أم

الأم بإزاء الأب، وهي الوالدة القريبة التي ولدته، والبعيدة التي ولدت من ولدته. ولهذا قيل لحواء: هي أمنا، وإن كان بيننا وبينها وسائط. ويقال لكل ما كان أصلا لوجود شيء أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه أم، قال الخليل: كل شيء ضم إليه سائر ما يليه يسمى أما (من أول الباب إلى ههنا نقله الفيروز آبادي حرفيا في البصائر 2/111، وانظر العين 8/433)، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾ الزخرف/4 (وانظر: المخصص 13/181) أي: اللوح المحفوظ وذلك لكون العلوم كلها منسوبة إليه ومتولدة منه. وقيل لمكة أم القرى، وذلك لما روي: (أن الدنيا دحيت من تحتها (وهذا مروي عن قتادة كما أخرجه عنه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر. راجع الدر المنثور 3/316 أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/28، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، وهو صحابي، وابن جرير 1/548 من كلام ابن عباس)، وقال تعالى: ﴿لِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ الأنعام/92، وأم النجوم: المجرة (راجع: الجمهرة 1/20؛ واللسان (أمم) 12/32). قال: بحيث اهتديت أم النجوم الشوابك *** (هذا عجز بيت لتأبط شرا، وصدره: يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي وهو في ديوانه ص 156؛ والجمهرة 1/11؛ وشرح الحماسة للتبريزي 1/49؛ والمخصص 13/181)

وقيل: أم الأضياف وأم المساكين (وأم المساكين كنية زينب بنت خزيمة أم المؤمنين رضي الله عنها، سميت بذلك لكثرة معروفها. راجع سير أعلام النبلاء 2/218)، كقولهم: أبو الأضياف (أبو الأضياف هو إبراهيم الخليل عليه السلام، فهو أول من أضاف الضيف)، ويقال للرئيس: أم الجيش كقول الشاعر: وأم عيال قد شهدت نفوسهم (الشطر للشنفرى، وعجزه: إذا أطعمتهم أو تحت وأقلت) وهو في الجمهرة 1/21؛ والمفضليات ص 110؛ واللسان (أمم)

وقيل لفاتحة الكتاب: أم الكتاب لكونها مبدأ الكتاب، وقوله تعالى: ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ القارعة/9 أي: مثواه النار فجعلها أما له، قال: وهو نحو ﴿مَأْوَاكُمُ النَّارُ﴾ الحديد/15، وسمى الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين فقال: ﴿وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ الأحزاب/6 لما تقدم في الأب، وقال: ﴿يَا ابْنَ أُمَّ﴾ طه/94 ولم يقل: ابن أب، ولا أم له يقال على سبيل الذم، وعلى سبيل المدح، وكذا قوله: ويل أمه (قال ابن منظور: وقوله: ويل أمه فهو مدح خرج بلفظ الذم)، وكذا: هو أمه (قال ابن بري: قوله: هوت أمه يستعمل على جهة التعجب كقولهم: قاتله الله ما أسمعه!) والأم قيل: أصله: أمهة، لقولهم جمعا: أمهات، وفي التصغير: اميهة (لأن الجمع والتصغير يردان الأشياء لأصولها، فأصلها هاء على هذا. وهذا قول الخليل في العين 8/424).

وقيل: أصله من المضاعف لقولهم: أمات وأميمة. قال بعضهم: أكثر ما يقال أمات في البهائم ونحوها، وأمهات في الإنسان.

والأمة: كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا، وجمعها: أمم، وقوله تعالى: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم﴾ الأنعام/38 أي: كل نوع منها على طريقة قد سخرها الله عليها بالطبع، فهي من بين ناسجة كالعنكبوت، وبانية كالسرفة (هي دويبة غبراء تبني بيتا حسنا تكون فيه، وهي التي يضرب بها المثل فيقال: أصنع من سرفة)، ومدخرة كالنمل ومعتمدة على قوت وقته كالعصفور والحمام، إلى غير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع.

