من أخلاق النبي الأكرم

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾(1).

يمثل الحب أحد أهم الإحساسات الطبيعية للإنسان، ولهذا تجده يمثل قوة خفية تبعث الإنسان لأن يتعلق قلبه بالآخرين، وبهذا التعلق تنشأ العلاقات بين الأفراد وتتوثق ويعم التآلف بين الجميع، لأن المحبة هي منبع الاطمئنان وهي تمثل لذة روحية يعيش بها الإنسان سعادته مع الآخرين. وإنْ فقد الإنسان المحبة فإنَّه يفقد عنصر الأمان والاطمئنان؛ لأنَّه يفقد رابطة أو علقة من العلائق التي تربطه بإخوانه، ولهذا تراه يعيش القلق والاضطراب عند فقده للمحبة، ويعيش الظلام النفسي، بل إنَّ بعضهم يعيش صورة منقلبة عن الإنسانية فيعيش البغض والكره والرغبة في التفريق والتدمير .. إلخ، لأن قلبه لم يعمر بالمحبة ولم يقو هو إحساسه الطبيعي.

إن التوافق الروحي هو الذي يؤلف بين الناس ويوثق العلاقات والروابط، ولأجل إدامة أواصر المحبة والمودة لابد للإنسان أن يطرح فوارق الاختلاف جانبًا ويعيش الإنسانية في أحلى صورها بالتواضع والمحبة والألفة .. ليحصل على محبة الآخرين.

وقد نُقل عن أحد العلماء قوله: إنَّ حياتنا كمنطقة جبلية كلما نادى فيها الإنسان سمع صدى صوته، فالذي يكون قلبه مليئا من حب الآخرين لا يرى منهم إلا المحبة والوفاء .. وهذا القول يكشف عن قانون طبيعي في هذه الحياة يمكن التعبير عنه بأنه المعاشرة الحسنة وحب الآخرين تكون الجالبة لحب الآخرين ومبادلة الشعور والإحساس.

وبمثل هذه المودة وهذا الشعور العظيم تتآلف القلوب ويمكن أن يحدث التأثير العظيم في بناء النفوس والشخصيات، ولهذا نجد أنَّ رسولنا العظيم (ص) قد تبنى هذا النهج في دعوته وفي بنائه لنفوس التابعين له بإحسان، وقد عبر القران الكريم عن طيب نفسه (ص) وليونتها في تعامله، وهي صورة التواضع العظيم الذي كان يعيشه الرسول الأعظم (ص) وبهذه السجية استطاع أن يبسط سلطان الإسلام وينشر دين الله، فقد كان (ص) يفتح صدره الرحب على كافة الناس وكانت تتجلى في صفاته العظيمة الحالة الملائكية الجميلة الكاشفة عن محبة عميقة للبشرية لا يمكن وصفها، فكان من محبته وعطفه أنه يعم المسلمين على السوية باللطف والعناية، وقد ورد عنه أنه (ص) كان يقيم لحظاته بين أصحابه، ينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسوية(2).

ونقل أنس ابن مالك في صفة أخلاق الرسول (ص) قال: خدمت النبي (ص) عشر سنين، فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت.


1- سورة آل عمران / 159.

2- انظر متن الحديث في: كتاب الكافي-الروضة ص268.