الضمير في: ﴿أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ﴾

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

﴿وَمِنْ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(1) الجملة في الآية الكريمة ﴿إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ﴾ هل تعودُ على قوله تعالى: ﴿وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ﴾؟ أم على ماذا تدلُّ؟

 

الجواب:

قيل إنَّ الضمير في قوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ﴾ يعودُ على الإنفاق، وعليه يكونُ معنى الآية هو أنَّ مَن يُنفقُ مالَه في وجوه البرِّ والإحسان بقصد التقرُّبِ إلى الله تعالى فإنَّ ذلك الإنفاقَ يكونُ مقرِّباً له من الله تعالى، فالإنفاقُ في وجوه البرِّ بقصد القربةِ يُنتجُ القربَ من الله تعالى، وذلك في مقابل الإنفاق في وجوه البرِّ دون قصد القربةِ لله تعالى فإنَّه لا يُوجب القربَ من اللهِ تعالى.

 

وقيل إنَّ الضمير في قوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ﴾ يعودُ على صلواتِ الرسول (ص) أي دعواتُه للمنفِقِ بالرحمة والمغفرة، وعليه فمعنى الآية أنَّ صلواتِ الرسول (ص) ودعواتِه للمنفِق بالرحمةِ والمغفرة تُقرِّبه من الله تعالى أي تجعلُه قريباً من رحمة الله تعالى، ولعلَّه لذلك ذُيِّلت الآية بقوله تعالى: ﴿سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

 

ولا يبعدُ عودُ الضميرِ على كلٍّ من القرباتِ والصلواتِ فيكونُ مفاد الآية هو أنَّ الإنفاق بقصد القربة في وجوه البرِّ المتبوع بصلواتِ الرسول (ص) ودعواتِه للمنفِق بالرحمةِ والمغفرة موجبٌ للقربِ من الله تعالى أي مُستوجِب لرحمة الله تعالى على المنفِق. فإنَّ الظاهر من قوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ﴾ أنَّه في مقام التنبيه -كما هو مفاد كلمة ألا- على أنَّ الصورة التي فرضتها الآية هي من الصور المقرِّبة من رحمة الله تعالى، ومن المعلوم أنَّ الصورة المفترضة في الآية هو الإنفاقُ في وجوه البرِّ -المعبَّر عنه بالقربات- المتبوعُ بصلوات الرسول (ص) فيكونُ مفاد الآية أنَّ الإنفاق في وجوه البرِّ المتبوعَ بصلواتِ الرسول (ص) مستوجبٌ للقربِ من رحمة الله تعالى.

 

فالرسولُ (ص) كان مأموراً بالدعاء والصلاة على المتصدِّقين، كما أفاد ذلك قولُه تعالى في آية أخرى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(2)، فقولُه تعالى: ﴿أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ﴾ بُشرى من الله تعالى يُبشِّرُ بها الأعرابَ وسكَّانَ البوادي الذين يُنفقون أموالَهم في وجوه البرِّ بقصد التقرُّب فيدعو لهم الرسول (ص) ويصلِّي عليهم، هذه البشرى هي أنَّهم يُصبحون بذلك قريبين من رحمةِ الله و﴿سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

 

والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة التوبة / 99.

2- سورة التوبة / 103.