مخالفةُ التفسير المأثورِ لظاهر الآية

المسألة

هناك روايات مفسِّرة للآيات تُخالف ظاهر القرآن ماذا نصنعُ بها نعمل ببيان الإمام (ع) أم نعمل بظاهر الآية؟

 

ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾(1) والتي تُشير إلى تكليف الكفَّار بالفروع

 

ولكنَّ الشيخ علي بن إبراهيم القمي (قدس سره) روى في تفسيره بسنده عن أبان بن تغلُب قال قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) يا أبان أترى أنَّ الله عزَّ وجل طلب من المشركين زكاةَ أموالهم وهم يشركون به حيث يقول ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ قلتُ له كيف ذلك جعلتُ فداك فسِّره لي؟ فقال ويل للمشركين الذين أشركوا بالامام الأول وهم بالأئمة الآخرين كافرون، يا أبان إنَّما دعا الله العباد إلى الايمان به فإذا آمنوا بالله وبرسولِه افترض عليهم الفرايض(2).

 

فأيُّهما يُقدَّم؟ العمل بظاهر الآية أو بتفسير الإمام (ع)؟

 

الجواب:

حجيَّة الظهور منوطةٌ بعدم قيام القرينة على إرادة ما هو خلاف الظاهر من الكلام أمَّا حين تقوم القرينة على إرادة خلاف الظاهر من الكلام فإنَّ هذه القرينة تصرف الحجيَّة إلى ما هو المناسب لمقتضى مفاد القرينة، والقرينةُ تارةً تكون متَّصلة وتارةً تكون منفصلة، فإذا كانت القرينة متَّصلة فإنَّها تصرف الظهور إلى ما يتناسب مع مقتضى القرينة بمعنى أنَّ الظهور الأولي للكلام لا يكون مستقرًّا بعد قيام القرينة المتَّصلة على إرادة الخلاف بل الظهور يستقرُّ مع ما تقتضيه القرينة المتَّصلة، ومثال ذلك ما لو قال المتكلِّم رأيتُ أسدًا يرمي بالسهام، فإنَّ الظهور الأولي لكلمة الأسد هو الحيوانُ المفترس إلا أنَّ هذا الظهور لا يستقرُّ بعد أْن أتَّصلت بالكلام قرينةٌ تقتضي إرادة معنى غير المعنى الظاهر بدوًا من كلمة الأسد، وهذه القرينة هي فقرةُ يرمي بالسهام فإنَّ الرمي باالسهام ليس من شؤون الحيوان المفترس وهو ما يدلُّ على أنَّ المتكلم لم يقصد من كلمة الأسد الحيوان المفترس، إذن فالقرينةُ المتَّصلة سلبت الكلام عن ظهوره الأولي بل إنَّها مضافًا لذلك أوجبت انصراف الكلام إلى ظهورٍ آخر تقتضيه القرينة أي أنَّه بواسطة القرينة المتَّصلة صار الكلام ظاهرًا في إرادة المتكلِّم الرجل الشجاع من كلمة الأسد.

 

وأمَّا إذا كانت القرينة منفصلة فإنَّها لا تُوجب صرف الكلام عمَّا يقتضيه الظهور الأولي ولكنَّها تسلبُ الحجيَّة عن هذا الظهور، بمعنى أنَّها تكشف عن أنَّ هذا الظهور ليس مُرادًا جدِّيًا للمتكلِّم، فهو وإنْ أراد إخطار المعنى الظاهر من الكلام لكنَّ مراده الجدِّي هو المتناسب مع ما تقتضيه القرينة المنفصلة، ومثال ذلك ما لو قال المتكلم أكرم كلَّ العلماء، فإنَّ الظاهر من هذا الخطاب هو وجوب إكرام جميع أفراد العلماء، فلو لم تقُم قرينةٌ على إرادة الخلاف فإنَّ المتعيَّن على المكلَّف إكرام جميع العلماء دون استثناء العدول والفساق والعرب والعجم والصغار والكبار وهكذا، وأمَّا إذا جاءت قرينةٌ منفصلة وضيَّقت من دائرة هذا العموم كما لو قال المتكلِّم في خطابٍ منفصلٍ عن الخطاب الأول: كنتُ أقصد من العلماء العدول دون غيرهم فإنَّ هذه القرينة مخالفةٌ لمقتضى ظهور الخطاب الأول إذ أنَّ الخطاب الأول يقتضي الشمول والإستيعاب وأمَّا الخطاب الثاني فهو يُضيِّق من دائرة العموم، ففي مثل هذا الفرض يتعيَّن اعتماد الخطاب الثاني ولا يُعوَّل على ظهور الخطاب الأول، وذلك لأنَّ الخطاب الثاني جاء مفسِّرًا للخطاب الأول، ولأنَّ المتكلِّم أعرف بمقاصده فهو حين صرَّح بأنَّ مراده من الخطاب الأول هو خصوص العدول فإنَّه يتعيَّن اعتماد ما يقتضيه ظهور خطابه الثاني وذلك لأنَّه أعرف بمقاصده، وهذا هو معنى عدم حجيَّة الظهور عند قيام القرينة المنفصلة على إردة الخلاف.

