حديث حول سورة المدثر -6
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وخاتم النبيين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى آله الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم، وأكرمنا بنور الفهم، وأفتح علينا أبواب رحمتك، وأنشر علينا خزائن علومك.
قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ / فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ / فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ / عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾(1)
صدق الله مولانا العلي العظيم
هذه الفقرة من السورة المباركة هي آخر أمرٍ خوطب النبي (ص) به في هذه السورة، فقد خوطب بعددٍ من الأوامر تحدثنا عنها فيما سبق، وهذا هو آخر الخطابات بالأمر.
﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾
فالصبر والذي هو من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد قد لا يكون له أثر أخروي عندما لا يكون الصبر لوجه الله عزَّ اسمه وتقدس، وحده الصبر الذي ينشأ عن قصد التقرب لله هو الذي يترتَّب عليه الثواب من عند الله جلَّ وعلا، وأما لو صبر الإنسان لغايةٍ شخصية في نفسه فإن كان للصبر نفع فإنَّه يترتب، إلا انَّ الأثر الأخروي لو كان يرجوه الصابر فإنه لن يجده، فالكثير من الناس قد صبروا لأنَّهم يرون أن الصبر هو مقتضى التعقُّل وأنَّه بالصبر يتحصُّل الإنسان على غايته لذلك فهو يصبر وينتج عن ذلك الوصول للهدف المرجو، فيصبر العاقل مثلاً على طلب العلم فيُصبح عالماً، ويصبر العاقل على الجهود المضنية التي تبذل من أجل التكسب فيصبح مليَّاً ثريَّاً، ويصبر العاقل على أذى الناس ويتَّسع لحماقاتهم صدرُه ليتحصَّل من ذلك على الشرف والسؤدد بين الناس فيجد هذا الأثر ماثلاً بعد حين، لكنَّه أثرٌ لا يتعدَّى الحياة الدنيا، أما الصبر الذي يُراد له أن يكون منشأً لرضوان الله عزوجل وليكون مستحقاً للوعد الإلهي في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾(2) فهو الصبر الذي يكون لوجه الربِّ جلَّ وعلا، ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾، ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾.
شهيد الحمار
يذكر بعض المؤرخين أنَّ رجلاً من الصحابة قُتل في معركةٍ من المعارك التي خاضها الرسول الكريم (ص) مع المشركين، فحينما وضعت الحربُ أوزارها أخذ المسلمون يتحدثون عن الشهداء وعن المجاهدين فوصفوا ذلك الرجل الذي قُتل بأنه رجلٌ قد أبلى بلاءً حسناً حتى راح إلى ربِّه شهيداً، ففوجئوا أن الرسول الله (ص) -كماهي الرواية- قال لهم: إنَّه شهيد الحمار، إنَّه شهيد الحمار، فصبره على مجالدة الأعداء وصبره على الطعن بالرماح والضرب بالسيوف لم يجدِ له نفعاً، بل إنَّ زهاق روحه في هذا الطريق لم ينتهِ به إلى خير، لماذا؟ لأنَّ هذا الصبر الذي صبره وهذه المجالدة التي جالد بها المشركين وهذه الدماء التي سفكها ودمه الذي سفك لم يكن شيء منه لله جلَّ وعلا، بل كان -كما أفادت هذه الرواية- كل قصده من تلك المنافحة والمقاومة هو أنَّ يدفع عن دابته وعن أمواله حتى لا يغتنمها الكفار منه، فهو لم يجاهد من أجل إعلاء كلمة الله ولم يكن بقصد التقرب إلى الله عزوجل، لذلك فهو حين سقط ميتاً صار شهيداً للحمار الذي كان يدافع عنه وكان غرضه التحفظ على هذا الحمار أو كان غرضه أن ينتصر المسلمون فيحصل حينذاك على غنيمةٍ حمارٍ أو جملٍ أو شيئٍ من ذلك، ولهذا فهو حينما يقتل في هذا السبيل يكون شهيد الحمار.
