معنى قوله: ﴿وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
ما معنى ﴿دَاخِرُون﴾ في قوله تعالى من سورة الصافَّات: ﴿وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ / أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ / أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ / قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ﴾(1)؟
الجواب:
﴿دَاخِرُون﴾ في الآية بمعنى أذلَّاء وصاغرين، فالداخرُ هو المُمتَهَنُ المُحتقَرُ الذليل بل قيل هو المُمعِنُ في المَذلَّة والصَغَارِ والهَوانِ. ويقال: دخره إذا أذلَّه، ودخر فلانٌ إذا أصابه ذُلٌّ وهَوان.
ومفاد الآيةِ هو أنَّ الكفَّار حين تساءلوا مستنكرينَ هل سنُبعثُ بعد أن نُصبحَ تُراباً وعظاماً؟! وماذا عن آبائِنا الأوليينَ هل سيُبعثونَ وقد صاروا عظاماً وتراباً؟! فأجابهم القرآنُ بنعم وأنتم حينذاك داخرونَ أذلاءُ، لا تملكونَ دفعَ العذابِ عن أنفُسِكم ولا عن آبائكم.
وهذا المعنى لكلمةِ داخرينَ هو ذاتُه المعنى لذاتِ الكلمة في قولِه تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾(2) فالمُستكبرونَ عن عبادةِ اللهِ تعالى سيدخلونَ جهنَّم أذلاء مُرغَمِينَ.
واستعملَ القرآنُ الكريم كلمةَ داخرينَ بمعنى الخضوعِ والخشوعِ والتذلُّل، كما في قولِه تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾(3) فمعنى داخرين في الآية هو أنَّ جميع عباد الله من الإنس والجن سوف يأتونَ ربَّهم يوم القيامة خاضعينَ لأمره متذلِّلين لعظمتِه وجلالِه، فكلمةُ داخرينَ في الآيةِ ليس بمعنى أذلاء مُحتَقرين، لأنَّ في المبعوثينَ أنبياءَ وأوصياء ومؤمنين، وهؤلاء لهم الكرامةُ والعزَّةُ، فمعنى داخرينَ هو انَّهم متذلِّلونَ لله تعالى وخاضعونَ لمشيئتِه.
وكذلك فإنَّ معنى داخرينَ في قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾(4) هو أنَّهم خاضعونَ خاشعونَ لله تعالى متذلِّلونَ لعظمتِه وجلالِه، فإنَّ ذلك هو المناسب لقوله تعالى: ﴿سُجَّدًا لِلَّهِ﴾.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
1- سورة الصافات / 15-18.
2- سورة غافر / 60.
3- سورة النمل / 87.
4- سورة النحل / 48.