التوحيد في الشفاعة والمغفرة

إنَّ هناك آيات تخص الشفاعة بالله لا يشاركه فيها غيره مثل:

 

قوله سبحانه: ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾(1).

 

وقوله سبحانه: ﴿قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(2).

 

وغير ذلك من الآيات. غير أنَّ بعض المشركين كانوا يعبدون الأصنام معتقدين بأنَّ الشفاعة حق مطلق لهم، وأن الله فَوّض ذلك الحقَّ إليهم.

 

يقول سبحانه: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّموَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾(3).

 

وقال سبحانه: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ﴾(4).

 

فهاتان الآيتان تردان على المشركين بأنَّ الأصنام لا تملك شيئاً، فكيف تشفع لهم؟!

وقد أبطل سبحانه هذ المزعمة بصور مختلفة قال سبحانه: ﴿وَالأَمْرُ يَوْمَئِذ للهِ﴾(5).

 

وقال: ﴿وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ﴾(6).

 

وقد ورد النصّ بشفاعة طائفة عند الله بإذنه قال سبحانه: ﴿يَوْمَئِذ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً﴾(7).

 

وقد صرّح سبحانه في الذّكْر الحكيم باختصاص الشفاعة به قال عزّ وجل: ﴿أَلاَ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(8) وقال سبحانه: ﴿فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ﴾(9).

 

فالموحّد في هذا المجال لا يرى مثيلاً لله سبحانه في أمر المغفرة. وأما الأنبياء والأولياء فلهم حقّ الاستغفار للمذنبين، كما أنَّ للمذنبين الرجوع إليهم والطلب منهم أنْ يستغفروا لهم قال سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً﴾(10).

 

وقال سبحانه حاكياً عن أبناء يعقوب: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ / قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(11).

 


1- سورة الأنعام / 51.

2- سورة الزمر / 44.

3- سورة يونس / 18.

4- سورة الزُّمر / 43.

5- سورة الإِنفطار / 19.

6- سورة البقرة / 166.

فهذه الآيات تخصّ حق الشفاعة بالله سبحانه وتسلب عن الأصنام حقّها. فمن زعم أنَّ الشفاعة على وجه المِلْكِيّة التامة بيد المخلوق فهو مشرك. وأمَّا من قال بأنَّ هناك عباداً صالحين تقبل شفاعتهم عند الله في إطار خاص وشرائط معينة في الشفيع والمشفوع له بإذن منه سبحانه، فهو لا ينافي اختصاص حقّ الشفاعة بالله سبحانه.

7- سورة طه / 109.

وبذلك يظهر حال المغفرة، فإنَّ المغفرة وحطّ الذنوب والتكفير عن السيئات حقه سبحانه. ومن زعم أنَّ غيره سبحانه يملك أمر الذنوب ويغفرها ويكفر عنها فهو مشرك في مجال التَّوحيد الأفعالي.

8- سورة الشورى / 5.

9- سورة آل عمران / 135.

10- سورة النساء / 64.

11- سورة يوسف / 97-98. ومع ذلك كله فالمغفرة بيد الله سبحانه.