القرآنُ نَزَلَ بإيَّاك أعني واسمعي يا جارة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

المسألة:

عن الإمام الصادق (ع) قال: "نزَلَ القرآنُ بإيَّاك أعني واسمعي يا جارة"(1) ما معنى ذلك؟

 

الجواب:

معنى ذلك أنَّ القرآن قد يُخاطب النبيَّ (ص) ببعض الخطابات ويكون المَعنِيُّ من ذلك الخطاب هو الناس.

 

ومثال ذلك قولُه تعالى مُخاطباًنبيَّه (ص): ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾(2) وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾(3) وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ / وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إلى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ / وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ..﴾(4).

 

فمثلُ هذا الآيات وإنْ كان المخاطبُ فيها هو النبيَّ (ص) إلا أنَّ المَعنِيَّ من هذه الخطابات هو عموم الناس.

 

وهذا الأسلوب من الكلام متعارَفٌ عند أهل المحاورة، فكثيراً ما يُخاطِبُ أحدٌ صاحبَه ويكونُ المقصود من الخطاب هو مَن يسمعُ ذلك الخطاب، فقد يعلمُ الملقي للخطاب أنَّ المتلقِّيَ لخطابه مستغنٍ عن مفاده ولكنَّه يُخاطبُه به لينتفع به مَن يصل إليه ذلك الخطاب. فقد يكونُ ذلك أوقع في نفس مَن وصل إليه الخطاب ممَّا لو كان هو المُخاطَب ابتداءً خصوصاً إذا كان المُخاطَب يحظى بموقعٍ متميِّز في نفوس المَعنيِّين بالخطاب كما هو النبيُّ (ص) في نفوس المسلمين، فهم يرون له مقاماً سامياً عند الله تعالى، فإذا خُوطب وهو النبيُّ الأحظى عند الله من سائر الأنبياء بمثل قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ فإنَّ وقع ذلك على قلوب المؤمنين يكون بليغاً وسيدفعُهم هذا الخطاب إلى التشدُّد في الحرص على عدم الوقوع في الشرك لأنَّه إذا كان وقوعه من النبيِّ (ص) موجباً لحبْط عملِه فوقوعُه منهم أولى بحبط أعمالهم التي مهما تعاظمت فهي لن تضاهيَ معشار الصالحات من أعمال النبيِّ الكريم (ص).

 

فقولُه تعالى لنبيِّه (ص): ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ لا يعني إمكانيَّة صدور الشرك من الرسول (ص) فذلك مستحيلٌ وقوعاً نظراً لعصمته فهو ليس معنيَّاً بهذا الخطاب وإنَّما الغرض من توجيه الخطاب إليه هو التعبير عن خطورة هذا الذنب والتأكيد على لزوم حذر المؤمنين من الوقوع فيه.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- الكافي -الشيخ الكليني- ج2 / ص630-631.

2- سورة الزمر / 65.

3- سورة الأحزاب / 1.

4- سورة القصص / 86-88.