رأى

 

رأى: (وقد أخذ المصنف جل هذا الباب من المسائل الحلبيات للفارسي ولخصه، انظر: المسائل الحلبيات ص 42 - 90) عينه همزة، ولامه ياء، لقولهم: رؤية، وقد قلبه الشاعر فقال:

 

وكل خليل راءني فهو قائل *** من أجلك: هذا هامة اليوم أو غد

 

(البيت لكثير غزة من قصيدة له مطلعها:

 

تظل ابنة الضمري في ظل نعمة *** إذا ما مشت من فوق صرح ممرد

 

وهو في ديوانه ص 435، واللسان: (رأى) ؛ والأغاني 15/111؛ والأضداد لابن الأنباري ص 325؛ والمسائل الحلبيات ص 47)

 

وتحذف الهمزة من مستقبله (قال سيبويه: ومما حذف في التخفيف لأن ما قبله ساكن قوله: أرى وترى ونرى. انظر: الكتاب 2/165)، فيقال: ترى ويرى ونرى، قال: ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ مريم/26، وقال: ﴿أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ﴾ فصلت/29، وقرئ: ﴿أَرِنَا﴾ (وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو بخلفه، وهشام وابن ذكوان وأبو بكر ويعقوب. الإتحاف 382). والرؤية: إدراك المرئي، وذلك أضرب بحسب قوى النفس:

 

والأول: بالحاسة وما يجري مجراها، نحو: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ، ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ التكاثر/6 - 7، ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ﴾ الزمر/60، وقوله: ﴿فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ﴾ التوبة/105 فإنه مما أجري مجرى الرؤية الحاسة، فإن الحاسة لا تصح على الله، تعالى عن ذلك، وقوله: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾ الأعراف/27.

 

والثاني: بالوهم والتخيل، نحو: أرى أن زيدا منطلق، ونحو قوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ الأنفال/50.

 

والثالث: بالتفكر، نحو: ﴿إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ﴾ الأنفال/48.

 

والرابع: بالعقل، وعلى ذلك قوله: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ النجم/11، وعلى ذلك حمل قوله: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ النجم/13.

 

ورأى إذا عدي إلى مفعولين اقتضى معنى العلم، نحو: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ سبأ/6، وقال: ﴿إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ﴾ الكهف/39، ويجري (أرأيت) مجرى أخبرني، فيدخل عليه الكاف، ويترك التاء على حالته في التثنية، والجمع، والتأنيث، ويسلط التغيير على الكاف دون التاء، قال: ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي﴾ الإسراء/62، ﴿قُلْ أَرَأَيْتُكُم﴾ الأنعام/40، وقوله: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى﴾ العلق/9، ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ﴾ الأحقاف/4، ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ﴾ القصص/71، ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ﴾ الأحقاف/10، ﴿أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا﴾ الكهف/63، كل ذلك فيه معنى التنبيه.

 

والرأي: اعتقاد النفس أحد النقيضين عن غلبة الظن، وعلى هذا قوله: ﴿يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾ آل عمران/13، أي: يظنونهم بحسب مقتضى مشاهدة العين مثليهم، تقول: فعل ذلك رأي عيني، وقيل: راءة عيني. والروية والتروية: التفكر في الشيء، والإمالة بين خواطر النفس في تحصيل الرأي، والمرتئي والمروي: والمتفكر، وإذا عدي رأيت بإلى اقتضى معنى النظر المؤدي إلى الاعتبار، نحو: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ﴾ الفرقان/45، وقوله: ﴿بِمَا أَرَاكَ اللّهُ﴾ النساء/105، أي: بما علمك. والراية: العلامة المنصوبة للرؤية. ومع فلان رئي من الجن، وأرأت الناقة فهي مرء: إذا أظهرت الحمل حتى يرى صدق حملها. والرؤيا: ما يرى في المنام، وهو فعلى، وقد يخفف فيه الهمزة فيقال بالواو، وروي: (لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا) (الحديث تقدم في مادة (بشر). قال: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ﴾ الفتح/27، ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ﴾ الإسراء/60، وقوله: ﴿فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ﴾ الشعراء/61، أي: تقاربا وتقابلا حتى صار كل واحد منهما بحيث يتمكن من رؤية الآخر، ويتمكن الآخر من رؤيته. ومنه قوله: (لا تتراءى نارهما) (الحديث عن قيس بن أبي حازم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى قوم من خثعم، فاستعصموا بالسجود فقتلوا، فقضى رسول الله بنصف العقل، وقال: (إني بريء من كل مسلم مع مشرك)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا لا تراءى نارهما). أخرجه النسائي 8/36.

 

وأخرجه أبو داود في الجهاد برقم (2645) ولفظه: (أنا بريء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين، لا تتراءى نارهما) والترمذي في أبواب السير. انظر: عارضة الأحوذي 8/104، والحديث صحيح لكن اختلف في وصله وإرساله. وانظر: شرح السنة 10/373). ومنازلهم رئاء، أي: متقابلة. وفعل ذلك رئاء الناس، أي: مراءاة وتشيعا. والمرآة ما يرى فيه صورة الأشياء، وهي مفعلة من: رأيت، نحو: المصحف من صحفت، وجمعها مرائي، والرئة: العضو المنتشر عن القلب، وجمعه من لفظه رؤون، وأنشد (أبو زيد) :

 

فغظناهمو حتى أتى الغيظ منهمو *** قلوبا وأكبادا لهم ورئينا

 

(البيت في اللسان (رأى)، دون نسبة؛ وهو في نوادر أبي زيد ص 195. والبيت للأسود بن يعفر في ديوانه ص 63، والمسائل الحلبيات للفارسي ص 61؛ والتكملة له ص 428)

 

ورئته: إذا ضربت رئته.