آدم والشيطان (2)

الآيـات

﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ / وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ / فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾.

 

التفسير

أ- ما هي جنّة آدم (عليه السلام)؟

يبدو أن الجنّة التي مكث فيها آدم قبل هبوطه إلى الأرض، لم تكن الجنّة التي وُعد بها المتقون. بل كانت من جنان الدنيا، وصقعاً منعّماً خلاّباً من أصقاع الأرض. ودليلنا على ذلك:

 

أولًا: الجنّة الموعودة في القيامة نعمة خالدة، والقرآن ذكر مراراً خلودها، فلا يمكن إذن الخروج منها.

ثانيًا: إبليس الملعون ليس له طريق للجنّة، وليس لوسوسته مكان هناك.

ثالثًا: وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) روايات تصرّح بذلك:

 

منها: ما روي عن الإِمام جعفر بن محمّد الصّادق (عليه السلام) أنه سئل عن جنّة آدم، فقال: "جَنَّةٌ مِنْ جَنَّاتِ الدُّنْيَا، يَطْلَعُ فِيهَا. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنَانِ الاْخِرَةِ مَا خَرَجَ مِنْهَا أبَداً"(1).

 

من هذا يتضح أن هبوط آدم ونزوله إلى الأرض لم يكن مكانياً بل مقامياً. أي أنه هبط من مكانته السامية ومن تلك الجنّة المزدانة.

 

من المحتمل أيضاً أن تكون هذه الجنّة غير الخالدة في إحدى الكواكب السماوية، وفي بعض الرّوايات الإِسلامية إشارة إلى أن هذه الجنّة في السماء. غير أنّ من الممكن أن يكون المقصود بالسماء في هذه الرّوايات «المقام الرفيع» لا «المكان المرتفع».

 

على كل حال، توجد شواهد كثيرة على أن هذه الجنّة هي غير جنّة الخلد الموعودة. لأَن جنّة آدم بداية مسير الإِنسان وجنّة الخلد نهايتها. وهذه مقدمة لأعمال الإِنسان ومراحل حياته، وتلك نتيجة أعمال الإِنسان ومسيرته.

 

ب- ما هو ذنب آدم؟

المكانة التي ذكرها القرآن لآدم سامية ورفيعة، فهو خليفة الله في الأرض ومعلم الملائكة، وعلى درجة كبيرة من التقوى والمعرفة، وهو الذي سجدت له ملائكة الله المقربين. ومن المؤكد أن آدم هذا لا يصدر عنه ذنب، إضافة إلى أنه كان نبيّاً، والنّبي معصوم.

 

من هنا يطرح سؤال عن نوع العمل الذي صدر عن آدم. وتوجد لذلك ثلاثة تفسيرات يكمل بعضها الآخر.

 

أ- ما ارتكبه آدم كان «تركاً للأولى» أو بعبارة اُخرى كان «ذنباً نسبياً»، ولم يكن «ذنباً مطلقاً».

 

الذنب المطلق، وهو الذنب الذي يستحق مرتكبه العقاب أياً كان، مثل الشرك والكفر والظلم والعدوان. والذنب النسبي هو الذي لا يليق بمرتكبه أن يفعله لعلوّ منزلة ذلك الشخص، وإن كان إرتكابه مباحاً، بل مستحباً أحياناً من قبل الأفراد العاديين. على سبيل المثال، نحن نؤدي الصلاة بحضور القلب تارة، وبعدم حضور القلب تارة اُخرى. وهذه الصلاة تتناسب وشأننا، لكن مثل هذه الصلاة لا تليق بأفراد عظام مثل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). صلاة الرّسول ينبغي أن تكون بأجمعها اتصالا عميقاً بالله تعالى، وإن فعل الرّسول غير ذلك فلا يعني أنه ارتكب محرّماً، بل يعني أنه ترك الاُولى.

 

وآدم كان يليق به أن لا يأكل من تلك الشجرة، وإن كان الأكل منها غير محرّم بل «مكروهاً».

 

ب- نهي الله لآدم إرشادي، مثل قول الطبيب: لا تأكل الطعام الفلاني فتمرض. والله سبحانه قال لآدم: لا تقرب هذه الشجرة فتخرج من الجنّة. وآدم في أكله من الشجرة خالف نهياً إرشادياً.

 

ج- الجنّة التي مكث فيها آدم لم تكن محلا للتكليف، بل كانت دورة إختبارية وتمهيدية لآدم كي يهبط بعدها إلى الأرض. وكان النهي ذا طابع إختياري(2).

 


1- كتاب الكافي -نقلا عن تفسير نور الثقلين- ج1 / ص 62.

2- لمزيد من التوضيح في هذا المجال، راجع المجلد الرابع من هذا التّفسير، ذيل الآيات (19-22) من سورة الأعراف، والمجلد العاشر ذيل الآية (121) من سورة طه.