 

وبتعبير آخر: إنَّ الظهور يكشفُ عن مراد المتكلم كشفًا ظنيًّا وليس كشفًا قطعيًا، وقد جرت سيرة العقلاء الممضاة من قِبَل الشارع على اعتماد ما يقتضيه ظاهر كلام المتكلِّم، وهذا هو معنى حجية الظهور، لكنَّ هذا الظهور لا يكون حجَّة لو أنَّ المتكلِّم جاء في كلامٍ منفصل بقرينةٍ تدلُّ على أنَّ الظهور من خطابه الأول غير مُرادٍ له بل إنَّ مراده شيءٌ آخر، فحيثُ إنَّ المتكلِّم صادقٌ وملتفت – بحسب الفرض- فإنَّه يتعيَّن اعتماد مدلول خطابه الثاني الذي كشف به عن مُراده من الخطاب الأول، وهذا هو الذي جرت عليه سيرةُ العقلاء فإنَّهم لا يُعوِّلون على ما يظهر من كلام المتكلِّم الأول إذا كان قد بيَّن في كلامٍ آخر ما هو مرادُه من كلامه الأول.

 

إذا اتَّضحت هذه المقدِّمة يتَّضح الجوابُ على سؤالكم فإنَّ ظهور الآية في معنىً لا يقتضي أكثر من كشف هذا الظهور عن إرادة المعنى كشفاً ظنيًّا، وعليه يكونُ هذا الظهور حجَّة مالم تقُم قرينةٌ على إرادة معنىً آخر من الآية، أمَّا إذا قامت القرينةُ المنفصلة على أنَّ هذا الظهور ليس مُرادًا من الآية فإنَّ هذا الظهور لا يكونُ حجَّة في تحديد المُراد الجدِّي للآية، ومثال ذلك للتقريب قوله تعالى ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾(3) فإنَّ الظاهر من قوله تعالى ﴿إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ هو إمكانيَّة الرؤية لله جلَّ وعلا إلا أنَّ هذا الظهور حيث قامت القرينة على عدم إرادته، وهي قوله تعالى ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾(4) لذلك يتعيَّن رفع اليد عمَّا يقتضيه الظهور في الآية الأولى أي أنَّ الآية الثانية تكشفُ عن أنَّ المعنى المستظهَر من الآية الأولى ليس مُرادًا وأنَّ المراد الجدِّي من الآية الأولى هو معنىً لا يتنافي مع ما تقتضية الآية الثانية.

 

أي إنَّ الآية الأولى حيثُ لم تكن نصًّا صريحًا في إرادة بيان امكانيَّة الرؤية لله تعالى وإنَّما كانت ظاهرةً في إمكانية الرؤية والظهور لا يقتضي أكثر من الظنِّ بأنَّ ذلك هو المراد من الآية، وهذا هو معنى أنَّ كشف الظهور عن المعنى يكون ظنيًّا، وحيث كان ظنيًّا فمِن المحتمل أنْ يكون غيرَ مراد، فإذا لم تقم قرينة على عدم إرادته فحينئذٍ يكون هو المعتمد، أمَّا إذا قامت القرينة على أنَّ هذا الظهور غير مُرادٍ فحينئذٍ يكون المعوَّل عليه هوما تقتضيه القرينة كما هو مقتضى سيرة العقلاء وأهل المحاورة في مقام التفهيم والتفهٌّم.

