خَلَقَ السماوات والأرض في أيام ستة أو ثمانية؟!

شبهة مسيحي:

في سورة فصلت: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾(1) إلى أنْ قال: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى / إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ / فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾(2) ألا يعني هذا أنَّ مجموع أيام خلق الأرض وحدها ستة، يومين في البدء وأربعة لتقدير الأقوات، فإذا أضفنا لها يومين لخلق السماوات، يغدو المجموع ثمانية أيام؟!

 

في حين ورد في عدَّة مواضع أخرى من القرآن أنَّ أيام الخلق كانت ستة ولم تكن ثمانية.

 

الجواب:

نعم، هي ستةُ أيام:

إنَّ القرآن الكريم قد صرَّح في آياتٍ عديدة في سوَرٍ متفرِّقة أنَّ الله تعالى قد خلق كلاً من السماوات والأرض في ستة أيام:

 

منها: قوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾(3).

ومنها: قوله تعالى في سورة الفرقان: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾(4).

 

ومنها: قوله تعالى في سورة السجدة: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾(5).

ومنها: قوله تعالى في سورة ق: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾(6).

 

ومنها: قوله تعالى في سورة الحديد: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾(7).

 

إحترموا عقولكم!

فإذا كان القرآن قد صرَّح بذلك في كلِّ هذه السور وغيرها، والتي منها مانزل في مكة ومنها مانزل في المدينة بعد الهجرة فهل يحتمل عاقلٌ منصف أنَّ الموحِي للقرآن أو الصادع به قد نسيَ كلَّ هذه الآيات فأخبر على خلافها أنَّ الله تعالى قد خلق السماوات والأرض في ثمانية أيام بعد أنْ كان قد أخبر أنَّها ستة؟!! أو هل يحتمل عاقلٌ يحترم عقله أنَّ النبيَّ (ص) قد أخطأ في الحساب فجعل حاصلَ جمعِ اليومين والأربعة واليومين ستة بدلاً من الثمانية؟!!

 

إنَّ إحتمال وقوع النسيان لهذا العدد الصغير والذي تمَّ تكرار ذكره في مواضع عديدة ومتفرِّقة على سور القرآن لا يصحُّ قبوله على أضعف الناس إدراكاً وحفظاً فكيف يصحُّ أنْ نقبله على من لايختلف إثنان- حتى ممَّن لا يُؤمن به- في أنَّه كان من أكمل الناس عقلاً وأكثرهم تثبُّتاً.

 

على أنَّ الآيات المصرِّحة بأنَّ الله تعالى قد خلقَ السماوات والأرض في ستة أيام مضافاً لكثرتها لم تكن سطوراً كُتبت في قرطاسٍ أو كتاب ثم تمَّ إهمالها حتى نحتمل في حقِّها النسيان من كاتبها أو ممَّن قرأها، إنَّ هذه الآيات كان يتلوها النبيُّ (ص) ليلَ نهار في الصلوات اليوميَّة ويتلوها في خلواته ونوافله ويتلوها في محافل المسلمين ومجالس وعظه وإرشاده، وكان يأمرُ كتَّابه بتدوينها ويأمر المسلمين بإستنساخها وتداولها ونقلها إلى كلِّ بقعةٍ أسلم أهلُها، وكان يحضُّهم على حفظها والإكثار من تلاوتها ويعدُهم على ذلك بالثواب الجزيل، فكانوا أحرص مايكون على تلاوتها وحفظها، لذلك فدعوى نسيان النبيِّ (ص) لهذا العدد لا يقبلها مَن يحترم عقله أو يخشى على نفسه السخرية.

 

هل أخطأ الأوَّلون والآخرون في الحساب؟!

وكذلك هي دعوى احتمال وقوع الإشتباه فيما إستنتجه من جمع الإثنين والأربعة والإثنين، فإنَّ أحداً لايحتمل في حقِّ النبيِّ (ص) وإنْ لم يكن يُؤمن بنبوَّته انَّه أخطأ فتوهَّم أنَّ نتيجة جمع هذه الأعداد هو الستة بدلاً من الثمانية، على أنَّه لو تمَّ التسليم جدلاً بوقوع الخطأ فيما استنتجه من جمع هذا العدد فإنَّ أيسر شيءٍ هو التفطُّن بوقوع هذا الخطأ، فكيف امتدَّتْ غفلة النبيِّ (ص) ومعه المسلمون عن هذا الخطأ قرابةَ العقدين من الزمن من حين نزول سورة فُصِّلت في مكة وحتى رحيله إلى ربِّه، وكان النبيُّ (ص) في هذا الوقت المديد يتلو هذه الآية كما يتلو غيرها في محافل المسلمين وفي صلواتهم اليوميَّة ويحثُّ الناس على حفظها وتعاهد تلاوتها؟! ألم يكن فيهم من تفطَّن إلى أنَّ حاصل جمع هذا العدد اليسير هو الثمانية فتكون هذه الآية منافية للآيات الكثيرة التي أفادت أنَّ خلق السماوات والأرض كان في ستة أيام؟!