وفي الرواية عن أهل البيت (عليهم السلام) أن الرجل يُسأل يوم القيامة ماذا صنعت في الدنيا؟ فيقول: جاهدت في سبيل الله، وصبرت على الأذى، وأبليت في هذا الطريق بلاءً حسنا، فقَتَلتُ ثم قُتِلت، كل ذلك من أجلك يا رب، فيقول الله له: كذبت، فتقول له الملائكة: كذبت، لم تكن قد فعلت الذي فعلته من أجل الله، وإنما ليقال أنَّك شجاع، وقد قيل، وقد قيل. فيُسأل الآخر، فيقول لربِّه أنه كان يقرآ القرآن -مضمون الرواية- ويقيم الصلاة ويصوم ويفعل الطاعات والخيرات والمبرَّات، كل ذلك من أجل الله، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت، إنَّما فعلت ذلك ليقال أنك رجل صالح، وقد قيل، وقد قيل.
إذن لا تُقبل الأعمال وإن كانت صالحة إلا أن تكون خالصة لوجه الله، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾(3)، ويقول النبي الكريم: "إنما -وهي للحصر- إنما الأعمال بالنيات، ولكلِّ امرءٍ ما نوى"(4).
فالصبر كذلك أيها الأخوة، كم من رجلٍ يصبر على فقد حبيبه فلا يُظهر جزعاً حتى لا يقال أنَّه قد جزع، وكم من رجلٍ يصبر على الكثير من العناءات حتى لا يشمت به الأعداء، يُروى أنَّ معاوية قد أُصيب في نهاية عمره قبل أن يهلك بمرض جلدي نشأت عنه الكثير أو العديد من القروح والدماميل في جسده وتغيَّرت على إثرها سحنةُ وجهه وجسده، فكان إذا أراد أن يستقبل الناس يأمر خدمه حشمه أن يُجلسوه ويسووا عليه الثياب والرداء حتى يظهر بمظهر المتماسك فيجلس أمامهم وكأنَّه غير مألوم وغير موجوع، وهذا نوع من الصبر، فهو يصبر على الألم فلا يظهره، ويصبر على الوجع فلا يظهره، فحين خرج آخر من كان في المجلس كما يذكر الأدباء أو كان في طريقه للخروج أخذ معاوية ينشد:
وتجلُّدي للشامتين أُريهم ** أنَّي لريب الدهر لا أتضعضع
هذا الغرض وهذه هي الغاية من الصبر.
وتجلُّدي للشامتين أريهم ** أنَّي لريب الدهر لا أتضعضع
فأجابه:
وإذا المنيةُ أنشبتْ أظفارها ** ألفيتَ كلَّ تميمة لا تنفع
إذن، يقول الله عزوجل: ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾، اصبر يا محمد (ص) على أذى هؤلاء المشركين فأمامهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم، وعاقبة ما كانوا قد أجرموه في حقك، اصبر فأمامهم يوم عسير يجدون فيه غبَّ ما اجترحوه، ويجدون فيه حصيلة ظلمهم لك وتجدُ أنت عاقبة صبرك.
﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ / فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ / فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ / عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾(5).
ما هو النقر في الناقور؟
النقر في الناقور هو عينه الذي أفادته آيات أخرى بعبارة النفخ في الصور، كما في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ / وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً / فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾(6) في هذه الآية وفي آيات أخرى عبَّر القرآن عن النقر بالنفخ في الصور، وهنا عبرت الآية مورد الحديث بالنقر في الناقور، والناقور بحسب الاستعمال اللغوي هو آلة يُنفخ فيها أو يُنقر فيها لغرض التصويت، فإذا نفخ فيها أظهرت صوتاً عالياً، وقد كانت العرب نظراً لبدائية وسائلهم تتخذ من قرن الثور وسيلة للتصويت باعتباره مجوفاً وأحد طرفيه يكون متسعاً والطرف الآخر يكون ضيقاً، فيضع الناقر فمه في الطرف الذي يكون ضيقاً فينفخ فيه، فيترتب عن نفخه ظهور صوتٍ عال يسمعه البعيد فضلاً عن القريب، هذا الناقور يستعمل عادةً للإيذان والإعلان عن أنَّ القافلة -قافلة السفر- سوف تشرع في المسير، فكل من كان متأخراً أو تخلَّف لحاجة فعليه أن يبادر للإلتحاق لأنَّ القافلة ستشرع في الرحيل، فيُنفخ في الناقور لهذا الغرض، أو ينفخ في الناقور لغرض الإعلان والإيذان عن وصول القافلة من السفر، وقد يُنفخ في الناقور للإعلان عن وصول الجيش إلى هذه الأرض، أو للإيذان بأن الجيش سوف ينسحب من هذا الموقع، أو أن الحرب قد بدأت، فتُقرع الطبول ويُنقر في الناقور للإعلان عن بدأ الحرب، هذا هو الناقور، والقرآن استعمله هنا للكناية عن أن الله عزوجل قد بعث الأرواح في الأجساد ليقوم الناس لرب العالمين يوم القيامة، ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ﴾(7)، إذن النفخ في الصور إعلان وإيذانٌ بالحشر وانَّه قد حان حين الحشر والبعث للناس، ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ -أي من القبور- إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾(8)، هذا هو المراد من النفخ في الصور والنقر في الناقور.