 

هذا لو كانت القرينة آيةً آخرى منفصلة عن الآية الأولى، وأمَّا لو كانت القرينة المنفصلة هي كلام الرسول (ص) وأهل بيته (ع) المُحرَز صدورُه عنهم فكذلك يتعيَّن اعتماد هذه القرينة لتحديد المُراد من الآية، ولا يُعوَّل على ما يقتضيه الظهور للآية، وذلك لأنَّ الرسول (ص) هو المعلِّم لمعاني آيات الكتاب كما قال تعالى ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾(5) وقال تعالى ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾(6) وقال تعالى ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾(7) فمعنى أنَّه المعلِّم لمعاني الكتاب هو أنَّ الله تعالى علَّمه مراداتِه من الآيات، فحين يُبيِّن الرسولُ (ص) ما هو المراد من هذه الآية أو تلك فهو يقولُ إنَّ الله تعالى أخبره أنَّ مراده من الآية هو هذا المعنى، فلو كان هذا المعنى الذي بيَّنه منافيًا لمقتضى الظهور فإنَّه يتعيَّن اعتماد المعنى الذي بيَّنه الرسول (ص) وذلك لأنَّه بمثابة تبيين الله لمراده، وحيثُ إنَّ المتكلِّم أعرف بمراده لذلك يتعيَّن اعتماد ما بيَّنه من مراده، وكذلك لو أخبر أهلُ البيت (ع) أنَّ المُراد من هذه الآية أو تلك هذا المعنى المنافي للظهور فإنَّ اللازم هو اعتماد ما أخبروا به من معنى وعدم صحَّة التعويل على ما يقتضيه الظهور، وذلك لأَّن إخبارهم(ع) بأنَّ ذلك هو المراد من الآية إخبارٌ عن الرسول(ص) الذي أخبره الله تعالى عن مراداته من الآيات.

 

فمثلًا للتوضيح قوله تعالى ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾(8) فإنَّ الظاهر من هذه الآية أنَّ كلَّ مطلَّقة يجب عليها الإعتداد ثلاثة قروء سواءً كانت مدخولًا بها أو لم تكن مدخولًا بها، فلو قال النبيٌّ (ص) أو أهلُ بيته (ع) أنَّ مُراد الآية من المطلَّقات هو خصوص المدخول بهن فحينئذٍ نرفع اليد عن ظهور الآية في الإطلاق والشمول ونُقيِّد وجوب العِدَّة بالمدخول بها وإنْ كان ذلك هو خلاف ظهور الآية في الإطلاق والشمول.

 

وكذلك قوله تعالى ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾(9) فإنَّ الظاهر من الآية أنَّ الجَلد مائة جلدة هي عقوبةٌ لمطلق الزانية والزاني سواءً كانا مُحصنين أو غير محصنين ولكنَّه حيث ثبتَ عن الرسول وأهل بيته (ع) أنَّ المُراد من الزاني في الآية هو خصوص غير المُحصن لذلك يتعيَّن رفع اليد عن ظهور الآية في الإطلاق، فالظهور في الإطلاق لا يكون معتبرًا وحجَّةً بعد تصدِّي الرسول (ص) وأهل بيته (ع) لإفادة أنَّ هذا الظهور ليس مُرادًا من الآية فإنَّهم قد تلقَّوا العلم بما هو المراد من الآيات عن منزِّل الآيات لذلك يتعيَّن اعتماد ما يُبيِّنونه من مرادات الآيات وإنْ كان الظهور للآيات يقتضي خلاف ذلك.

 

وأمَّا المثال الذي ذكرتموه فهو ليس من قبيل تفسير الآية بالخبر المنافي لما يقتضيه الظهور الأولي للآية بل هو من قبيل منافاة التفسير المأثور لِما هو الصريح من مفاد الآية، ومِن الواضح البيِّن أنَّ كلَّ خبرٍ -وإنْ كان في أعلى درجات الصحَّة من حيثُ السند- يكون ساقطًا عن الإعتبار والحجِّية إذا كان مخالفًا لصريح الكتاب، وذلك لما ثبت قطعًا عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) أنَّ كلَّ خبرٍ مخالفٌ لكتاب الله فهو زخرف وأنَّنا لم نقله وأنَّ قائله أولى به وأنَّه يجبُ طرحه وإلقاؤه عرض الجدار(10).

 

فما ذكرناه من لزوم اعتماد ما يثبت عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) إنَّما هو في هو موردٍ تكون فيه الآيةُ ظاهرةً في معنىً كالعموم والإطلاق وشبههما فيتصدَّى الرسول(ص) وأهل بيته(ع) لإفادة أنَّ هذا الظهور -والذي تكون دلالته ظنيَّة- ليس مرادًا جدِّيًا للآية، وأمَّا لو كانت الآيةُ صريحةً في مدلولها فإنَّه في مثل هذا الفرض لا يصحُّ القبول بأيِّ خبرٍ يتضمَّن ما هو منافٍ لنصِّ الآية وصريح مدلولِها.

