آيةُ التطهير لا تشملُ زوجات النبيِّ (ص)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
يثير بعض المخالفين شبهةً حول قولِنا بأنَّ آية التطهير خاصَّةٌ بأصحاب الكساء (ﻉ) استناداً الى سبب نزول الآية، وذلك بقولِهم بأنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلذلك حتى لو نزلت الآيةُ في أصحاب الكساء (ﻉ) فهذا لا يمنعُ من دخول نساء النبيِّ (ص) معهم لأنَّهم من أهل البيت بالدليل اللغويِّ للكلمة ولقولِه تعالى ﴿رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾. فكيف الردُّ على هذا الكلام؟
الجواب:
أولاً: دخولهنّ في آية التطهير يتنافى مع الروايات
دخول نساء النبيِّ (ص) في ضمن مَن نزلت فيهم آية التطهير يتنافى مع الرواياتِ الكثيرة الواردة من طرق العامَّة فضلاً عن طرقنا، فقد اشتملت هذه الروايات على أنَّ السيدةَ عائشة وكذلك السيّدة أمَّ سلمة زوجة الرسول (ص) والتي نزلت آية التطهير في بيتها أرادت أنْ تكون مع الخمسة تحت الكساء أو الرداء الذي تجلَّل به رسول الله (ص) وجلَّل به فاطمة وعليًّا والحسنين(ع)، فهي حين أرادت أن تكون معهم منعها ولم يأذن لها وقال لها: "تنحَّي فإنَّكِ إلى خير"(1) أو قال لها: "أنتِ إلى خير"(2) أو قال: "أنتِ من أزواج النبيّ (ص)"(3) أو قال لها: "مكانكِ أنتِ على خير"(4) وفي رواية: "قفي مكانكِ إنَّكِ على خير"(5) وفي رواية أرادت أنْ تدخل معهم فجذب النبيُّ الكساء من يدي وقال: "إنَّكِ على خير"(6)، أو قال لها بعد أنْ سألته: ألستُ من أهل البيت؟ قال: "أنتِ إلى خير"(7)، وفي رواية إنَّ أمَّ سلمة قالت: فأدخلتُ رأسي البيت فقلتُ: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال (ص): "إنَّكِ إلى خير إنّكِ إلى خير"(8).
وفي رواية أنَّ رسول الله (ص) بعد أنْ جمع عليًّا وفاطمة والحسن والحسين (ع) تحت الثوب قال: "اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي وحامَّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرًا".
قالت: يا رسول الله ألا أدخل معكم؟ فقال رسول الله (ص): "مكانكِ فإنَّكِ إلى خير إنْ شاء الله"(9).
وثمّة روايةٌ أخرى أنّه أدنى عليًّا وفاطمة فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنًا وحسينًا كلّاً منهما على فخذه ثمَّ لفَّ عليهم ثوبه أو قال كساءه ثمَّ تلا ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ ثمَّ قال (ص): "هؤلاء أهلُ بيتي وأهل بيتي أحقّ"(10).
والروايات في ذلك كثيرة متواترة، وهي صريحةٌ في أنَّ نساء النبيِّ (ص) لم يكنَّ مشمولات للآية المباركة وإلا فلا معنى لاستبعاد أمِّ سلمة وتنحيتها وهي من خيرة نساء النبيِّ (ص) ولا معنى لتجليلهم بالكساء أو الثوب ثمَّ الإشارة إليهم بأنَّ هؤلاء هم أهل بيته وحامّته يفعل ذلك في محضر إحدى نسائه ثمَّ لا تكون ممّن جُلِّل معهم بالكساء ولا ممَّن تمَّ توصيفهم بأهل البيت (ﻉ) بل إنَّها لمّا أن أرادت أن تحظى بهذه الفضيلة منعها ثمَّ سلاّها بقولِه إنَّكِ إلى خير.