والقرآن استعمل كلمتي النفخ في الصور أكثر من استعماله لكلمتي النقر في الناقور، فالنقر في الناقور استُعملت في سورة المدثر وحسب، أما النفخ في الصور فاستُعملت في القرآن في عشرة مواضع، ويظهر من ملاحظة الآيات وكذلك الروايات الواردة عن الرسول (ص) وأهل بيته الذي يظهر منهما أن ثمة نفختين في الصور:
الأولى: تكون إيذاناً بانتهاء الدنيا وانقضاء الحياة فيها.
والثانية: تكون إيذاناً بوقوع البعث للأرواح في الأبدان للحساب يوم القيامة.
فنفخٌ في الصور يكون للإيذان والإعلان عن نهاية الدنيا، ونفخٌ آخر في الصور يكون للإيذان والإعلان عن بداية يوم المبعث للناس -أي يوم القيامة-. وأما الزمن الفاصل بين النفختين فلا يعلم مداهُ إلا الله عزَّ اسمه وتقدس، فمن الآيات التي أشارت إلى أنَّ النفخ يكون للإيذان بانتهاء الدنيا فهو مثل قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾(9)، هذه النفخة الأولى يترتب عنها فزع وذلك لأن هذه النفخة ينبعث عنها صوتٌ هائل عظيم، يفزع منه الناس فيصعقوا لهول هذا الصوت، فكل مَن في السماوات من أرواح، وكل من في الأرض وما في الأرض من ذي روح قد بقي ولم يمت بعدُ فإنه يموت بهذه النفخة، ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ﴾(10)، وكذلك ورد في آية أخرى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ﴾(11)، فهذه تشير أيضاً إلى النفخة الأولى.
وهناك آياتٌ أخرى واضحة في أنَّ ثمة نفخة يتعقبها البعث والحشر للناس وهي مثل قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا / وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا﴾(12)، هذه النفخة إذن هي النفخة الثانية التي تكون إيذاناً ليوم الحشر، ويقول الله تعالى في آية أخرى: ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا / يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا﴾(13)، هذه نفخة وتلك إذن نفخة أخرى.
وهناك آية جمعت بين الحكاية عن النفختين وهي قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾(14)، هذه الآية جمعت بين الإشارة إلى النفختين.
ثم انَّ القرآن الكريم أخبر عن وقوع النفخة بعبائر أُخرى، مضافاً إلى التعبير عن ذلك بالنفخ في الصور، فالنفخ في الصور -كما قلنا- ينشأ عنه صوتٍ هائلٍ عظيمٍ ومرعب يترتَّب عليه أن يُصعق كلُّ مَن في الوجود، فعبَّرت آيات أخرى عن هذه النفخة بالصاخة التي تصخُّ الأسماع وتصكُّها لهولها وتعاظمها، ﴿فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ / يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ / وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ / وَصَاحِبَتِهِ -يعني زوجته- وَبَنِيهِ / لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾(15)، فاستعمل الصاخة بدل النفخ في الصور، يعني هناك النفخ في الصور وهو ما ينشأ عنه الصاخَّة، فالصاخَّة هي أثر النفخ في الصور.