 

إنَّ ذلك وحده كافٍ لإحراز أنَّ مراد الآية من سورة فُصِّلت لم يكن هو الذي توهَّمه هذا المثير للشبهة وأنَّ لها معنىً لا ينتهي إلى وقوع التنافي بينها وبين الآيات الكثيرة التي أفادت أنَّ خلق السماوات والأرض كان في ستة أيام.

 

بيان المراد من الآيات الشريفة:

فمعنى الآية من سورة فُصِّلت هو أنَّ الله تعالى خلق الأرض وأنشأها في يومين أي على مرحلتين ثم إنَّه جعل فيها الجبال الراسيات وأهَّلها للسكنى وقدَّر فيها أقواتها في أمدٍ يتمُّ به مع اليومين الأولين أربعةُ أيام أي كان خلقُ الأرض في يومين، وكان تقدير الأقوات فيها وتأهيلها في يومين آخرين يكون بهما المجموع أربعة أيام، فمعنى قوله تعالى: ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾(8) هو أنَّها أربعة مع اليومين الأولين اللذين كان فيهما خلق الأرض فبمجموعهما صار عدد الأيام أربعة، وليس المراد من ذلك أنَّ تأهيلها وتقدير الأقوات استغرق وحده أربعة أيام حتى يكون مجموع ما استغرقه خلق الأرض وتقدير الأقوات ستة أيام.

 

أمثلةٌ توضيحيَّة:

وهذا الأسلوب متعارفٌ في الكلام العربي في مثل حساب الأوقات والمسافات والأوزان.

 

أ- مثالٌ على حساب المسافة:

فيُقال مثلا: المسير من العراق إلى مكة المكرمة عشرة أيام، والمسير إلى المدينة المنورة خمسة عشر يوماً، ومعنى ذلك أنَّ مجموع ما يستغرقه المسير من العراق إلى المدينة هو خمسة عشر يوماً، وليس معنى ذلك أنَّ مابين العراق ومكة عشرةَ أيام ومابين مكة والمدينة خمسة عشر يوماً فيكون المجموع مابين العراق والمدينة خمس وعشرين يوماً، فإنَّ ذلك غيرُ مرادٍ جزماً.

 

ب- مثالٌ على حساب الزمن:

ويُقال أيضاً في حساب الأوقات: الوقت مابين طلوع الشمس إلى الضحى ساعتان وإلى زوال الشمس ستُّ ساعات، ومعنى ذلك أنَّ مجموع مابين الطلوع إلى الزوال ستُّ ساعات، وليس معناه أنَّ مابين الضحى إلى الزوال ستُّ ساعات حتى يكون مابين الطلوع إلى الزوال ثمان ساعات.

 

ج- مثالٌ على حساب الكيل:

ويقال أيضا: حاصل الحصاد للسنة الأولى خمسون مكيالاً وللسنة الثانية مائة مكيال، فإنَّ معنى ذلك أنَّ مجموع الحصاد لمجموع السنتين مائة مكيال، وليس معناه أنَّ حصاد السنة الثانية وحدها مائة حتى يكون مجموع الحصاد لمجموع السنتين مائة وخمسين مكيالاً.

 

النتيجة:

والمتحصَّل مما ذكرناه أنَّ معنى قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾(9) هو أنَّ جعل الرواسي وتأهيل الأرض وتقدير الأقوات كان في وقتٍ يتمُّ به مع اليومين -اللذين خُلقت فيهما الأرض- أربعةُ أيام، فيكون مقتضى ذلك هو أنَّ الوقت الذي استغرقه إرساء الجبال وتأهيل الأرض وتقدير الأقوات يومان، ويومان لخلق الأرض فهذه أربعة أيام سواء وتامَّة، فإذا أُضيف إليها يومان لخلق السماوات -كما قال تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾(10)- كان المجموع ستة أيام وليس ثمانية أيام كما توهَّم ذلك مثير الشبهة، وعلى ذلك تكون هذه الآية من سورة فُصِّلت مطابقةً تماماً للآيات الكثيرة التي أفادت أنَّ خلق السماوات والأرض ومابينهما كان في ستة أيام.

 

والحمد لله رب العالمين

 

من كتاب شبهات مسيحيَّة

للشيخ محمد صنقور


1- سورة فصلت / 9.

2- سورة فصلت / 10-12

3- سورة الأعراف / 54.

4- سورة الفرقان / 59.

5- سورة السجدة / 4.

6- سورة ق / 38.

7- سورة الحديد / 4.

8- سورة فصلت / 10.

9- سورة فصلت / 10.

10- سورة فصلت / 12.