدفعوا أو يحموا أنفسهم من هذا الإعصار، أو هذا الزلزال، أو هذا البركان، أو هذا الحريق، الذي يملأ الغابات -في المكسيك وغيرها- فلا فهم لا يملكون أن يطفئوه إلا بشق الأنفس وهو مجرَّد حريق!

 

ثم إن القرآن يقول: ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾(30) هناك ريحٌ إذا هبّت فإنَّها تأتي بالامطار، وتلاقح بين الاشجار، وتنشر النسيم العليل بين الناس، فينتعش الناس من تلك الريح؛ وهناك في المقابل ريح عقيم مدمِّرة ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ / مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ﴾(31) لا تُبقي ولا تذر، ﴿مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾(32)، يقال إنَّها كانت ريحاً محرقة، أو أنها جلبت الحريق، فكان الإنسان الذي تقتلعه الريح -كما أفادت آيات القرآن-، تقتلعه محترقاثم ترميه فيكون كالنخلة المنقعرة: يعني التي اقتُلعت من مغارسها وأصبحت ممتدَّةة على الارض، ثمّ عبَّرت آيات أخرى بأنهم ﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾(33) يعني إذا جاءت النار وأحرقت هذه النخلة فماذا تصير؟ نخلة محروقة ممتدة على الأرض خالية من أيّ حياة، هكذا أصبحوا، وهكذا أصبح عمرانهم ﴿مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾(34).

 

هذه بعض المعالم التي أعطانا إياها القرآن عن هذه القبيلة. طبعاً، القرآن لم يكن كتاب تأريخ، وأنما هو كتاب هداية، يقتطع من التأريخ ما يصبُّ في هذا السياق. نستكمل الحديث في الجلسة الثانية .. ان شاء الله تعالى

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الفجر / 6-12.

2- سورة الفجر / 1-4.

3- سورة الفجر / 5.

4- سورة الفجر / 13-14.

5- سورة الحاقة / 5-10.

6- سورة الأعراف / 69.

7- سورة الشعراء / 128.

8- سورة الشعراء / 128-130.

9- سورة هود / 52.

10- سورة الأعراف / 69.

11- سورة القمر / 19-20.

12- سورة الحاقة / 7-8.

13- سورة هود / 53.

14- سورة هود / 54.

15- سورة هود / 59.

16- سورة هود / 59-60.

17- سورة الشعراء / 136.

18- سورة هود / 53.

19- سورة المؤمنون / 39.

20- سورة المؤمنون / 40.

21- سورة الأحقاف / 24.

22- سورة الأحقاف / 24-25.

23- سورة القمر / 21.

24- سورة الحاقة / 7-8.

25- سورة يونس / 24.

26- سورة الحاقة / 8.

27- سورة القمر/ 18-19.

28- سورة القمر/ 19-20.

29- سورة القمر / 20.

30- سورة الذاريات / 41.

31- سورة الذاريات / 41-42.

32- سورة الذاريات / 42.

33- سورة القمر / 20.

34- سورة الذاريات / 42.