وقوله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ البقرة/213 أي: صنفا واحدا وعلى طريقة واحدة في الضلال والكفر، وقوله: ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة﴾ هود/118 أي: في الإيمان، وقوله: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾ آل عمران/104 أي: جماعة يتخيرون العلم والعمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم، وقوله: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ الزخرف/22 أي: على دين مجتمع. قال:

وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع *** هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، وصدره: حلفت فلم أترك لنفسك ريبة، وهو في ديوانه ص 181؛ والغريبين 1/93؛ واللسان (أمم)

وقوله تعالى: ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ يوسف/45 أي: حين، وقرئ (بعد أمة) (وهي مروية عن شبيل بن عزرة الضبعي، وهي قراءة شاذة. راجع القرطبي 9/201؛ وإعراب القرآن للنحاس 2/143) أي: بعد نسيان. وحقيقة ذلك: بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين.

وقوله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ﴾ النحل/120 أي: قائما مقام جماعة في عبادة الله، نحو قولهم: فلان في نفسه قبيلة. وروي: (أنه يحشر زيد بن عمرو بن نفيل أمة وحده) (الحديث في مسند الطيالسي ص 32 عن سعيد بن زيد أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي كان كما رأيت وكما بلغك فاستغفر له، قال: (نعم فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده). راجع الإصابة 1/70، وأخرجه أبو يعلى، وإسناده حسن، انظر: مجمع الزوائد 9/420).

وقوله تعالى: ﴿لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ﴾ آل عمران/113 أي: جماعة، وجعلها الزجاج ههنا للاستقامة، وقال: تقديره: ذو طريقة واحدة (معاني القرآن 1/458)، فترك الإضمار أولى.

والأمي: هو الذي لا يكتب ولا يقرأ من كتاب، وعليه حمل: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ﴾ الجمعة/2 قال قطرب: الأمية: الغفلة والجهالة، فالأمي منه، وذلك هو قلة المعرفة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾ البقرة/78 أي: إلا أن يتلى عليهم.

قال الفراء: هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب، و ﴿النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾ الأعراف/157 قيل: منسوب إلى الأمة الذين لم يكتبوا، لكونه على عادتهم كقولك: عامي، لكونه على عادة العامة، وقيل: سمي بذلك لأنه لم يكن يكتب ولا يقرأ من كتاب، وذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه، واعتماده على ضمان الله منه بقوله: ﴿سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى﴾ الأعلى/6. وقيل: سمي بذلك إلى أم القرى.

والإمام: المؤتم به، إنسانا كأن يقتدى بقوله أو فعله، أو كتابا، أو غير ذلك محقا كان أو مبطلا، وجمعه: أئمة. وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ الإسراء/71 أي: بالذي يقتدون به، وقيل: بكتابهم (انظر: الغريبين 1/95)، وقوله: ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ الفرقان/74. قال أبو الحسن: جمع آم (أبو الحسن الأخفش، وقال: الإمام ههنا جماعة، كما قال: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي﴾ راجع معاني القرآن للأخفش 2/423)، وقال غيره: هو من باب درع دلاص، ودروع دلاص (قال في اللسان: ودرع دلاص: براقة ملساء لينة، والجمع دلص، وقد يكون الدلاص جمعا مكسرا.

ويقال: درع دلاص، وأدرع دلاص، للواحد والجمع على لفظ واحد)، وقوله: ﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ القصص/5 وقال: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ القصص/41 جمع إمام.

وقوله تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ يس/12 فقد قيل: إشارة إلى اللوح المحفوظ، والأم: القصد المستقيم، وهو التوجه نحو مقصود، وعلى ذلك: ﴿وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ المائدة/2 وقولهم: أمه: شجه، فحقيقته إنما هو أن يصيب أم دماغه، وذلك على حد ما يبنون من إصابة الجارحة لفظ فعلت منه وفي ذلك يقول شيخنا حفظه الله:

فعل صوغها من الأعيان *** مطرد عند ذوي الأذهان

نحـو ظهرته كذا رقبته *** وقس كذلك إلى يــددته

وذلك نحو: رأسته، ورجلته، وكبدته، وبطنته: إذا أصيب هذه الجوارح. و (أم) إذا قوبل به ألف الاستفهام فمعناه: أي (راجع: الجنى الداني ص 225؛ ومغني اللبيب ص 61 - 62) نحو: أزيد أم عمرو، أي: أيهما، وإذا جرد عن ذلك يقتضي معنى ألف الاستفهام مع بل، نحو: ﴿أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ ص/63 أي: بل زاغت.

و (أما) حرف يقتضي معنى أحد الشيئين، ويكرر نحو: ﴿أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ﴾ يوسف/41، ويبتدأ بها الكلام نحو: أما بعد فإنه كذا.