وقد ورد في روايةٍ أنَّ أمَّ سلمة قالت بعدما سألت الرسول (ص) أنّها من أهل البيت فقال لها :أنتِ من صالح نسائي، قالت: فلو كان قال: نعم، كان أحبُّ إليَّ ممّا تطلع عليه الشمسُ وتغرب)(11).
فهي قد فهمت أنَّها ليست من المعنيِّين بالآية المباركة، ولذلك فهي تتحسَّر وتتمنَّى لو كانت ممَّن شملتهم الآية المباركة وإنَّ ذلك أحبُّ إليها ممَّا تطلعُ عليه الشمس وتغرب.
أي أنَّ ذلك أحبُّ إليها من الدنيا وما فيها.
وكلُّ هذه الروايات التي أشرنا إليها وأغفلنا أكثرَها رواها علماءُ العامّة ومحدِّثوهم.
تمحّلات واهية:
ودعوى أنَّ ام سلمة انَّما لم تُجلَّل معهم بالكساء لمكان عليٍّ (ع) بينهم حيث إنَّها محرَّمة عليه، هذه الدعوى واضحةُ الوهن، وذلك لصراحة الروايات في منشأ عدم تجليلها بالكساء، ولو كان ذلك هو المنشأ لما كان أيسر على رسول الله (ص) من أن يُبيِّن لها ذلك لمَّا رأى من شدَّة رغبتِها في أن تكون معهم تحت الكساء ولكان التعليل بذلك أقرب الى تسليتِها من قوله (ص): "تنحَّي انتِ الى خير أو مكانَك إنَّك الى خير" الصريح في أنَّها ليست مشمولةً لهذه الفضيلة وإنْ كانت الى خير.
ثم إنَّ وجود عليٍّ (ع) بينهم لا يمنع من أنْ تكون أُمُّ سلمة خلفَ رسول الله (ص) أو خلف فاطمة (ع)، فعدمُ ادخالها معهم تحت الكساء ومنعُها من ذلك مع رغبتِها وعدمُ ما يمنع من ذلك يؤكِّد اختصاص الآية المباركة بمَن جلَّلهم رسولُ الله (ص) بكسائه هذا أولًا.
صياغة الآية على نحو القضية الخارجية:
وثانيًا: إنَّ الآية المباركة صِيغت على نحو القضايا الخارجية والقضايا الخارجية مقفلة غيرُ قابلةٍ للانطباق على غير موردِها.
فحينما يُقال مثلاً "أوقفتُ هذه الدار على أولادي" فإنَّ مثل هذه القضية لا تقبل الانطباق على غيرِهم.
وهذا بخلاف قوله تعالى: ﴿وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾(12) فإنَّ هذه الآية وإنْ كان لها سبب نزول فإنَّه ورغم ذلك لا تختصُّ بمورد نزولها بل إنَّها تقبلُ الانطباق على كلِّ من حصلت له الاستطاعة.
فمساق آية التطهير كمساق قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾(13) فإنَّ مثل هذه الآية المباركة لا يُمكن تعديتها إلى نبيِّ آخر لمجرّد أنَّه نبيٌّ، ذلك لأنّ هذه الآية قضيّة خارجيّة تتحدث عن موضوع خارجيٍّ محدَّد.
ثمَّ إنَّ دعوى صدق عنوان أهل البيت على الزوجة لغةً غير مسلَّمٍ على إطلاقِه فإنَّ ذلك خاضعٌ للقرائن المكتنفة بالخطاب، فقد تقتضي دخول الزوجة تحت عنوان أهل البيت وقد لا تقتضي ذلك، وآية ﴿رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾(14) إنَّما كانت صادقةً على زوجة إبراهيم الخليل (ع) نظراً لاشتمال الخطاب على قرينة تقتضي ذلك.
ولمزيد من الإيضاح راجع ما ذكرناه في مقالنا: "عنوان أهل البيت هل يصدقُ على الزوجة".
