التمثيل التاسع عشر - سورة هود

﴿إنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات وَأخْبتُوا إلى رَبّهِمْ أُولئِكَ أصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُون / مَثَلُ الفَريقَين كَالأعْمى وَالأصَمّ وَالبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أفَلا تَذَكَّرُون﴾(1).

تفسير الآيات:

يصوّر سبحانه الكافر كالأعمى والأصم، والمؤمن بالبصير والسميع، ثمّ ينفي التسوية بينهما -كما هو معلوم- غير إن هذا التمثيل يستقي مما وصف به سبحانه كلا الفريقين بأوصاف خاصة.

فقال في حقّ الكافر: ﴿ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُون﴾(2).

والمراد كان لهم أسماعاً وأبصاراً ولكنّهم لم يكونوا يستخدمونها في سماع الآيات وروَية الحقائق، فنفي الاستطاعة كناية عن عدم استخدام الأسماع، كما أنّ نفى الأبصار كناية عنه.

ثمّ إنّه سبحانه وصف المؤمن في الآية التالية بأوصاف ثلاثة:

أ- الإيمان بالله .

ب- العمل الصالح.

ج- التسليم إلى الله حيث قال: ﴿وَأخْبتُوا إلى رَبّهِمْ﴾.

فالمؤمن الصالح ثمرة من شجرة الإيمان كما إن التسليم والانقياد والخضوع والاطمئنان لما وعد الله من آثاره أيضاً.

فالمؤمن هو الذي يسمع آياته ويبصرها في سبيل ترسيخ الإيمان في قلبه واثماره.

ثمّ إنّه مثّل الكافر والمؤمن بالتمثيل التالي، وقال: ﴿مَثَلُ الفَريقَين كَالأعْمى والأصم وَالبَصير وَالسَّميع هَلْ يَسْتَويان مَثلاً أفَلا تَذَكَّرُون﴾.

أي مثل فريق المسلمين كالبصير والسميع. ومثل فريق الكافرين كالأعمى والأصم، لأنّ المؤمن ينتفع بحواسه بأعمالها في معرفة المنعم وصفاته وأفعاله، والكافر لا ينتفع بها فصارت بمنزلة المعدومة.

ثمّ إنّه وصف الوضع بين الأعمى والأصم كما وصفها بين البصير والسميع، وذلك لإفادة تعدّد التشبيه بمعنى:

أنّ حال الكافر كحال الأعمى.

وحال الكافر أيضاً كحال الأصم.

كما أنّ حال المؤمن كالبصير.

وحاله أيضاً كالسميع.

وحاصل الكلام: انّه لا يستوى البصير والسميع مع الأعمى والأصم، والموَمن والكافر أيضاً لا يستويان.


1- سورة هود / 23-24.

2- سورة هود / 20.