نُبِذ بالعراء أو لم يُنبذ؟!

شبهة مسيحي:

في سورة الصافات قال تعالى حكايةً عن يونس: ﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾(1) والحال أنَّه تعالى قال عنه في سورة القلم: ﴿لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾(2) ولولا حرف امتناع لوجود أي امتناع النبذ بالعراء لوجود التدارك، ومعنى ذلك أنَّه لم يُنبَذ، أليس في ذلك تناقض، حيث حكت إحدى الآيتين أنَّه نُبذ بالعراء والأُخرى نفت أنَّه قد نُبذ بالعراء؟

 

الجواب:

الآية إنَّما نفت الحال ولم تنفِ الفعل:

ليس في الآيتين تناقضٌ أصلاً كما هو ظاهرٌ جداً لمن كان له أدنى فهمٍ بتصاريف الكلام العربي.

 

فالآية من سورة الصافات تُثبت أنَّ يونس (ع) كان قد نُبذ بالعراء وهو سقيم, وأمَّا الآية من سورة القلم فهي تنفي أنَّه نُبذ بالعراء وهو مذموم، فليس المراد منها أنَّه لم ينبذ بالعراء وإنَّما المراد أنَّه لم يكن مذموماً حين نُبذ بالعراء، فهي تنفي الذم عنه لتدارك الرحمة الإلهيَّة له ولا تنفي النبذ كما هو ظاهرٌ جداً من الآية المباركة.

 

فهي بتعبيرٍ آخر تنفي الحال أعني أنَّه مذموم، لأنَّ الواو في قوله: ﴿وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ حاليَّة، ولا تنفي الفعل وهو النبذ بالعراء. فلولا وإنْ كانت حرف امتناع لوجود ولكنَّه امتناع الذم لوجود التدارك.

 

فمعنى قوله تعالى: ﴿لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ أنَّه لولا أنَّ الله تعالى قد أنعم على يونس بأنْ تجاوز عمَّا كان قد فعل من تركه لقومه وركوبه البحر لكان حين نُبذ بالعراء مذموماً إلا أنَّه وحيث إنَّ الله تعالى قد أنعم عليه وتجاوز عنه لتسبيحه في بطن الحوت قد نُبذ بالعراء دون أنْ يكون مذموماً، فهي تنفي عنه الذم ولا تنفي وقوع النبذ حتى تكون الآية منافية لما جاء في سورة الصافات.

 

مثالٌ توضيحي: 

فمساق الآية من سورة القلم هو مساق قولنا: "لولا أنْ وهبتُ زيداً دابةً لذهب إلى السوق ماشياً" فإنَّ هذه الجملة لا تنفي عن زيدٍ الذهاب إلى السوق وإنَّما تنفي ذهابه إليها مشياً، فهي تنفي المشي إلى السوق ولا تنفي أصل الذهاب إلى السوق، وكذلك الآية فإنَّها تنفي الذم عن يونس (ع) ولا تنفي نبذه بالعراء فأين التناقض بين الآيتين؟!

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور

من كتاب شبهات مسيحيَّة


1- سورة الصافات / 145.

2- سورة القلم / 49.