منشأ التذكير في قوله: ﴿هَذَا رَبِّي﴾

المسألة:

قال تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾(1) في هذه الآية تمَّ استخدام اسم الإشارة (هذا) مع العلم انَّ الشمس مؤنثٌ مجازي. نرجو من سماحتكم التوضيح.

 

الجواب:

ذُكرت مجموعةٌ من الوجوه لمنشأ تذكيرِ اسم الإشارة "هذا" رغم عوده على الشمس وهي مؤنث:

 

الوجه الأول: إنَّ منشأ التذكير هو ملاحظة الخبر في الجملة "ربي" فلأنَّ الخبر مذكَّر لذلك صحَّ تذكير اسم الإشارة الواقع موقع المبتدأ، وذلك للقاعدة المعروفة: انَّه إذا دار الأمر بين المرجع والخبر فالخبر أولى.

 

أي انَّه إذا دار الأمر بين ملاحظة مرجع المبتدأ وبين الخبر فرعايةُ الخبر من حيثُ التذكير والتأنيث أولى(2).

 

فمرجعُ اسم الإشارة وإنْ كان مؤنَّثاً وهو الشمس إلا انَّ الخبرَ لمَّا كان مذكَّراً وهو "ربي" كانت رعايتُه أولى.

 

الوجه الثاني: إنَّ المشار إليه بـ"هذا" مذكَّر فمفاد الآية هو ان "هذا الشيءُ الطالعُ ربي" أو "هذا الذي أراه ربِّي" فاسمُ الإشارة راجعٌ إلى مذكَّرٍ مقدَّر(3).

 

الوجه الثالث: إنَّ الشمس وإنْ كانت مؤنَّثاً مجازيَّاً إلا انَّها لمَّا لم تكن مشتملةً على علامة التأنيث لذلك صحَّ تذكيرُ اسم الإشارة الراجع إليها(4).

 

الوجه الرابع: إنَّ التذكير نشأ عن رعاية الأدب نظراً لكون الخبر دالاً على الربوبيَّة فالمُناسب هو تركُ التأنيث(5).

 

والوجوه الأربعة ليس بينها تنافٍ، لانَّ الوجه الثاني والثالث يقتضيان صحَّة التذكير والتأنيث على حدٍّ سواء، والوجه الأول والرابع يقتضيان أيضاً صحَّة التذكير والتأنيث في مثل مورد الآية إلا أنَّهما يقتضيان أيضاً رجحان التذكير لأنَّه أفصحُ بناءً على الوجه الأول وأبلغ بناءً على الوجهِ الرابع.

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب: شؤون قرآنية

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الأنعام / 78.

2- تفسير جوامع الجامع -الشيخ الطبرسي- ج1 / ص585.

3- تفسير مجمع البيان -الشيخ الطبرسي- ج4 / ص91.

4- تفسير الرازي -الرازي- ج13 / ص56.

5- تفسير الرازي -الرازي- ج13 / ص56.