ما الهدف من معراج النبي (صلى الله عليه وآله)؟

السؤال:

جاء في بداية سورة الإسراء من القرآن الكريم ما نصه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾(1).

أجيبونا رجاءاً لماذا أسرى بالنبي المنتجب؟ إن قلنا إنّ الله تعالى كان يريد أن يُري مكانه له فهذا ليس بصحيح، لأنّه ليس لله مكان محدد وهو موجود في كل مكان، وإذا كان المراد اطلاعه على الكواكب والمجرات والمناظر المتميزة لعالم الخلقة يرد الإشكال أيضاً، لأنّنا -نحن المسلمون- نعتقد أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) حيط علمهم بكل شيء.

الجواب:

بادي ذي بدء يجب الالتفات إلى أنّ الآية الأولى من سورة الإسراء ناظرة إلى حركة النبي (صلى الله عليه وآله) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فحسب وساكتة عن سيره إلى السموات، لكن يمكن استفادة ذلك من آيات أخر نظير:

﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى / ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى / وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ إلى قوله: ﴿عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى / عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى / إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى / مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى / لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾(2).

تحكي هذه الآيات بوضوح سير النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى السموات، لكنّ الآية الأولى من سورة الإسراء تحكي عن بداية هذا السير فقط الذي حدث على الأرض، أما الهدف من هذا السير (كما ذكر في آيات سورة النجم) فهو (مشاهدة الآيات والآثار الإلهية العظيمة لعالم الخليقة).

بديهي أنّ هذه المشاهدة مشاهدة حضورية ولا تحصل المشاهدة الحضورية للموجود ذي الجسم إلاّ بحضوره لدى الموجود الذي يبغي مشاهدته، وما كتبتم من أنّ النبيّ مطلع على أحوال السموات بدون السير إليها فيجاب عليه أنّ هناك تباين كبير بين هذا العلم والاطلاع وبين المشاهدة عن كثب، نظير ما لو وقع حدث في إحدى المدن وقد تناهى إلى أسماعنا ذلك الخبر لكنّنا لم نكن حاضرين في محل وقوعه، ولم نرى ما جرى بأم أعيننا; الحضور في محل الحدث ومشاهدته يترك بصمات عميقةً على روح الإنسان، بينما لا يمتلك العلم الغيابي ذلك الأثر. بناءاً على هذا، أراد الله سبحانه وتعالى أن يرى نبيه الكريم آثار عظمته بأم عينه ليصبح قلبه البصير أكثر بصيرةً، ولو تصور أحد أنّ بإمكان النبي (صلى الله عليه وآله) رؤية آثار عظمة الباري جلّ علا في العوالم العلوية من على ظهر الأرض فقد أخطأ، ولا ينطبق تصوره مع الحقيقة، فمن ناحية الجسم يمتلك النبي(صلى الله عليه وآله) خواصاً جسديةً في عالم المادة، ولعين الإنسان قدرة محددة في النظر.


1- سورة الإسراء / 1.

2- سورة النجم / الآية 5-18.