التمثيل الثامن والعشرون ? سورة النحل
﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أحَدُهُما أبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَىءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلأهُ أينَمَا يُوَجّههُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقيم﴾.(1)
تفسير الآية:
كان التمثيل السابق يبيّن موقف الآلهة الكاذبة بالنسبة إلى العبادة والخضوع وموقفه تبارك و تعالى حيالها، ولكن هذا التمثيل جاء لبيان موقف عبدة الأصنام والمشركين وموقف المؤمنين والصادقين، فيشبّه الأوّل بالعبد الأبكم الذي لا يقدر على شيء، ويشبّه الآخر بإنسان حرّ يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم.
نفترض عبداً رِقاً له هذه الصفات:
أ: أبكم لا ينطق وبالطبع لا يسمع لما في الملازمة بين البكم وعدم السماع، بل الأوّل نتيجة الثاني، فإذا عطل جهاز السمع يسري العطل إلى اللسان أيضاً، لأنّه إذا فقد السمع فليس بمقدوره أن يتعلم اللغة.
ب: عاجز لا يقدر على شيء، ولو قلنا بإطلاق هذا القيد فهو أيضاً لا يبصر، إذ لو أبصر لا يصح في حقّه انّه لا يقدر على شيء.
ج: ﴿كَلّ على مولاه﴾: أي ثقل ووبال على وليّه الذي يتولّى أمره.
د: ﴿أينما يُوجّهه لا يَأْتِ بِخَير﴾ لعدم استطاعته أن يجلب الخير، فلا ينفع مولاه، فلو أرسل إلى أمر لا يرجع بخير.
فهذا الرق الفاقد لكلّ كمال لا يرجى نفعه ولا يرجع بخير.
وهناك إنسان حرٌّ له الوصفان التاليان :
أ: يأمر بالعدل.
ب: وهو على صراط مستقيم.
أمّا الأوّل، فهو حاك عن كونه ذا لسان ناطق، وإرادة قوية، وشهامة عالية يريد إصلاح المجتمع، فمثل هذا يكون مجمعاً لصفات عليا، فليس هو أبكمَ ولا جباناً ولا ضعيفاً ولا غير مدرك لما يصلح الأمة والمجتمع. فلو كان يأمر بالعدل فهو لعلمه به فيكون معتدلاً في حياته وعبادته ومعاشرته التي هي رمز الحياة.
وأمّا الثاني: أي كونه على صراط مستقيم، أي يتمتع بسيرة صالحة ودين قويم.
فهذا المثل يبيّن موقف المؤمن والكافر من الهداية الإلهية، وقد أشار سبحانه إلى مغزى هذا التمثيل في آية أُخرى، وقال: ﴿أفَمَنْ يَهْدِي إلى الحَقِّ أحَقُّ أن يُتَّبَعَ أمَّن لا يَهِدِّي إلاّ أن يُهَدى فَما لكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون﴾. (2)
هذا التفسير مبني على أنّ التمثيل بصدد بيان موقف الكافر والمؤمن غير انّ هناك احتمالاً آخر، وهو انّ التمثيل تأكيد للتمثيل السابق وهو تبيين موقف الآلهة الكاذبة و الإله الحق.
1-النحل:76.
2-يونس:35.