ثقل

 

الثقل والخفة متقابلان، فكل ما يترجح على ما يوزن به أو يقدر به يقال: هو ثقيل، وأصله في الأجسام ثم يقال في المعاني، نحو: أثقله الغرم والوزر. قال الله تعالى: ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ﴾ الطور/40، والثقيل في الإنسان يستعمل تارة في الذم، وهو أكثر في التعارف، وتارة في المدح نحو قول الشاعر:

 

تخف الأرض إذا ما زلت عنها *** وتبقى ما بقيت بها ثقيلا

حللت بمستقر العز منها *** فتمنع جانبيها أن تميلا

 

(الأشطار الثلاثة الأولى لزهير بن أبي سلمى، والأخير لابنه كعب، ولها قصة انظرها في أمالي المرتضى 1/97. وهما في ديوان زهير ص 71؛ وبصائر ذوي التمييز 1/334)

 

ويقال: في أذنه ثقل: إذا لم يجد سمعه، كما يقال: في أذنه خفة: إذا جاد سمعه. كأنه يثقل عن قبول ما يلقى إليه، وقد يقال: ثقل القول إذا لم يطلب سماعه، ولذلك قال في صفة يوم القيامة: ﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ الأعراف/187، وقوله تعالى: ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا﴾ الزلزلة/2، قيل: كنوزها، وقيل: ما تضمنته من أجساد البشر عند الحشر والبعث، وقال تعالى: ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ﴾ النحل/7، أي: أحمالكم الثقيلة، وقال عز وجل: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ العنكبوت/13، أي: آثامهم التي تثقلهم وتثبطهم عن الثواب، كقوله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ﴾ النحل/25، وقوله عز وجل: ﴿انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً﴾ التوبة/41، قيل: شبانا وشيوخا (راجع في تفسير الآية الدر المنثور 4/208)، وقيل: فقراء وأغنياء، وقيل: غرباء ومستوطنين، وقيل: نشاطا وكسالى، وكل ذلك يدخل في عمومها، فإن القصد بالآية الحث على النفر على كل حال تصعب أو تسهل. والمثقال: ما يوزن به، وهو من الثقل، وذلك اسم لكل سنج قال تعالى: ﴿وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ الأنبياء/47، وقال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ الزلزلة/7 - 8، وقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ القارعة/6 - 7، فإشارة إلى كثرة الخيرات، وقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾ القارعة/8، فإشارة إلى قلة الخيرات.

 

والثقيل والخفيف يستعمل على وجهين:

أحدهما على سبيل المضايفة، وهو أن لا يقال لشيء ثقيل أو خفيف إلا باعتباره بغيره، ولهذا يصح للشيء الواحد أن يقال خفيف إذا اعتبرته بما هو أثقل منه، وثقيل إذا اعتبرته بما هو أخف منه، وعلى هذه الآية المتقدمة آنفا.

 

والثاني أن يستعمل الثقيل في الأجسام المرجحة إلى أسفل، كالحجر والمدر، والخفيف يقال في الأجسام المائلة إلى الصعود كالنار والدخان، ومن هذا الثقل قوله تعالى: ﴿اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ﴾ التوبة/38.