 

فالرواية في المثال المذكور من هذا القبيل لذلك فهي ساقطةٌ عن الإعتبار، ولعلَّه لذلك أعرضَ مشهورُ الفقهاء عن هذه الرواية فذهبوا إلى أنَّ الكفار مكلَّفون بالفروع رغم أنَّ الرواية واضحة في عدم تكليفهم بالفروع، وأما من ذهب إلى أنَّ الكفار غير مكلَّفين بالفروع كالسيِّد الخوئي(11) فكذلك لم يتمسَّكوا لإثبات فتواهم بهذه الرواية رغم أنَّها صريحة في عدم تكليفهم بالفروع، نعم تمسَّك بهذه الرواية بعضُ المحدِّثين كصاحب الحدائق والفيض الكاشاني(12) لإثبات أنَّ الكفَّار غيرُ مكلَّفين بالفروع لكنَّ ذلك لا يصحُّ بعد أنْ كان تفسيرُ الرواية للآية مخالفٌ لصريح الآية، فإنَّ كلمة المشركين وكلمة الآخرة صريحتان في مدلوليهما خصوصاً مع ملاحظة السياق الذي وقعتْ فيه الآية، قال تعالى ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾(13) فإنَّ الواضح الذي لا يشوبُه شكٌّ أنَّ كلمة المشركين استُعملت في مدلولها المتبادَر وكذلك كلمة الآخرة فإنَّها صريحةٌ في إرادة يوم القيامة، وعليه لابدَّ من ردِّ علم هذه الرواية إلى أهلِها.

 

وخلاصة القول: إنَّ الرواية الواردة عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) إذا كانت واجدة لشرائط الحجيَّة وكانت متصدِّية لتفسير آية وكان مفادُها منافياً لما يقتضيه الظهور الأولي للآية فإنَّ المتعيَّن هو اعتماد التفسير الثابت عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع) وذلك لأنَّ تفسيرهم متلقَّى عن الله تعالى وهو أعلم بما أراد من كلامه جلَّ وعلا، فلا يُعوَّل على ما يظهرُ من الآية بدواً، أمَّا لو كانت الروايةُ مخالفةً لنصِّ الكتاب أي مخالفة لما هو الصريح من آيات الكتاب فإنَّ هذه الرواية تكون ساقطةً عن الحجيَّة والإعتبار وإنْ كانت صحيحةً من حيث السند.

 

وهنا تجدرُ -بالمناسبة- الإشارة إلى أمرٍ وهو أنَّ الكثير من الروايات المتصدِّية لبيان بعض الآيات ليست بصدد التفسير لمدلولها وإنَّما هي بصدد البيان لبعض موارد تطبيقها، فمثلًا حين يردُ عن أمير المؤمنين أنَّه قال: هي لنا أو فينا هذه الآية: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾(14)(15) فإنَّ المقصود من ذلك أنَّ هذه الآية المباركة منطبقة عليهم أهل البيت وجاريةٌ فيهم، وليس مقصودُه من ذلك التصدِّي لتفسير الآية.

 

وكذلك ما ورد في معاني الأخبار للشيخ الصدوق بسنده عن المفضَّل بن عمر، قال سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظر إلى عليٍّ والحسنِ والحسينِ (عليهم السلام) فبكى وقال: أنتم المستضعفون بعدي. قال المفضَّل: فقلتُ له: ما معنى ذلك يا ابن رسول الله؟ قال معناه أنَّكم الأئمة بعدي، إنَّ الله عزَّ وجل يقول ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة(16) فإنَّ الواضح من جواب الإمام الصادق (ع) أنَّه بصدد بيان ما تنطبقُ عليه الآية وليس بصدد التفسير لمدلولها، نعم قد يُساهم البيان لموارد التطبيق في الكشف عن مراد الآية.

 

ولمزيدٍ من التوضيح راجعْ ما بيَّناه في كتاب شؤون قرآنيَّة تحت عنوان الجري والانطباق

 

والحمد لله رب العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة فصلت / 6-7.

2- تفسير القمي ج2 / ص263.

3- سورة القيامة / 22-23.

4- سورة الأنعام / 103.

5- سورة الجمعة / 2.

6- سورة آل عمران / 164.

7- سورة البقرة / 151.

8- سورة البقرة / 228.

9- سورة النور / 2.

10- وسائل الشيعة ج27 / ص110 حديث رقم 10، 14، 15، 18، 19، 12، وغيرها كثير.

11- شرح العروة الوثقى كتاب الزكاة ج23 / ص119

12- الحدائق الناضرة ج3 / ص41، تفسير الصافي ج4 / ص353

13- سورة فصلت / 6-7.

14- سورة القصص / 5.

15- الأمالي -للصدوق- ص566.

16- معاني الأخبار -للصدوق- ص79.