بلى

 

يقال: بلي الثوب بلى وبلاء، أي: خلق، ومنه قيل لمن سافر: بلو سفر وبلي سفر، أي: أبلاه السفر، وبلوته: اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له، وقرئ: ﴿هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ﴾ (وهي قراءة الجميع عدا حمزة والكسائي) يونس/30، أي: تعرف حقيقة ما عملت، ولذلك قيل: بلوت فلانا: إذا اختبرته، وسمي الغم بلاء من حيث إنه يبلي الجسم، قال تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ البقرة/49، ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ﴾ الآية البقرة/155، وقال عز وجل: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ﴾ الصافات/106، وسمي التكليف بلاء من أوجه:

 

- أحدها: أن التكاليف كلها مشاق على الأبدان، فصارت من هذا الوجه بلاء.

 

- والثاني: أنها اختبارات، ولهذا قال الله عز وجل: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ محمد/31.

 

- والثالث: أن اختبار الله تعالى للعباد تارة بالمسار ليشكروا، وتارة بالمضار ليصبروا، فصارت المحنة والمنحة جميعا بلاء، فالمحنة مقتضية للصبر، والمنحة مقتضية للشكر.

 

والقيام بحقوق الصبر أيشر من القيام بحقوق الشكر فصارت المنحة أعظم البلاءين، وبهذا النظر قال عمر: (بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نشكر) (انظر الزهد لابن المبارك ص 182، والرياض النضرة للطبري 4/314، وسنن الترمذي 3/307)، ولهذا قال أمير المؤمنين: من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله (انظر ربيع الأبرار 1/45).

 

وقال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ الأنبياء/35، ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً﴾ (وانظر: بصائر ذوي التمييز 2/274، فقد نقل الفيروز آبادي غالب هذا الباب) الأنفال/17، وقوله عز وجل: ﴿وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ البقرة/49، راجع إلى الأمرين؛ إلى المحنة التي في قوله عز وجل: ﴿وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ﴾ البقرة/49، وإلى المنحة التي أنجاهم، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُم مِّنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاء مُّبِينٌ﴾ الدخان/33، راجع إلى الأمرين، كما وصف كتابه بقوله: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ فصلت/44.

 

وإذا قيل: ابتلى فلان كذا وأبلاه فذلك يتضمن أمرين: أحدهما تعرف حاله والوقوف على ما يجهل من أمره، والثاني ظهور جودته ورداءته، وربما قصد به الأمران، وربما يقصد به أحدهما، فإذا قيل في الله تعالى: بلاء كذا وأبلاه فليس المراد منه إلا ظهور جودته ورداءته، دون التعرف لحاله، والوقوف على ما يجهل من أمره إذ كان الله علام الغيوب، وعلى هذا قوله عز وجل: ﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن﴾ البقرة/124.

 

ويقال: أبليت فلانا يمينا: إذا عرضت عليه اليمين لتبلوه بها (انظر: اللسان (بلا) 14/84).