واستعملت الآيات عبارةً أخرى وهي الصيحة في سورة يس: ﴿مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾(16)، هم مشغولون في شؤوناتهم يختصمون في حوائجهم، فيفاجؤون بهذه الصيحة المؤذِنة بوقوع اليوم الذي ينتهي فيه الوجود من هذه الدنيا، ﴿مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾(17)، فقوله: ﴿وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾ يدلُّ على أنَّ الصيحة تكون مفاجئة ومباغتة، فتأخذهم وهم مشغولون يختصمون في شئوناتهم، فاستعملت الآيةُ الصيحةَ في النفخة الأولى، وآية أخرى أيضاً من سورة يس استعملت الصيحة في النفخة الثانية، قال تعالى: ﴿إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾(18)، فهذه صيحة يتعقَّبها البعث والحشر ليوم القيامة، فصيحةٌ ينتهي بها الوجود لعالم الدنيا، وصيحة أخرى يقوم عندها كلُّ الناس لربِّ العالمين.
وقد ورد في الروايات أنَّ الذي ينفخ في الصور هو إسرافيل (ع)، هذا الملك موكَّلٌّ بهذه المهمة، حتى ورد في رواية أنَّ جبرئيل (ع) كان جالساً مع النبي (ص) يُحادثه، وفي الأثناء رأى النبيٌّ (ص) جبرئيل وقد انتقع وأصابه نوع من الهلع ثم لاذَ برسول الله (ص) -كما يلوذ الطفل بأمِّه حين يفزع، فجبرئيل والذي هو أفضل الملائكة الله على الإطلاق يلوذ برسول الله (ص)- والسبب هو أنَّ هناك ملكٌ عظيم يهبط من السماء قاصداً رسول الله (ص) فحين رمقه جبرئيل أصابه الهلع، وحين وصل هذا الملك للرسول بلَّغه سلامَ الربِّ جل وعلا ثم حدَّثه عن أمر لا صلة له بحديثنا، فحين سمع جبرئيل المحادثة التي وقعت بين إسرافيل والنبي(ص) اطمئنَّ وعاد إلى حالته الأولى ثم حين عرج اسرافيل إلى السماء -والرواية طويلة-، سأل النبي (ص) جبرئيل (ع) عن من منشأ هلعه وفزعه؟ فقال: هذا إسرافيل وما نزل من موقعه منذ أنْ خلقه الله تعالى، فحين رأيته قد نزل إليك، حسبت أن الله قد أذن له بالنفخة الأولى، التي يترتب عنها موت كلِّ خلق الله من الملائكة والإنس والجن والحيوان والطير، فأصابني هلع وخشية، ثمَّ حين سمعته يحادثك في شأنٍ آخر علمت أن الأمر لم يحن بعد.
وقد ورد عن الإمام السجاد (ع) -ونختم بذلك الحديث- انَّه سئل عن النفختين -نذكر جزءاً من مضمون الرواية-، قال (ع): فإذا أُذن لإسرافيل أن ينفخ في الصور النفخة الأولى فلا يبقى حينذاك ذو روح في الأرض إلا صعق ومات، ولا يبقى في السماوات ذو روحٍ إلا صعق ومات إلا إسرافيل، فإذا لم يبقَ من أحد في السماوات والأرض يقول الله عزَّوجل لإسرافيل: يا إسرافيل مُت فيموت فلا يبقى من أحد، فيقول الله: ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾(19)، ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾(20).
ونستكمل الحديث فيما بعد.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- سورة المدثر / 7-10.
2- سورة الزمر / 10.
3- سورة البينة / 5.
4- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج1 / ص49.
5- سورة المدثر / 7-10.
6- سورة الحاقة / 13-15.
7- سورة طه / 102.
8- سورة يس / 51.
9- سورة النمل / 87.
10- سورة النمل/87.
11- سورة الزمر / 68.
12- سورة الكهف / 99-100.
13- سورة طه / 102-103.
14- سورة الزمر / 68.
15- سورة عبس / 33-37.
16- سورة يس / 49.
17- سورة يس / 49.
18- سورة يس / 53.
19- سورة غافر / 16.
20- سورة الرحمن / 27.