قوله تعالى: ﴿التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ﴾(1)

المسألة:

قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾(2).

 

السؤال الأول: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ﴾، من هو هذا النبيُّ؟

السؤال الثاني: ما هو المقصود من قوله تعالى ﴿التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ﴾؟

 

الجواب:

1- النبيُّ المقصود في الآية

أفاد الشيخ الطبرسي في مجمع البيان أنَّ المروي عن ابي جعفر (ع) هو انَّ النبيَّ المعنيَّ في الآية المباركة هو أشمويل وهو بالعربية إسماعيل، وأفاد انَّ أكثر المفسِّرين ذهبوا إلى ذلك(3)، والظاهر انَّ أشمويل هذا ليس هو إسماعيل الذبيح نجل النبيِّ إبراهيم (ع) لوضوح تقدُّمه زمناً طويلاً على الواقعة المذكورة في الآيات وهولاء المخاطبون في الآية من أعقاب إسرائيل والذي هو يعقوب بن اسحاق النجل الثاني لإبراهيم الخليل.

 

هذا وقد أفاد بعض المفسِّرين(4) انَّ النبيَّ المعنيَّ في الآية هو شمعون بن صفية من ولد لاوي بن يعقوب، وأفاد بعضُهم انَّه يوشع بن نون بن أخراشيم بن يوسف بن يعقوب(5).

 

2- المراد من التابوت والسكينة

وأما المرادُ من التابوت فهو الصندوق الذي وَضعت فيه أمُّ موسى وليدها موسى (ع) وألقتْه في اليم،بحسن ماورد عن أبي جعفر (ع) قال: " إنَّ التابوتَ كان الذي أنزله الله على أُمِّ موسى فوضعت فيه ابنها وألقته في البحر، وكان في بني إسرائيل معظَّماً يتبَّركون به، فلمَّا حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح -التوراة- ودرعه وما كان عنده من آثار النبوة، وأودعه وصيَّه يُوشع بن نون، فلم يزل التابوت بينهم وبنو إسرائيل في عزٍّ وشرفٍ ما دام فيهم حتى استخفَّوا به وكان الصبيان يلعبونَ به في الطرقات، فلمَّا عملوا المعاصي واستخفُّوا به رفعه اللهُ عنهم، فلمَّا سألوا نبيَّهم أن يبعث إليهم ملِكاً بعث اللهُ لهم طالوت وردَّ عليهم التابوت"(6).

 

والمرادُ من السكينة هو الطمأنينة والسكون الذي ينتابُ بني إسرائيل ببركة وجود التابوت بينهم، فقد كانت له آثارٌ اعجازيَّة كما ورد في بعض الروايات وكان وجودُه بينهم كان يبعث فيهمالاطمئنان بأنَّهم على حقٍّ وانَّ الطريق الذي يسلكونه مع طالوت كان هو طريق الأنبياء وانَّهم سيظفرون بعدوِّهم وينتصرون عليه بنصرِ الله جلَّ وعلا.

 

فمِّما ورد في ذلك عن أهل البيت (ﻉ) ما رُوي في معاني الاخبار قال سُئل الكاظم (ع) ما كان تابوتُ موسى وكم كان سعته؟، قال (ع): "ثلاثة أذرع في ذراعين، قيل: وما كان فيه، قال (ع): فيه عصا موسى والسكينة، قيل: وما السكينة؟ قال (ع): روح الله يتكلمُ، كانوا إذا اختلفوا في شيءٍ كلَّمهم وأخبرهم ببيان ما يُريدون"(7).

 

وورد في المأثور عن الرضا (ع) انه كان إذا وضع التابوت بين يدي المسلمين والكفار فإنْ تقدَّم التابوت رجلٌ لا يرجع حتى يَقتل أو يَغلب ومن رجع عن التابوت كفر وقتَله الامام(8).

 

وورد انَّ السكينة كانت ريحاً طيِّبة تنبعثُ من التابوت(9)، ورُوي عن الإمام عليِّ (ع) انَّها ريح هفَّافة من الجنَّة(10). هكذا ورد في الروايات والله أعلم بحقائق الأمور

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة البقرة / 248.

2- سورة البقرة / 248.

3- تفسير مجمع البيان -الشيخ الطبرسي- ج2 / ص140، تفسير ابن أبي حاتم -ابن أبي حاتم الرازي- ج2 / ص463، تفسير السمرقندي -أبو الليث السمرقندي- ج1 / ص187، تفسير الثعلبي -الثعلبي- ج2 / ص208، تفسير الواحدي -الواحدي- ج1 / ص178، تفسير السمعاني -السمعاني- ج1 / ص248 وغيرهم وروى القمي في تفسيره ان اسم النبي أرميا ج1 / ص81.

4- تفسير مجمع البيان -الشيخ الطبرسي- نسبه الى السدي ج2 / ص140، ونسب اليه ان شمعون هذا هو من ولد لاوي بن يعقوب ج1 / ص226، تفسير الثعلبي -الثعلبي- ج2 / ص208.

5- تفسير مجمع البيان -الشيخ الطبرسي- ج2 / ص140 وأفاد أنه ابن افرائيم بن يوسف بن يعقوب وكذلك الثعلبي في تفسيره ج2 / ص208، ونسب البغوي هذا القول إلى قتادة ج1 / ص226.

6- تفسير القمي -علي بن إبراهيم القمي- ج1 / ص81.

7- معاني الاخبار -الشيخ الصدوق- ص285.

8- تفسير القمي -علي بن إبراهيم القمي- ج1 / ص82.

9- تفسير القمي -علي بن إبراهيم القمي- ج1 / ص82.

10- التبيان -الشيخ الطوسي- ج2 / ص292، تفسير مجمع البيان -الشيخ الطبرسي- ج2 / ص144، ورواه السيوطي وغيره عن عليٍّ (ع) في الدر المنثور- ج1 / ص317.