معنى مُلتَحدا في آية: ﴿وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد

 

 المسألة:

ما معنى ملتحدا في قوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾(1)؟

 

الجواب:

يُستعمَل المُلتَحد ويُرادُ منه المُلتجأ، والموئل، والملاذ، والمَعاذ، والمأوى، والمانع، والمَعدَل، والحِرز. فالمُلتَحد هو الموضع الذي يُلتَجأ إليه ويأوي إليه المستجيرُ ويلوذُ ويمتنعُ بالكونِ فيه، وهو مشتقٌّ من لحَدَ بمعنى مال، يُقال: لحدَ والتحدَ، ويُقال: ألحدتُ إلى الشيء أي ملتُ إليه، فاللْحدُ هو الميل، ومِن ذلك سُمِّي اللحد لأنَّه يكون في ناحيةٍ من القبر وعلى خلاف ذلك يكون الشِقُّ حيث يقعُ في وسط القبر وليس في أحد جانبيه كما هو اللْحد.

 

والمُلحِد هو المائل، ولذلك يُطلقُ على المائل عن الحق إلى الباطل وصف المُلحِد، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا﴾(2) أي يميلون عن الحقِّ في آيات الله فيُكذِّبون بها مثلًا أو لا يتَّعظون بها أو يتَّخذونها أربابًا كآيات الله التكوينيَّة مثل الشمس والقمر فبدلًا من أنْ تقودهم آياتُ الله إلى الإيمان بالله تعالى فإنَّها تقودهم وتعدل بهم إلى الشرك أو الكفر بالله تعالى، وكذلك هو معنى قوله تعالى: ﴿وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾(3) أي الذين يعدلون بأسماء الله تعالى عمَّا هي عليه، فيسمُّون بها أصنامهم أو يعدلون عن وصف الله تعالى بما يليقُ بجلاله وكماله إلى ما لا يليقُ بساحة قُدسِه جلَّ وعلا كوصفه بما يستلزم التشبيه أو التجسيم أو الرؤية أو العجز.

 

ومنه قوله تعالى: ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾(4) أي ومَن يتجاوز فيه ما أمر اللهُ وندبَ إليه ويميلُ فيه عن الحقِّ إلى الباطل فيعبد فيه غير الله مثلًا أو يعصي فيه الله تعالى نُذقه من عذابٍ أليم. 

 

فالإلحاد في مختلف استعمالاته وبجميع صِيغه يعني الميل، ومن ذلك يتَّضح منشأ استعمال كلمة المُلتحَد في الملجأ والموئل والملاذ والمعدَل، لأنَّ اللجوء يستلزم الميل والعدول إلى الجهة التي يكون فيها المُلتجأ، ولذلك سُمِّي الملتجأ مُلتَحدًا ومَعدَلًا وملاذًا. وعليه فمعنى قوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ يعني لن تجد من الله تعالى ملتجئًا ومعتصمًا يعصمُك من قضائه وعذابه وعقوبته لو أراد عذابك ومعاقبتك أو لن تجد غيره يعصمُك ويدفعُ عنك، وهكذا هو معنى قوله تعالى: ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾(5).

 

 والحمد لله ربِّ العالمين

 

الشيخ محمد صنقور


1- سورة الكهف / 27.

2- سورة فصلت / 40.

3- سورة الأعراف / 180.

4- سورة الحج / 25.

5- سورة الجن / 22.