لا منافاة بين الشفاعة وقوله تعالى ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

السؤال:

كيف يشفع الأئمة (ع) للمُذنبين يوم القيامة والقرآن الكريم ذكر في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾(1)؟

 

الجواب:

الوِزْر هو الحمل الثقيل، والمرادُ منه في الآية المباركة هو الإثم الذي يقترفُه الإنسان، ومنشأُ التعبير عن الإثم بالوزر هو أنَّ الإنسان حين يقترفُ الإثم فإنَّه يتحمَّل تبعاتِه، ولأنَّ تبعاته في الآخرة ثقيلة ومُضنية فهو أشبهُ شيءٍ بالحمل الثقيل الذي يوضع على كاهل الإنسان فينوء به وينتابُه من حمله الجهد والرَهَق.

 

ومعنى الوازرة هي الحاملة للثقل، والمراد منها في الآية المباركة النفس المقترفة للإثم، فهي الحاملة لتبعاتِ الإثم الذي اقترفته.

 

وعليه فالمرادُ من قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ هو أنَّه لا تحملُ نفسٌ آثمةٌ إثمَ غيرها، فهي لا تحملُ إلا وزرها أي أنَّها لا تتحمَّل ولا تُدان بغير الإثم الذي اقترفته، أمَّا الوزر والإثم الذي اقترفتْه النفسُ الأخرى فإنَّ تلك النفس الأخرى هي مَن يتحمَّل تبعاتِ ذلك الوزر والإثم.

 

ومن ذلك يتَّضح أنَّه لا يصحُّ في الإسلام إلقاء تبعاتِ الإثم على غير مَن اقترفه، فالمُقترِف للإثم هو المسئول وحدَه عن تبعات ما ارتكبه من إثم، فلا يُؤخَذُ الولد بأبيه أو أخيه كما لا يُؤخذ الرجل بذنب ولدِه أو زوجتِه. وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾(2).

 

وبما ذكرناه يتبيَّن أنَّه لا منافاة بين الآية المباركة وبين الشفاعة، فإنَّ الشفاعة لا تعني تحمُّل الشفيع لأوزار وآثام مَن يشفعُ له، وإنَّما هي بمعنى طلب الشفيع من الله تعالى أنْ يصفح عن المُذنب وأنْ يتجاوز عن آثامه ويغفرَها له، فإذا قبِل اللهُ تعالى شفاعةَ الشفيع أسقط عن المذنب تبعاتِ ذنوبه دون أنْ يُحمِّلها غيرَه.

 

ومقام الشفاعة يحظى به الرسول الكريم (ص) بالدرجة الأولى وكذلك الأنبياء والأئمة من أهل البيت (ع) وذلك لموقعِهم السامي عند الله تعالى وكرامتِهم لديه جلَّ وعلا فهو تعالى يقبلُ دعاءهم وتشفُّعهم في بعض العصاة فيُسقط عنهم تبعاتِ ما ارتكبوه من ذنوب او بعض ما ارتكبوه.

 

على أنَّ شفاعتهم تكون بإذن الله تعالى كما أفاد القرآن الكريم: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ وأفاد في موضعٍ آخر: ﴿وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾(3) وهم لا يشفعون إلا لمَن ارتضاه الله، قال تعالى: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾(4) فثمةَ من العصاة مَن لا يقبلُ اللهُ تعالى فيه شفاعةَ الشافعين.

 

ثم إنَّ الشفاعة قد تسبقُ العذاب فيدفع اللهُ تعالى عمَّن نالته الشفاعة عذابَ جهنم، وقد لا يأذن اللهُ في الشفاعة لبعض العصاة إلا بعد أنْ ينالَهم العذاب في جهنم أحقاباً مديدة، فيكون أثرُ الشفاعة هو تقليل المدَّة التي يستحقُّ العاصي أن يمكثَها في جهنم.

 

وقد دلَّت على ذلك رواياتٌ كثيرة:

منها: ما رواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا بإسناده عن الإمام الرضا (ع) قال: ".. ومذنبوا أهل التوحيد لا يخلدون في النار ويخرجون منها، والشفاعة جائزةٌ لهم"(5).

 

ومنها: ما رواه الحرُّ العاملي في الفصول المهمة بسنده عن أبي بصير قال: سمعتُ أبا جعفر (ع) يقول: "إن قوماً يُحرقون في النار حتى إذا صاروا حمماً أدركتْهم الشفاعةُ"(6).

 

ومن طرق العامة عن النبيِّ (ص) قال: "ليخرجن قومٌ من أُمَّتي من النار بشفاعتي يُسمَّون الجهنَّميُّون"(7).

 

وفي مسند أحمد بن حنبل بسنده عن أبي سعيد عن النبيِّ (ص) قال: "إنَّ أهل النار الذين هم أهل النار لا يموتون فيها ولا يحييون ولكنَّها تُصيب قوماً بذنوبِهم أو خطاياهم حتى إذا صاروا فحماً أُذِن في الشفاعة فيَخرجون ضبائر ضبائر فيُلقون على أنهار الجنَّة"(8).

 

فالشفاعةُ لا تعني بالضرورة إعفاء العصاة من عذاب جهنَّم مطلقاً بل قد ينالُهم العذاب ثم تُدركهم الشفاعة.

 

والحمد لله ربَّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الزمر / 7.

2- سورة فاطر / 18.

3- سورة سبأ / 23.

4- سورة الأنبياء / 28.

5- عيون أخبار الرضا (ع) -الشيخ الصدوق- ج1 / ص133.

6- الفصول المهمة في أصول الأئمة -الحر العاملي- ج1 / ص379.

7- سنن الترمذي -الترمذي- ج4 / ص114.

8- مسند احمد -الإمام احمد بن حنبل- ج3 / ص79.