إنكار المعاد الجسماني

المسألة:

رأيت جوابكم بشأن المعاد الجسماني، وأثار استغرابي بداية الإجابة وكانت كالتالي: "نعم الذي يبعثه الله تعالى يوم القيامة هو عين البدن الذي كان في الدُّنيا، فهل مقصودكم أن الإيمان بالبعث والمعاد هو الذي يكون من الضروريَّات ومنكره منكر لضروريٍّ من ضروريات الدين؟ أم الإيمان بالمعاد "الجسماني" هو من الضروريات .. أي مَن يؤمنُ بالمعاد الروحاني فقد أنكر ضرورة من ضروريَّات الدين؟

الجواب:

الإيمان بالمعاد الروحاني دون المعاد الجسماني إنكار لضرورة من ضروريات الدين بلا ريب.

فهي ليست من المسائل التي يجوز فيها الاجتهاد، ولا يُعذر فيها مشتبهٌ بعد صريح القرآن والسنَّة الشريفة المتواترة، نعم الاختلاف في بعض التفاصيل أمر لا يضرُّ بالإيمان إذا كانت من الأمور النظريَّة الاجتهاديَّة، أمَّا إنكار أصل بعث الأبدان يوم القيامة فهذا ما لا يسع مسلم إنكاره.

قال تعالى: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾(1).

وقال تعالى في سورة نوح ﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا﴾(2).

ويقول جلَّ وعلا في سورة الروم ﴿.. ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ﴾(3).

وفي سورة الأعراف يقول تعالى: ﴿قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾(4).

ودلالة هذه الآيات المباركة على المعاد الجسماني اظهر من أنْ تحتاج إلى تقريب، إذ لا معنى للإخراج من الأرض بعد الموت إلا إخراج البدن، وكذلك لا معنى للإخراج من الأجداث أي القبور إلا ذلك.

قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾(5).

وقال تعالى: ﴿.. فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إلى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾(6).

وقال تعالى: ﴿.. يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾(7).

وفي سورة المعارج قال جلَّ وعلا: ﴿.. أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ﴾(8).

وفي سورة الانفطار قال تعالى: ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾(9).

وقال جلَّ وعلا في سورة العاديات: ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ﴾(10).

وكذلك يمكننا الاستدلال على المعاد الجسماني بالآيات التي أفادت أن جوارح الإنسان تشهدُ يوم القيامة على ما كان يقترفُ بها من ذنوب.

قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(11).

وقال تعالى في سورة فصلت: ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ / وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(12).

وفي سورة يس يقول جلَّ وعلا ﴿.. وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(13).

و يمكن الاستدلال على المعاد الجسماني بالآيات التي تصدَّت لبيان بعض ما يقع على العصاة من العذاب في جهنم. قال تعالى: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ / ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ / ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ / إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ / وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ / فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ / وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ / لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ﴾(14).

وقال تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ / لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ / فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ / فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ / فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾(15).

وفي سورة الدخان يقول تعالى: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ / طَعَامُ الْأَثِيمِ / كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ / كَغَلْيِ الْحَمِيمِ / خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إلى سَوَاء الْجَحِيمِ / ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ / ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾(16). وفي سورة غافر ﴿إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ﴾(17).

فهذه الآيات ومثلها غيرها تحكي عن صنوفٍ من العذاب يُعاقب بها العصاة والكفرة في جهنَّم، وهي كما هو ظاهر لا تُناسب إلا العذاب الجسدي، وفي المقابل وردت آياتٌ كثيرة تحكي عن صنوفٍ من النعيم تُمنح يوم القيامة للمؤمنين، وهي من جنس النِعم التي لا يستشعر الإنسان لذَّتها دون وجود البدن.

قال تعالى: ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾(18).

وقال تعالى في سورة الواقعة ﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ / وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ / عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ / مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ / يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ / بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ / لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ / وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ / وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ / وَحُورٌ عِينٌ / كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُون﴾(19).

وآيات أخرى كثيرة نخشى لو نقلناها من الإطالة، وفيما نقلناه كفاية لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة طه / 55.

2- سورة نوح / 18.

3- سورة الروم / 25.

4- سورة الأعراف / 25.

5- سورة المعارج / 43.

6- سورة يس / 51.

7- سورة القمر / 7.

8- سورة الحج / 7.

9- سورة الانفطار / 4.

10- سورة العاديات / 9.

11- سورة النور / 24.

12- سورة فصلت / 20-21.

13- سورة يس / 65.

14- سورة الحاقة / 30-37.

15- سورة الواقعة / 51-55.

16- سورة الدخان / 43-49.

17- سورة غافر / 71.

18- سورة الإنسان / 21.

19- سورة الواقعة / 13-23.