معنى الجُبِّ في: ﴿وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
المسألة:
ما معنى كلمة الجُب في قوله تعالى على لسان إخوة يوسف: ﴿وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾([1]) وهل صحيح أنَّ الجبَّ شيء آخر غير البئر كما ذكر البعض؟ بدعوى أنَّ الجُبَّ لو كان هو البئر لغرق فيها يوسف (ع).
الجواب:
الجُبُّ هو البئر، غايتُه أنَّ البئر تارةً تكون مطويَّة وهذه لا تُسمَّى جُبًّا، وأُخرى لا تكون مطويَّة وهي التي تُسمَّى بالجُب، فالجبُّ هو البئر غير المطويَّة أي غير المبنيَّة، ومنشأ تسمية البئر غير المطويَّة بالجُب هو أنَّها تكون عادةً في جبوب الأرض أي الأرض الغليظة المُعبَّر عنها الآن بالصخريَّة، فلأنَّ الأرض الصخريَّة متماسكة ولا يُخشى من انهيارها لذلك لا تحتاج البئر فيها إلى بناء جوانبها حين الحفر وبعده، وذلك على خلاف الأرض الرخوة فإنَّ ثبات البئر فيها وعدم ارتدامها يتوقَّف على بناء جوانبها، لذلك تكون البئر في الأرض الرخوة مطويَّة أي مبنيَّة، وأمَّا البئر في الأرض الصخرية فلا تكون بحاجة إلى بناء ويُعبَّر عن البئر فيها بالجُب لأنَّه يحفر في جبوب الأرض أي في الأرض الغليظة والتي يكون الحفرُ فيها عبارة عن تكسير الصخر وجبِّه أي تقطيعه.
وقيل إنَّ البئر غير المطويَّة سُميت جُبًّا لأنَّها قُطعت قطعًا ولم يُحدِث فيها الحافر شيئًا آخر غير القطع، وعلى خلاف ذلك البئر المطويَّة فإنَّه يتمُّ بناءُ جوانبِها حين الحفر وبعده لحفظها من الارتدام.
وأمَّا دعوى أنَّ الجُب ليس هو البئر -لأنَّه لو كان بئرًا لغرق فيها يوسف (ع) بعد إلقائه- فلا تصح، إذ لعلَّ مستوى الماء لم يكن عميقًا فلا يُعتبر في صدق عنوان البئر أنْ يكون ماؤه عميقًا، على أنَّه لو كان الماءُ عميقًا فإنَّه ليس من الضروري أنْ يكون يوسف (ع) قد وقع في وسطه، فلعلَّه تشبَّث ببعض جوانبه وجلس على صخرةٍ من صخوره، هذا بقطع النظر عن العناية الإلهيَّة التي اقتضت حفظه، كما يظهر ذلك من قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾([2]) فإنَّ الواضح من الآية أنَّ العناية الإلهية كانت هي الراعية له.
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
29/ جمادى الآخِرة / 1442هـ
12 / فبراير / 2021م
[1]- سورة يوسف / 10.
[2]- سورة يوسف / 15.