والحمد لله رب العالمين
من كتاب: شؤون قرآنية
الشيخ محمد صنقور
1- شواهد التنزيل -الحاكم الحسكاني- ج2 / ص62، تفسير الثعلبي -الثعلبي- ج8 / ص43، تفسير ابن كثير -ابن كثير- ج3 / ص494.
2- سير أعلام النبلاء -الذهبي- قال: رواه الترمذي مختصرًا و صححه من طريق الثوري ج10 / ص347، جامع البيان -إبن جرير الطبري- ج22 / ص11، شواهد التنزيل -الحاكم الحسكاني- وقد وثق الرواية ج2 / ص85، وذكر لها طرقًا اخرى ج2 / ص98،88،87، أسد الغابة -ابن الأثير- ج2 / ص12، المعجم الكبير -الطبراني- ج3 / ص53، ج23 / ص249.
3- جامع البيان -إبن جرير الطبري- ج22 / ص11، شواهد التنزيل -الحاكم الحسكاني- ج2 / ص85، تفسير ابن كثير -ابن كثير- ج3 / ص493، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز -ابن عطية الأندلسي- ج4 / ص384.
4- شواهد التنزيل -الحاكم الحسكاني- ج2 / ص105، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج14 / ص141.
5- الفصول المهمة في معرفة الأئمة -ابن الصباغ- ج2 / ص1171، ينابيع المودة لذوي القربى -القندوزي- ج1 / ص320.
6- مسند احمد -احمد بن حنبل- ج6 / ص323، مسند أبي يعلى -أبو يعلى المو صلي- ج12 / ص344، المعجم الكبير -الطبراني- ج3 / ص53، الدر المنثور -جلال الدين السيوطي- ج5 / ص198، شواهد التنزيل -الحاكم الحسكاني- ج2 / ص115، الكامل -عبد الله بن عدي- ج5 / ص279، تاريخ مدينة دمشق -ابن عساكر- ج13 / ص203.
7- المعجم الكبير -الطبراني- ج3 / ص53، ج23 / ص249، شواهد التنزيل -الحاكم الحسكاني- ج2 / ص98.
8- مسند احمد -احمد بن حنبل- ج6 / ص292،304، مسند أبي يعلى -أبو يعلى المو صلي- ج12 / ص451، تفسير الثعلبي -الثعلبي- ج8 / ص42، فتح القدير -الشوكاني- ج4 / ص279، تفسير ابن كثير -ابن كثير- ج3 / ص492، أسباب نزول الآيات -الواحدي النيسابوري- ص239، تفسير السمعاني -السمعاني- ج4 / ص281، سير أعلام النبلاء -الذهبي- قال: اسناده جيد روي من وجوه ج3 / ص283، تهذيب الكمال -المزي- ج6 / ص229.
9- سنن الترمذي -الترمذي- قال: هذا حديث حسن صحيح ج5 / ص361، مسند أبي يعلى -أبو يعلى المو صلي- ج12 / ص451، المعجم الكبير -الطبراني- ج3 / ص55،54، تهذيب التهذيب -ابن حجر- ج2 / ص258، تاريخ الإسلام -الذهبي- قال: له طرق صحاح عن شهر وروي من وجهين عن ام سلمة ج5 / ص96.
10- مسند احمد -احمد بن حنبل- ج4 / ص107، المستدرك -الحاكم النيسابوري- قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ج3 / ص147، مجمع الزوائد -الهيثمي- ج9 / ص167، المصنف -ابن أبي شيبة الكوفي- ج7 / ص501، شواهد التنزيل -الحاكم الحسكاني- ج2 / ص67، تفسير الثعلبي -الثعلبي- ج8 / ص43.
11- شواهد التنزيل -الحاكم الحسكاني- ج2 / ص133، بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج35 / ص216.
12- سورة آل عمران / 97.
13- سورة الأحزاب / 56.
14- سورة هود / 73.